المحامي وسام أسمر

لأحد أهم وأسمى المنظمات التطوعية في العالم. من هنا، الحاجة للوقوف على جوهر منظمة الروتاري، غايتها، وأهدافها.

الحاجة لكتابة هذه المقالة لا تنبع فقط من الرغبة بتصحيح الأحكام المسبقة، بل بشكل أساسي لأننا نعتقد، بل ونعلم حق المعرفة أن لمنظمة الروتاري، وجودها وتطورها، أهمية كبيرة في كل مجتمع يرغب في تنمية قيم الإيثار.

الروتاري هو منظمة دولية تعددية، متعددة الثقافات، وغير سياسية، تعمل، دون تمييز في الدين، القومية، العرق أو الجنس، من خلال مبادرين اجتماعيين - رجال أعمال وأصحاب مهن حرة، رائدين في مجالاتهم، منظمين في نوادٍ اجتماعية. هؤلاء يعملون على تنمية العلاقات المهنية على خلفية مهنهم، للمشاركة الفعالة في حياة المجتمع، ولتقديم وتطوير مشاريع إنسانية في العالم.

أعضاء الروتاري هم أصحاب مهن، مديرون، رجال أعمال، قادة بارزون، أشخاص يسَخِرون علاقاتهم ومواهبهم ويساهمون من خبرتهم، من أجل تحسين المجتمعات المحلية في أكثر من مائتي دولة ومنطقة جغرافية في العالم. القاسم المشترك للجميع هو التشوق لمجتمع أفضل.

تضم منظمة الروتاري قرابة 1.4 مليون عضو، منظمين في حوالي 53,000 نادٍ في حوالي 240 دولة ومنطقة جغرافية حول العالم، بما في ذلك العالم العربي بأكمله، ومن ضمن ذلك مصر، الأردن، السلطة الفلسطينية، دول الخليج وغيرها.

من خلال صندوق الروتاري الذي يقف إلى جانبها، تركز المنظمة على سبع مجالات اهتمام: (1) السلام ومنع النزاعات؛ (2) الوقاية من الأمراض ومعالجتها؛ (3) المياه والصرف الصحي والنظافة؛ (4) صحة الأم والطفل؛ (5) التعليم الأساسي ومحو الأمية؛ (6) التنمية الاقتصادية والمجتمعية؛ (7) البيئة.

يتجلى نجاح منظمة الروتاري في ملايين الأشخاص الذين حصلوا على تحسين في مستوى حياتهم، والتطور والتقدم بفضل المساعدة والدعم من الروتاري الدولي. معاً نرى عالماً به يتحد الناس ويعملون بهدف خلق تغيير مستمر ودائم، حول العالم، في مجتمعاتنا، وداخلنا.

تأسست منظمة الروتاري عام 1905 في شيكاغو بولاية إلينوي في الولايات المتحدة، على يد الرئيس المؤسس المحامي بول هاريس، بالتعاون مع ثلاثة رجال أعمال آخرين؛ الخياط هيرام شوري، تاجر الفحم سيلفستر شيل، ومهندس المناجم غوستاف لوير. في اجتماعهم الأول وضع الأربعة القاعدة الأساسية لمنظمة الروتاري، والتي تنص على ضرورة وضع العلاقة مع الآخر فوق رغبة الفرد في الاهتمام بنفسه فقط، حيث بالطبع من أجل التطبيق الفعلي للاهتمام بالجميع، على الفرد، بحد ذاته، أن يكون ناجحاً. من هنا تنشأ معادلة رائعة، دون أي تناقض، بين الفرد والجماعة، نتيجتها هي انتصار للطرفين - هكذا، يتحقق هدف "Win Win" بالكامل.

اختيار اسم "روتاري" كاسم للمنظمة استند في البداية على الاتفاق بأن الاجتماع الأسبوعي للأعضاء الأربعة المؤسسين سيعقد في كل مرة بالتناوب في مكتب كل واحد منهم. إلا أنه مع السنين، خاصة مع تطور المنظمة وإنشاء فروع إضافية لها في جميع أنحاء العالم، اكتسب تعبير "روتاري" معنى إضافياً يعبر عن الفكرة بأن السنة الروتارية تبدأ، كل سنة، في الأول من تموز وتنتهي في الثلاثين من حزيران من السنة التالية، بحيث يتناوب أصحاب المناصب في كل نادٍ، بالتناوب، كل سنة. من هنا يتحقق هدف إضافي الا وهو انه في الروتاري لا يوجد "سادة" "يستوطنون" على كرسي القيادة لفترة طويلة، بل "خدّام" لصالح الجميع، ولفترة محددة مدتها سنة، يجب عليهم، من خلالها، إثبات أنفسهم وقيادة المنظمة بشكل عام والنوادي بشكل خاص، مع آخرين، إلى قمم جديدة، مع ترك بصمة خلفهم، من أجل دعم، تطوير، تنمية ورعاية المجتمع.

من هنا، منظمة الروتاري هي ليست مجرد منظمة تطوعية، بل هي منظمة مهنية ذات بُعد تطوعي مًكَمِل، تعمل على تشجيع وتطوير مُثُل الخدمة للمجتمع على أساس المبادرة والريادة المهنية بشكل عام، وكذلك تنمية وتشجيع أربعة مُثُل إضافية ومشتقة بشكل خاص: (1) التعارف كأساس لخدمة المجتمع؛ (2) معايير أخلاقية عالية في النشاط التجاري والمهني؛ (3) مثال الخدمة للمجتمع في كل نشاط لعضو النادي، على المستوى الشخصي، التجاري والمجتمعي؛ (4) تعزيز التفاهم الدولي، حسن النية والسلام من خلال النشاط التجاري والمهني.

هذه الأهداف ليست نظرية على الإطلاق، وتطبيقها مراقَب ومفحوص من خلال اختبار الطرق الأربع الروتاريوني والذي من خلاله يمكن فحص ما إذا كان نشاط معين يتوافق مع روح الروتاري أم لا. وفقاً له: (1) هل هذه هي الحقيقة؟ (2) هل هي عادلة تجاه المعنيين؟ (3) هل سيعزز النشاط حسن النية والصداقة المتبادلة؟ (4) هل سيكون النشاط لصالح جميع المعنيين؟

حتى تنجح منظمة الروتاري في تحقيق مجمل أهدافها، طريقة عمل كل عضو روتاري هي أن الروتاري يجب أن يكون خلّاقاً متطوراً طوال الوقت وعلى المدى الطويل، لكن ثورياً ايضاً في أوقات معينة، خاصة في فترات الأزمات.

من بين المبادرات الشهيرة التي سجلت فيها منظمة الروتاري نجاحاً كبيراً هو مشروع "بوليو بلوس"؛ مشروع للقضاء على مرض شلل الأطفال. الحديث عن مشروع بدأ عام 1985، تم في إطاره جمع أكثر من 600 مليون دولار بنجاح، وتم تجنيد عشرات آلاف ساعات التبرع لصالح المجتمع من أجل محاربة هذا المرض الصعب. كل هذا معاً مكّن من تطعيم أكثر من ملياري طفل، تماماً كذلك، ضد شلل الأطفال. يتجلى نجاح منظمة الروتاري في هذا السياق، أيضاً وبشكل خاص، عندما شكل المشروع مصدر إلهام لمنظمة الصحة العالمية، التي قررت، عام 1989، في أعقاب مشروع منظمة الروتاري، القضاء على المرض بحلول عام 2000 فعلياً.

الروتاري في إسرائيل منظم في منطقة روتاري مستقلة تسمى منطقة 2490 ومدرج في النطاق Zone 21A مع دول أخرى من وسط وشرق أوروبا. المنطقة منظمة من 58 نادياً محلياً، تعمل في ثلاث عناقيد وتضم حوالي 1,140 عضواً. تعمل المنطقة على خلق فرص تجارية، اجتماعية ودولية لأعضائها الذين كما ذُكر يعملون بشكل تطوعي لتقديم مجتمعاتهم، بما في ذلك من أجل الرُقي بالجيل الشاب نحو التميز.

على رأس كل منطقة (District) من منظمة الروتاري يتواجد عميد، يُنتخب لهذا المنصب الرفيع بموجب معايير منها مهارات القيادة لديه، المعرفة الروتارية التي يمتلكها وقدرته على القيادة، مع آخرين، لتحقيق الأهداف والغايات الموضوعة في أساس منظمة الروتاري. على مر السنين، انتُخب لهذا المنصب، في إطار منظمة روتاري إسرائيل، خمسة عُمداء من أبناء المجتمع العربي. الأول منهم كان القاضي سليم جبران رحمه الله (1992/1993)، الذي أصبح لاحقاً نائب رئيس المحكمة العليا؛ الثاني، يوسف سروجي رحمه الله (1999/2000)، اقتصادي ورائد أعمال؛ الثالث، إميل الأسمر (2015/2016)، مدقق حسابات ومحاسب كبير في شركة رائدة؛ الرابع؛ بشير نصير (2023/2024)، مدقق حسابات بمهنته؛ والخامس، هو الحاكم الحالي (2025/2026) البروفيسور محمد وتد، بروفيسور كامل الحقوق في مجال القانون، رئيس الكلية الأكاديمية رمات غان، وعميد كلية الحقوق السابق في الكلية الأكاديمية صفد.

الطموح في الروتاري هو تغيير العالم فعلاً. في أساس هذا المفهوم تكمن الفكرة أن الروتاريين يفكرون عالمياً لكنهم يعملون محلياً. أي أنهم يضعون لأنفسهم أهدافاً عالية جداً، ويحققونها، كل واحد منه في "قطعة أرضه الصغيرة". من هنا التغييرات المحلية المتراكمة تشكل ضماناً لخلق تغيير في العالم بأكمله.

بعكس الفكرة المسبقة حول منظمة الروتاري كمنظمة نخبوية ومغلقة؛ نتحدث عن منظمة مفتوحة للجميع، للجميع فعلاً. أحسن في وصف ذلك بول هاريس نفسه، الرئيس المؤسس لمنظمة الروتاري، عندما قال: "الروتاري هو المكان حيث الأشخاص العاديون يقومون بأشياء استثنائية". من هنا طموح الروتاري لضم إليه، من كافة أطياف المجتمع، قادة بطبيعتهم الذين يطمحون لرؤية نجاح الجميع كاستمرار لنجاحهم الذين يعززون هذه المؤسسة الرائدة لأهداف وجماهير متنوعة. كل من لديه الثقة بالنفس لرؤية نجاح الآخر وازدهاره كمفتاح لاستمرار نجاحه، مدعو، بكل ترحاب، للانضمام لصفوف الروتاري وتحقيق رؤيته عملياً وعلى أرض الواقع.

*البروفيسور محمد وتد، عميد روتاري إسرائيل (2025/2026) ، رئيس سابق لنادي روتاري ستيلا ماريس حيفا (2020/2021).

*المحامي وسام اسمر، رئيس لجنة العلاقات العامة والناطق الرسمي في روتاري إسرائيل (2025/2026) ؛ رئيس سابق لنادي روتاري ستيلا ماريس حيفا (2021/2022).


البروفيسور محمد وتد 

[email protected]استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ