بلدان
فئات

15.05.2024

°
08:37
معرض فني في دبي يمزج الفن والتكنولوجيا للتذكير بأهمية الحفاظ على الطبيعة
08:22
إصابة شاب بجراح متوسطة بحادث عنف في الطيبة
08:17
تقديم تصريح ادعاء ضد شقيقين من طرعان بشبهة اطلاقهما النار على آخر ومحاولة قتله
08:09
إصابة شاب بجراح متوسطة جراء حادث عنف على شارع 444 في الطيبة
08:01
رجل بحالة حرجة اثر تعرضه للدهس في مجد الكروم
07:41
ابعاد معلمة من الطيبة عن العمل حتى اشعار اخر بسبب مشاركتها بمسيرة العودة
07:17
اضراب لمدة ساعتين في المدارس الثانوية هذا الصباح
06:59
ام الفحم: إطلاق مشروع قياديي الأرقم الشبابي بالتعاون بين وحدة العمل الجماهيري وجمعية بصائر الخير
06:58
الجيش الاسرائيلي: مقتل جندي خلال المعارك في جنوب غزة - مصادر فلسطينية: ‘شهداء وجرحى في غارات على القطاع‘
06:20
حالة الطقس : إرتفاع طفيف على درجات الحرارة اليوم
19:22
أربع اصابات متفاوتة بحادث طرق ذاتي في كفر كنا
18:50
اصابة شاب اثر سقوطه عن علو 3 امتار خلال تجوّله في منطقة القدس
18:29
أبو العم : مباراة شباب الطيبة وهـ. بيت شان في ستاد السلام في ام الفحم
17:01
اصابة رجل بحادث طرق بين دراجة نارية وسيارة في مركز البلاد
16:22
اصابة شابيْن بحادث انقلاب ‘باجي‘ في النقب
16:21
عمليات انعاش لطفلة (سنتان) اثر سقوطها عن ‘تراكتورون‘ قرب البعينة نجيدات
15:30
مصاب بحالة حرجة اثر تعرضه لاطلاق نار في وادي سلامة
15:02
اغلاق مواقف سيارات بشاطئين في بحيرة طبريا بسبب الاكتظاظ
14:39
الجيش الاسرائيلي يعلن مقتل أحد مسلحي حزب الله في جنوب لبنان
14:18
اصابة مباشرة في الجليل الغربي اثر اطلاق صاروخ مضاد للدبابات
أسعار العملات
دينار اردني 5.25
جنيه مصري 0.08
ج. استرليني 4.66
فرنك سويسري 4.11
كيتر سويدي 0.34
يورو 4.01
ليرة تركية 0.12
ريال سعودي 0.96
كيتر نرويجي 0.34
كيتر دنماركي 0.54
دولار كندي 2.72
10 ليرات لبنانية 0
100 ين ياباني 2.39
دولار امريكي 3.72
درهم اماراتي / شيكل 1.03
ملاحظة: سعر العملة بالشيقل -
اخر تحديث 2024-05-15
اسعار العملات - البنك التجاري الفلسطيني
دولار أمريكي / شيكل 3.74
دينار أردني / شيكل 5.31
دولار أمريكي / دينار أردني 0.71
يورو / شيكل 4.03
دولار أمريكي / يورو 1.08
جنيه إسترليني / دولار أمريكي 1.24
فرنك سويسري / شيكل 4.12
دولار أمريكي / فرنك سويسري 0.92
اخر تحديث 2024-05-14
زوايا الموقع
أبراج
أخبار محلية
بانيت توعية
اقتصاد
سيارات
تكنولوجيا
قناة هلا
فن
كوكتيل
شوبينج
وفيات
مفقودات
مقالات
حالة الطقس

مقال | حين تكشف المنفعة الاقتصاديّة زيف ‘الشعارات الوطنيّة‘

بقلم : المحامي زكي كمال
08-08-2022 07:56:52 اخر تحديث: 08-08-2022 10:56:52

في الشرق الأوسط كما في العالم أجمع، يبقى عدم الوضوح هو السمة السائدة في غالب القضايا ومعظم الأحيان، فلا السياسيّ يبقى سياسيًّا، ولا الاقتصاديّ

 
المحامي زكي كمال

يبقى اقتصاديًّا، بل يختلط الأمران، لتصبح كافّة التطوّرات والخطوات مزيجًا من السياسيّ والاقتصاديّ والعسكريّ، تثير موجات من الغبار والتضليل الإعلاميّ، وتشكّل سلاحًا لكافّة أطرافه، لتبرير مواقفها ومنطلقاتها، بشكل يجعلها تبدو جميعها رابحة. ففي "الشرق الأوسط الجديد" ليس هناك خاسرون، بل إن الجميع يسارع فور إعلان النتائج عن الاحتفال بربحه وإنجازاته الكبيرة متناسيًا كل ما كان وكل ما قيل. فكلّها أمور لا تتعدّى كونها شعارات رنّانة وتصريحات طنّانة، تشمل الكثير من التهديد والوعيد، والتغني بالقوميّة والحفاظ على الأمن القوميّ، والسيادة البريّة والبحريّة والجويّة، واعتبار كلّها دون استثناء خطوطًا حمراء، والويل لمن يتجاوزها، أو أنها في أحسن الأحوال "تسجيل مواقف وضريبة كلاميّة" على كافّة الأطراف في نفس اللعبة دفعها لإرضاء "ضميرها الحركيّ"، وإسكات غضب مؤيّديها وانتقادات معارضيها، فعدم الوضوح واتّخاذ المواقف الفضفاضة التي تقبل من التأويلات المئات، هو فن الساسة في شرقنا بكل دوله، بما فيها دولة إسرائيل. فمصير الممانعة، وهو مصطلح اجترحته القيادات السياسيّة العربيّة حول الموقف من النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، وتغنّت به كافّة الدول العربيّة، وسرعان ما تحوّل إلى تطبيع مع إسرائيل، هو ذاته مصير كافّة شعارات المقاومة ورايات رفض أيّ اتّصال مباشر، أو غيره مع إسرائيل، اقتصاديًّا  كان أو سياسيًّا، حين يؤدّي هذا الاتصال إلى نتائج يمكن لمن رفع راية المقاومة والممانعة وتغنّى بالنضال حتى التحرير، أن يستخدمها مبرّرًا ادّعاءه بأن صموده أثمر عن نتائج،  فالتغني بالانتصارات الوهميّة كان وما زال زاد الشرق وعتاده، وكان وما زال ديدن البعض من القيادات التي تأبى أو تستكبر، وتجد  صعوبة في الاعتراف بالحقيقة -وهي واضحة- بأن مواقفها كانت غير مدروسة، أو ربّما مدسوسة تخدم الغير، أو الاعتراف بأنها كانت واحدة من النخب السياسيّة والإعلاميّة والثقافيّة التي ما زالت حتى اليوم وربما بعد اليوم، تخوض نقاشًا سفسطائيًّا حول ما إذا كان على الدول والشعوب العربيّة أن تضع الاقتصاد ورفاهية الشعوب والمواطنين، على رأس الاهتمامات والمسؤوليّات التي تناط بالحكومة والأحزاب والحركات السياسيّة المختلفة، وأن تكون المواقف السياسيّة والعسكريّة  في مجملها تابعة لهذا التوجّه ونتيجة حتميّة له، ترافقه وتعزّزه وتجسّده، في حين يعتقد آخرون بأن العكس هو الصحيح، أي ضرورة أن تكون الأولويّة للسياسة  والمواقف العسكريّة، ويأتي الاقتصاد ورفاهية المواطن في المرحلة التالية، كما في معظم الدول العربيّة عامّة، ولبنان خاصة الذي اضطر لخوض صدامات عسكريّة مع إسرائيل، وأن يواجه أزمات اقتصاديّة وسياسيّة داخليّة، دون أن يكون خوضها قراره السياديّ والمستقل، بل ربما قرار تمّ اتخاذه لمصلحة جهات خارجيّة ودول خارجيّة، بخلاف ما يتم في الدول المتقدّمة والديمقراطيّة من تشخيص للأولويّات الاقتصاديّة والسياسيّة وفق قرارات ودراسات علميّة مكثّفة، وليس اجتهادات شخصيّة أو قرارات ارتجاليّة، بل عبر تحديد الأهمّ والمهمّ في هذه المعادلة، دون أن يعني ذلك التفريط بأحد الجانبين على حساب الآخر، أو التمسك بأحدهما دون الآخر.
هذا ما يتبادر إلى الأذهان خلال مراجعة ملف ترسيم الحدود المائيّة (الحدود البحريّة) بين إسرائيل ولبنان، وخاصّة الخلاف بينهما المتعلّق بملكيّة حقل الغاز "قانا". والحديث المتواتر والمكثّف عن احتمال توقيع اتفاق حول ذلك بوساطة أمريكيّة، وهو ما اتّضح جليًّا بعد وصول  السفيرة الأمريكيّة في بيروت دوروثي شيا، القصر الرئاسيّ في بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، بغية إطلاعهم على آخر المستجدّات المتعلّقة بالقضية، كما جاء في تصريحات دبلوماسيّة أمريكيّة، وبعبارات، يجب ترجمتها إلى "اللغة العاديّة"، معناها أن السفيرة سلّمت الرئيس عون مسوّدة اقتراح إسرائيليّ أمريكيّ للحلّ، تشمل الردّ الإسرائيليّ على المطالب اللبنانيّة، بما في ذلك الاقتراح بعدم اتخاذ قرارات حول النقاط البريّة الخاصّة بترسيم الخط الجديد، وهو ما حاولت إسرائيل فرضه على لبنان بحجّة وجود منطقة أمنيّة داخل المياه الإقليميّة للبنان.

لكن الأهمّ، وما دعاني إلى المقدّمة التي افتتحت بها مقالي هو حقيقة وفحوى التصريحات التي أعقبت اللقاء في قصر بعبدا، أولها تصريحات رئيس مجلس النواب اللبنانيّ، نبيه بري، أن مسوّدة اتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحريّة المتنازع عليها مع إسرائيل  تعتبر إيجابيّة، وأنها تلبي مبدئيًّا المطالب اللبنانيّة التي ترفض أن يكون لاتفاق الحدود البحريّة، أي تأثير على الحدود البريّة بين لبنان وإسرائيل، لكن يجب دراستها قبل إعطاء الردّ النهائيّ عليها، وثانيها ترحيب الرئيس اللبنانيّ ورئيس وزرائه بالاتفاق، لكن الأهمّ هنا هو ثالثها، وهو تصريح الأمين العام لحركة "حزب الله" حسن نصر الله إن استلام لبنان عرضًا مكتوبًا من الوسيط الأمريكيّ بشأن ترسيم الحدود هو خطوة مهمّة جدًّا، مضيفًا أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في هذا الشأن، وأن الاقتراح جيد، أي أن كافّة الأطراف ذات الصلة في لبنان تؤكّد أن ما أرسله الجانب الأمريكيّ إلى بيروت قد نال موافقة إسرائيل، وأن أحدًا لا يتوقّع المزيد من المفاوضات. وأن الرئيس ميشيل عون سيشكّل فريقًا سوف يعمل على دراسة المسوّدة بالتشاور مع نبيه بري ونجيب ميقاتي، كما سيتم التشاور مع قيادة حزب الله التي تنتظر الموقف الرسميّ للبنان حتى تقرّر خطواتها المقبلة، أي أن "الرؤساء الثلاثة الرسميين في لبنان" ميشيل عون رئيس الجمهورية ونبيه بري رئيس البرلمان ونجيب ميقاتي رئيس الحكومة، ينتظرون موقف "الرئيس الرابع وربما الحقيقيّ"، وهو حزب الله، الذي يتبع قادته الضبابيّة والتصريحات الرنّانة التي تعتمد عدم الوضوح من جهة، وتغليب "الأنا والسيادة والعسكر" على اقتصاد البلاد ورفاهية العباد (إلا إذا كانوا من أتباعها)، لكنها حين ترى أن عدم وضوحها يمكنها في مرحلة ما من ترجمة الوقائع على أرض الواقع، كأَنها إنجاز لها، لا تلبث أن تنسب لنفسها هذا الإنجاز، تمامًا كما حصل هذه المرّة، فمواقف حزب الله وتهديداته لم تكن أبدًا تلك التي دفعت بإسرائيل إلى تغيير مواقفها فهي لم تغيرها، ومنشأة "كاريش" التي حاول حزب الله مهاجمتها بطائرات مسيّرة لإدخالها في هذه المعادلة بقيت خارج المعادلة (ناهيك عن فشل محاولات مهاجمتها سابقًا)، بينما تشمل الاقتراحات الأمريكيّة وهي إسرائيليّة  تامّة من أولها حتى نهايتها تعويض إسرائيل، بشكل يتناسب وكميّة الغاز التي سوف تستخرجها شركة "توتال" الفرنسيّة من حقل "قانا" ، ما يعني أن هذا الاتفاق ليس نهاية المطاف، بل بدايته اقتصاديًّا، وبدايته بكلّ ما يتعلّق بالحدود البريّة التي رفض لبنان أن يتم حسمها في هذه المرحلة، ما يعني أنه سيضطرّ للعودة لمناقشتها لاحقًا. بكلمات أخرى فإِن اتفاق اليوم، وهو الذي يتجاهل الحدود البريّة يشكَّل فاتحة لمفاوضات مستقبليّة حتميّة ستكون سياسيّة بامتياز تدور حول ترسيم الحدود البريّة في منطقة مزارع شبعا، وعندها سيكون لبنان الطرف الأضعف فيها، وستحظى المفاوضات بالشرعيّة، دون أن يتمكّن أحد من وقفها، أو معارضتها، فهي جزء من اتفاق دوليّ، وإن كانت غير مكتوبة، أو كانت جزءًا من ملاحقه. وبالتالي فإن "ممانعة" الأمس  تمهّد لموافقة اليوم، وتفتح الباب على مصراعيه لمفاوضات الغد، ناهيك عن أن ما حدث يؤكّد أن تسلّط  التوجّهات، أو الحركات التي تعتنق التطرّف السياسيّ، أو الدينيّ، أو المذهبيّ، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط، أو غيره كما أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة في إيطاليا بفوز اليمين المتطرّف الفاشي الذي ترأسه جورجا ميلوني، والتي ترفع شعار "الله والوطن والعائلة"، وكما يحدث في روسيا وأوكرانيا والبرازيل وغيرها، إنما يقود البلاد إلى حالات من عدم الاستقرار الذي يؤدي عادةً إلى تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والحياتيّة اليوميّة للمواطنين، وسط تجاهل تامّ من المسببين لهذا التدهور خاصّة من منطلق إيمانهم بأن لا حسيب ولا رقيب، حتى وإن استمر التدهور لسنوات طويلة، حتى تدرك هذه القيادات المتطرّفة قوميًّا ودينيًّا أن لا مجال لمواصلة اضطهاد المواطنين خاصّة إذا رافق ذلك ضعف الجهات الخارجيّة التي تقف وراءها، وهي إيران هذه المرة بالنسبة لحزب الله،  والتي تعيش حالة من عدم الاستقرار الاقتصاديّ والسياسيّ والشعبيّ.


ما حدث من تطورات في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحريّة، يؤكد أنه حان الوقت، كي تدرك الدول كلها، وخاصّة العربية منها أن اتخاذ النشاطات والخطوات الاقتصاديّة والسياسيّة في آن واحد هو السبيل الأفضل، لتحقيق التقدّم في البلاد لوجود علاقة وثيقة بين القطاعين، وأن الإنجازات السياسيّة تعتبر زائلة إن لم ترافقها إنجازات اقتصاديّة، وإن إغفال أحد الجانبين من شأنه أن يترك آثارًا سلبيّة على الجانب الآخر لا يمكن التخلّص من تداعياتها بسهولة. وهذا الأمر قد أثبتته التجربة، أي لا سياسة قويّة دون اقتصاد قوي، كما لا وجود لاقتصاد قوي دون سياسة قويّة، ناهيك عن أنها درس للجميع بضرورة أخذ ميزان القوى، أو الفوارق في القوة الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة والدوليّة والإقليميّة بعين الاعتبار، خاصّة وأن ما حدث في هذه المفاوضات يشكّل جزءا لا يتجزأ من تحوّلات وتطورات متواصلة وحثيثة تشهدها المنطقة تحت قبول وترحيب إسرائيليّ وضغط أمريكي يسعى لحلّ الصراع في المنطقة ضمن تصوّر مختلف عمّا كانت تمارسه الإدارات الأمريكيّة السابقة من تدخل سياسيّ، ومحاولات فرض أو اقتراح اتفاقيات سلام سياسيّ (واي بلانتيشن وأنابوليس وغيرهما)، فالمتتبع لتطورات منطقة الشرق الأوسط، خلال السنوات القليلة الماضية، يدرك تمامًا بأن أمريكا أرادت تغيير الواقع في الشرق الأوسط وخلق واقع جديد يتجاوز النظام الجغرافيّ والأيديولوجيات والتطلعات القوميّة إلى مرحلة جديدة تتغلّب فيها الاعتبارات الاقتصاديّة والماليّة، التي تكون فيها إسرائيل الطرف الأقوى فيها، نظرًا لتفوّقها التكنولوجيّ والاقتصاديّ، وبالتالي إضفاء الشرعيّة على إسرائيل في المنطقة، ما يعيد تشكيل المنطقة بالشكل الذي ينسجم مع الأهداف الأمريكيّة والإسرائيليّة ويكون بديلًا عن الخريطة التي وضعتها القوى الكبرى في مطلع القرن العشرين، من خلال رعايتها لاتفاقيّات عديدة بين  الدول العرب وإسرائيل  تحت مسمّيات "اتفاقيات سلام"، أو اتفاقيات تطبيع أو غير ذلك.

"هذه الاتفاقيّة ستغيّر قواعد اللعبة السياسيّة"
أهميّة المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت بين لبنان وإسرائيل  في تشرين الأول 2020، برعاية الأمم المتحدة، بهدف ترسيم الحدود بين الجانبين، ثم برعاية المندوب الأمريكي عاموس هوخشتين (في استمرار للسياسة الأمريكيّة بتعيين يهود أمريكيّين لتولي مسؤوليّة المفاوضات بين إسرائيل والدول العربيّة، ومنهم دنيس روس  ومارتن إنديك وبعدهما جيسون غرينبلات، وجاريد كوشنير  وغيرهم ما يضمن تفوق مصالح إسرائيل على غيرها)، تكمن في مجرد حدوثها بهذا الشكل فهي اعتراف ضمنيّ لبنانيّ بأن الولايات المتحدة هي الآمر الناهي، وأن الأمور لا تحدث ولن تحدث إلا برضاها، وليس ذلك فحسب، بل هي اعتراف صريح من حركة "حزب الله" بالشيء ذاته يتساوق ربما مع محاولات طهران فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة، عبر اتفاق نوويّ جديد يواجه بعض الصعوبات والعقبات، وهو توجّه يجسّد اعتراف طهران الراعي الرسمي لحزب الله بعودة أمريكا إلى الساحة الدوليّة والشرق أوسطيّة الإقليميّة، وهي أهميّة تزداد استنادًا إلى نتائجها، فهي ستعود على لبنان بمخزون من الغاز يمنحه الاستقلال من حيث توليد الكهرباء، وسيمنحه استقلالًا اقتصاديًّا يجنبه ضرورة اللجوء مجبرًا إلى بسط اليد لإيران عبر حزب الله، أو اللجوء إلى سوريا وربما دول الخليج كما سيعود على لبنان بعائدات ماليّة بمليارات الدولارات تحسن من أوضاعه الاقتصادية، وليس ذلك فحسب، بل إن هذه الاتفاقيّة ستغيّر قواعد اللعبة السياسيّة وميزان القوى الذي دائمًا وعادة ما حكم العلاقة "غير الوديّة" بين حزب الله وإسرائيل، بمعنى أن أيّ صدام عسكريّ مستقبليّ، سواء كان حملةً محدودة النطاق، أو حربًا واسعة النطاق سترافقه خسارة كبيرة للبنان تتمثّل في وقف أعمال التنقيب عن الغاز، أو استخراجه ليضطرّ حزب الله معها لإعادة التفكير قبل أيّ عمل عسكريّ، باعتبار أن للبنان عامة وحزب الله خاصّة ما يخسره، ماليًّا وسياسيًّا، وأنه لن يكون بإمكانه التنصّل من المسؤوليّة. وباختصار فإن ما كان قبل الاتفاق هو ليس ما سيكون بعده، فلبنان في أزمته الاقتصاديّة الأخيرة، وخاصّة في مجال المصارف والطاقة أدرك اليوم ، ما كان عليه أن يدركه منذ سنوات، بل أكثر من عقد ، من أن التضامن العربيّ هي عملة محدودة الضمان، فكيف يمكن لدول نفطيّة عربيّة تنفق مئات المليارات على صفقات أسلحة لا تُسمِن ولا تُغْني من جوع، ولا طائل منها، أو أن تسدّ طوعًا نقص النفط في الولايات المتحدة (الإمارات العربيّة المتحدة خاصةً)، أن تقبل أن تبقى "دولة شقيقة " غارقة في الظلام تتسوّل الوقود من سوريا التي قطعت أوصالها الحرب الأهليّة، ومن فصيل مسلّح يأتمر بأوامر إيران. وبالتالي ربما كانت المفاوضات اللبنانيّة الإسرائيليّة بمثابة "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم"، أي أن تكون فاتحة لازدهار اقتصاد لبنان وتحرّره من كونه رهينة لأوامر حزب ما دون غيره، أو الانتقال من دولة تجرّها القوى الداخليّة والخارجيّة إلى تغليب السياسة الداخليّة والاعتبارات السياسيّة والفئويّة، على مصلحة وأمن وحياة مواطنيها، إلى دولة تنشد الحياة وتعمل حكوماتها وأحزابها وبرلمانها لمصلحة مواطنيها. وهذا ما لم يشهده لبنان منذ بداية سبعينيّات القرن الماضي رغم أنه الأمر البدهي، بل " أضعف الإيمان".

"السلام الاقتصادي"
وأخيرًا، بهذه المفاوضات ينضمّ لبنان إلى ركب "السلام الاقتصاديّ"ـ أو اعتبار الاقتصاد الرافعة التي تُبْنَى عليها العلاقات بين الدول، والمفاوضات الطريقة التي تُحَلُّ بها الخلافات، وهو ركب سبقته إليه دول اتفاقيّات أبراهام، وذلك وبوضوح بخلاف المملكة الأردنيّة الهاشميّة التي استردّت باتفاقيّات العربة أراضٍي لها وحقّقت إنجازات سياسيّة وأخرى لها علاقة بالقدس والفلسطينيّين في الضفة الغربيّة، وضمنت سيادتها الإقليميّة والسياديّة، ومصر التي استعادت باتفاقيات "كامب ديفيد" كافّة أراضيها، ورغم ذلك حاربتها الدول العربيّة والفلسطينيون، لتعود نفس الدول اليوم إلى " سلام يبدأ بالاقتصاد"، ومن ثمّ يحاول ربما ضمان وصيانة السيادة الوطنيّة ووحدة الأراضي ، وهو سلام كان من المفروض تبنيه منذ عقود، ما يعني أن العرب بمعظمهم والفلسطينيين في مقدّمتهم أضاعوا عقودًا من الانتظار رفضًا لوسيلة تشكّل بداية السلام، أصبحت اليوم في الاتفاقيّات الأخيرة السلام كله دون زيادة او نقصان، وكأن المصالح والمنافع الاقتصاديّة وترسيم الحدود البحريّة، أصبح بديل السيادة الوطنيّة والحقوق السياسيّة، أو كأن ترسيم الحدود البحريّة  ومنافعه الاقتصاديّة يُلغي، أو يُحَيِّد، ولو مؤقتًا، الثوابت القوميّة والوطنيّة.. وللحديث بقيّة.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:
 [email protected].

[email protected]استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ

إعلانات

إعلانات

اقرأ هذه الاخبار قد تهمك