حين تختبر الجماهير مرآتها: من يستحق أن يقود لجنة المتابعة؟
بقلم : رانية مرجية : " في كل مرة نقترب فيها من انتخاب رئيس جديد للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، تعود الأسئلة الثقيلة إلى الواجهة: هل تغيّرت لجنة المتابعة فعلًا؟ أم تغيّرنا نحن؟ هل بقيت
تمثّل وجدان الناس وآمالهم، أم أصبحت مسرحًا للأحزاب، وواجهة بلا روح؟ هذه المرة، ليست الانتخابات مسألة اسمٍ جديد، بل اختبارٌ حقيقي لضميرنا الجماعي: هل نريد قيادة تُرضي الانتماءات الحزبية، أم قيادة تُرضي الضمير العام؟
اللجنة... من رمزية الوحدة إلى أزمة التمثيل
حين تأسست لجنة المتابعة، كانت ردًّا على الحاجة إلى مظلة جامعة لأبناء الداخل، في وجه التهميش السياسي والمجتمعي، في وجه العنف، وفي وجه محاولات تفريغ الهوية من معناها. لكن بمرور السنين، تحوّلت هذه اللجنة من رمزٍ للوحدة إلى ساحةٍ تعكس أحيانًا أزمة الثقة بين الجماهير وممثليها. لم تعد الجماهير تسأل فقط "من المرشح؟" بل "هل سيمثّلني حقًا؟ هل سيصغي لوجعي؟ أم سيجلس على المقعد ويغيب؟".
من هم المرشحون اليوم؟
هذا العام، تتقدّم مجموعة من الأسماء الجديرة بالتقدير، تمثّل تنوّعًا فكريًا وجيلاً جديدًا من الطموحات السياسية:
علي خضر زيدان – رئيس مجلس كفر مندا، يطرح نفسه كـ مرشح توافقي، يتحدث بلغة الوحدة وضرورة تجاوز الانقسام الحزبي. صادق في نبرته، واقعي في طروحاته، ويدرك أنّ القيادة عمل يومي وليست خطبة موسمية.
د. جمال زحالقة – مفكر قومي ونائب سابق، صاحب تجربة سياسية عميقة. يتمتع برؤية فكرية حادة، لكنه يحمل على كتفيه أيضًا عبء مرحلة كاملة من السياسة التقليدية، ما قد يجعله خيارًا ذا رمزية أكثر من كونه خيارًا تجديديًا.
أمير مخول – صوت وطني صادق، ابن الحركة الأسيرة، ومثقف مقاوم. يمتاز بقدرته على الربط بين الوطني والإنساني، بين الأرض والكرامة. إن عاد إلى الواجهة، فإنما يحمل ذاكرة السجن والحرية معًا. يمتلك تجربة ميدانية وجرأة فكرية نادرة، ويستحق أن يكون ضمن الحلقة القيادية الفاعلة، إن لم يكن في الرئاسة نفسها.
نيفين أبو رحمون – سياسية وناشطة نسوية، تقدّمت لترشحها بجرأة ووعي. تمثّل جيلًا جديدًا من النساء اللواتي لا يطلبن "مقعدًا رمزيًا"، بل موقع قرار. رؤيتها الوحدوية، وخطابها الاجتماعي الشامل، يجعلانها من أكثر المرشحات صدقًا وحيوية.
رُلى داوود – ناشطة ميدانية من الجيل الشاب، تطرح رؤية تفاعلية واندماجية، تؤمن بأن المتابعة يجب أن تكون بيت الشباب أيضًا، لا فقط مجلس الكبار.
بين الفكر والواقع: أيّ قيادة نحتاج؟
نحن لا نبحث عن رئيسٍ يتحدث باسمنا، بل عن قائدٍ ينهض معنا. لا نريد من يطلق الشعارات فقط، بل من يفتح الأبواب، يجلس في الخيمة مع المتظاهرين، يزور العائلات المكلومة، ويُصرّ على أن صوت الناس ليس مكمّلًا بل محورًا.
اللجنة بحاجة إلى قيادة تجمع: العقل السياسي الواعي (الذي يجيده أمثال جمال زحالقة)، الروح النضالية الأصيلة (التي يحملها أمير مخول)، الحسّ الاجتماعي والشراكة الجندرية (التي تجسّدها نيفين أبو رحمون). الخبرة الميدانية والقدرة على التنفيذ (كما يتمتع بها علي زيدان)، لكن، أكثر من كل ذلك، اللجنة بحاجة إلى قيادة تؤمن أن التغيير يبدأ من البيت، من القاعدة، من الناس.
رأيي: من يستحق أن يفوز؟
لن أكتب بلغة المجاملة، بل بلغة القلب والضمير. أعتقد أن الاختيار الأمثل يجب أن يكون بين علي زيدان، نيفين أبو رحمون، وأمير مخول - ثلاث شخصيات تختلف في خلفياتها، لكنها تلتقي عند نقطة جوهرية: الإخلاص للناس لا للموقع. علي زيدان يمثل التوازن والهدوء العملي، القادر على إدارة الأزمات وجمع المختلفين. أمير مخول يمثل الضمير الوطني والذاكرة الإنسانية، ورمزية النضال الحر. صوته الصادق ووعيه السياسي يجعلان وجوده في قيادة المتابعة ضرورة أخلاقية. نيفين أبو رحمون تمثل التجديد الحقيقي — جيل النساء الذي لا يطلب إذنًا ليقود، بل يقود لأنه يعرف الطريق.
إن استطاعت الجماهير أن تُقنع هذه الأسماء بالتعاون بدل التنافس، لكان لدينا مشروع حقيقي، لا مجرد انتخابات أخرى.
الكلمة الأخيرة
لجنة المتابعة ليست بناية في شفاعمرو، بل نبضٌ في قلب كل قرية ومدينة عربية.
هي صوت الطفل الذي يسأل “ليش إحنا أقل؟”، وصوت الأم التي ترفض أن تُعامل كرقم، وصوت الشاب الذي يريد وطنًا لا يخاف منه. القيادة التي نريدها ليست عنوانًا في موقع إخباري، بل ضميرًا حيًّا يرافقنا في المعارك اليومية، في مواجهة العنف، والتمييز، والتفكك الداخلي. فلتكن هذه الانتخابات ولادة جديدة للثقة، ولتكن اللجنة مرّة أخرى كما أرادها مؤسسوها: بيتًا للكرامة، ومنبرًا للحقيقة.
من هنا وهناك
-
‘ الوحدة العربية والسياسة: بين الواقع والمأمول‘ - بقلم : مرعي حيادري
-
‘ حين يغيب الفعل ويعلو الصوت ‘ - بقلم : الاستاذ رائد برهوم
-
‘ الهوية الممزقة ‘ - بقلم: سليم السعدي
-
‘ أبعد من الإعلان الدستوري: هندسة للنظام السياسي الفلسطيني ‘ - بقلم : عمر رحال
-
أنماط الأهل في المدارس… هل تعرف نمطك أنت؟ - بقلم: الدكتور محمود علي جبارين
-
‘ لقاء الإخوة هو لقاء رحمة ‘ - مقال بقلم : الشيخ صفوت فريج رئيس الحركة الإسلامية
-
‘إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب‘ | مقال بقلم: رانية مرجية
-
لماذا تحتاج لجنة المتابعة إلى مصادر مالية مستقلة؟ - بقلم : د. رفيق حاج – مخطط استراتيجي
-
‘ قانون الإعدام... تشريع الفاشية في إسرائيل ‘ - بقلم : فراس صالح
-
بروفيسور يوسف مشهراوي يكتب في بانيت: المشتركة: نعم أم لا؟ رأيي الشخصي - بصراحة ومسؤولية





أرسل خبرا