قصة ‘العدالة لا بد ان تصحو يوما‘ - بقلم: الكاتبة اسماء الياس من البعنة
العدالة لا بد أن تصحو يومًا .. لقد تجمد الدم في عروقي لمرأى مشاهد القتل التي أصبحت العيون تألفها.
الكاتبة اسماء الياس - صورة شخصية
كل يوم موت جثت متفحمة رؤوس مفصولة عن أجسادها. أجساد متقطعة اربًا إربًا. كل تلك المناظر أصبحنا نصحو وننام عليها.
هل تعودنا عليها؟ وهل قدر لنا أن تصبح تلك المشاهد جزءًا
لا يتجزأ من حياتنا اليومية؟
وحتى يكون لديَّ الخبر اليقين توجهت لوالدي الذي أعتبره من السياسيين المحنكين الأوائل في فلسطين الذين قارعوا الاحتلال وقاوموه وعملوا المستحيل هو ورفاقه على ابقاء عرب الداخل في البلاد. لهذا كان توجهي له عن قناعة تامة وأنا الذي أعرفه أكثر من أي شخص آخر. عدا أني تربيت على تلك المبادئ التي يؤمن بها والدي، بأن الوطن غالٍ وغلاوته من غلاوة الابن. لهذا وجب على كل إنسان حمايته من أعداء الداخل وأعداء الخارج.
توجهت للشخص الذي يفقه ليس بالسياسة فقط، بل لديه خبرة بكل مجالات الحياة.
وهو من الشخصيات الذين رضعوا السياسة مع حليب أمهاتهم. غير ذلك عاصر النكبة وكان شاهدًا على المذابح التي قام بها المحتل عندما دخلوا فلسطين بمساعدة بريطانية أمريكية. وقاموا بقتل وتهجير عائلات كاملة عدا عن هدم مئات القرى التي أصبحت اليوم تسمى القرى المهجرة.
إبادة وتجويع هدم وترحيل. وكان سابقًا قد مرت مثل تلك الأحداث أمام عينيه.
لذلك والدي يداوم على سماع نشرات الأخبار، والاستماع لكل المحللين السياسيين الذين يرى بهم أشخاصًا ذوي خبرة واضطلاع على مجريات الأمور بشكل مدروس. وقد كنت دائمًا اسأله:
هل يتغير شيءٌ إذا داومت على الاستماع لنشرات الأخبار اليومية. يومها قال لي كلمة إلى اليوم ما زالت ترن في أذني:
-يا ابنتي الوضع الحالي يحتم علينا أن نكون مطلعين عما يحدث في عالمنا. لأننا كلما كنا على دراية أكبر بالأحداث التي يمر به عالمنا. كلما كان باستطاعتنا إحداث تغيير حتى لو كان على المستوى المحلي.
-كيف ذلك يا والدي؟ هل نستطيع وقف ازهاق الأرواح التي كل يوم نسمع عنها بنشرات الأخبار.
اليوم قتل شخصان رميًا بالرصاص. وأمس وأول أمس قتل ثلاث أشخاص وهم بطريقهم للعمل.
هل نستطيع إيقاف زهق الأرواح؟ أو هل نمتلك الحل الأمثل لكي نحارب تلك الآفة التي بدأت تزحف نحونا من دون أن تجد الأيادي التي تمنع من انتشارها؟
معك حق الوضع أصبح مدعاة للقلق، كأننا نعيش أزمات لا تنتهي.
لكن ليس ذلك أن نصمت، بل يجب أن نحاول اصلاح ما يمكن إصلاحه. لأننا إذا سكتنا على كل ما يحصل من جرائم قتل سوف يتفاقم الوضع ويصبح أكثر خطورة. لكن إذا عملنا بكل طاقاتنا على ردع المجرم، ووجهنا كل ما لدينا من خبرة بعالم الجريمة سوف يستتب الأمر ولا يعود للجريمة مكان.
لكن يا والدي هذه وظيفة الشرطة أن تقبض على كل من يخل بالأمن وأن تعاقب كل مجرم ولا تتركه يسرح ويمرح ويقوم بعدة جرائم دون أن يجد رادع أو من يعاقبه على افعاله.
وهي وظيفتنا نحن أيضًا لأن هذا الشيء يمسنا نحن، أولادنا الذين يقتلون ويضيع مستقبلهم لأن أحدًا ما قرر أن يقتل ذلك الشخص لأنه لم ترق له أفعاله.
لكن يا والدي ماذا عن الحروب الدائرة؟ كيف لها أن تنتهي حتى نرتاح منها؟
هناك قوى كبرى هي التي تدعم القتال وتمده بالأسلحة والعتاد، يجب أن نعمل على إيقاف تلك المساعدات التي لا تجلب لنا سوى المزيد من خسارة الأرواح للجانبين.
كيف ذلك؟ هل باستطاعتنا أن نوقف تدفق الأسلحة التي تأتي من دول الغرب، والتي تزود الاحتلال بكميات هائلة من الذخائر التي تفتك بالكثير من الأرواح؟
أكيد نستطيع إذا كنا على درجة واسعة من الادراك والمعرفة بأن نوجه طاقاتنا نحو الدول التي إلى اليوم صامته لا تقوم بأي جهد حتى تنهي هذه الحرب التي ضحاياها أكثر من ضحايا تسونامي.
لا أعتقد يا والدي بأن تلك الدول وحكامها سوف يقومون من غفوتهم فجأة حتى يساعدوا شعبًا مورس بحقه إبادة جماعية ومجاعة ومنع دخول المساعدات، والكثير من التنكيل والتعذيب. إذا لم أكن مخطئة هم شركاء بتلك المجازر. بسبب صمتهم وتخاذلهم.
في تلك اللحظة التي كنت أتبادل الحديث مع والدي وقد تعمقنا بتحليل الأمور. جاء صديق والدي السيد مدحت جمال وهو صديقه بالنضال. فقد عملا سويًا من أجل استرداد حقوقنا التي سلبت منا في وقت كل العالم العربي تنكر لقضيتنا ولم يحرك ساكنًا.
بتلك اللحظة استأذنت من والدي وتركته مع صديق عمره يتحادثان بعد أن رحبت بالضيف الكريم وقدمت لهما الواجب الذي يتحتم عليَّ تقديمه. بعد ذلك تركتهم لأحاديثهم التي أصبحت معروفة من كثر تداولها في كل المجالس.
قضية العنف الدائرة بمجتمعنا العربي التي كل يوم تزهق الكثير من الأرواح الشابة، والحرب الدائرة التي لا أحد يعلم متى تنتهي.
عدت لكتاب كنت قد بدأت بقراءته وهو يحكي قصة فريق من الشباب قاموا برحلة استكشافية من خلالها يتعرفون على عالمنا واسع الأرجاء. وقد خططوا عدة مسارات لرحلتهم، منها استكشافية يستكشفون الآبار الارتوازية بعد شح الأمطار هذه السنة.
وعملوا أيضًأ على اكتشاف الكهوف التي لم يكتشفها أحد وما زالت إلى اليوم سر من اسرار الكون. وزاروا المتاحف التي فيها الكثير من التحف النادرة. وطافوا بعدة بلدان وتعرفوا على البناء الذي يعود في عدة أماكن للعصور الوسطى.
تابعت القراءة بشغف منقطع النظير، لكن أوقف استرسالي صوت والدي الذي طلب مني بأن أوصل الضيف لبيته. فقد حل المساء وبيته بعيدٌ وليس بحوزته وسيلة نقل، فقد أخذها ابنه وذهب حتى يعيد ابنته من الجامعة مثل كل نهاية أسبوع.
لبيت طلب والدي وأخذت الضيف معي وقد رافقنا والدي حتى يكون مع الضيف ولا يخجل بتواجده معي. وفي طريقنا أتم والدي الحديث الذي الظاهر كان قد قطع بعد أن جاء للضيف مكالمة هاتفية طلب منه العودة للبيت فقد جاءه ضيف عزيز لزيارته عند وصول الضيف لبيته دعانا للدخول لكن ابي اعتذر بلطف. وقال له مرة القادمة نتشرف بزيارتك.
عدنا للبيت وكل واحد منا الكثير من الأفكار. لعل يأتي اليوم الذي لا نعود به نسمع صوت أزيز الرصاص ولا المدافع. ويحل السلام. فنحن بحاجة للسلام..
من هنا وهناك
-
قراءة في كتاب ‘ فسيفِساء المعاني، دراسات في الشعرية المغربية الراهنة ‘ - بقلم : عبدالحق ميفراني
-
سلوك الناس في الأماكن العامة ثقافة - بقلم: د. غزال أبو ريا
-
ميسون أسدي تختار طريق الآلام وتحديت كل المعوقات في مجموعتها ‘من شكاوى المبدعين‘ - بقلم: نبيه القاسم
-
‘شهيدة التخلف ‘ - بقلم : رانية فؤاد مرجية
-
‘أبو إسلام يحترف صنعة الدهان‘ - قصة قصيرة بقلم : محمد سليم انقر من الطيبة
-
الجيّد.. السيّء.. الأسوأ.. - بقلم : زياد شليوط من شفاعمرو
-
قراءة في ديوان ‘على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت‘: الجرأة والجمال - بقلم : د. أحمد رفيق عوض
-
زجل للزَّيتون - بقلم : أسماء طنوس من المكر
-
قراءة في الديوان الرابع عشر للشاعر سامر خير بعنوان ‘لا بُدّ للصّخر أن ينهَزِم‘
-
قصيدة ‘كُنتَ الفتى الأبيَّ المُهَاب‘ - بقلم : الدكتور حاتم جوعية من المغار
أرسل خبرا