قصة قصيرة بعنوان ‘مرحلة بعيدة نريد عودتها‘ - بقلم: الكاتبة اسماء الياس
شعرت بألم شديد في المعدة. معاناة وألم يفرض عليَّ الذهاب عند الطبيب. فأنا أكره هذا الشعور أن أكون بمظهر المريض. التوجه للعيادة يجعلني أشعر بالرعب.
الكاتبة أسماء الياس - صورة شخصية
رائحة الدواء مشاهدة الطبيب وهو يلبس الرداء الأبيض، يضع السماعة الطبية على صدري يقول لي تنفسي بعمق، اقطعي النفس، وأنا بكل هدوء أنظر حولي وأفكر متى ينتهي هذا الكابوس.
بعد الفحص والسؤال متى بدأت تشعرين بهذه الأعراض؟ وهل لديك حساسية لنوع ما من الطعام؟ وأنا أجيب بقدر السؤال. رغم الألم الذي كنت أشعر به لكني كنت هادئة.
بعد ان أتم الطبيب الكشف والتحقق من مكان الألم قال لي: يجب عليك عمل بعض الفحوصات حتى نداوي الألم من جذوره. وبعد ذلك "إن عرف السبب بطل العجب"
ومن النصائح التي نصحني بها أيضًا الطبيب قال لي:
- ابتعدي قدر استطاعتك عن كل ما يجلب لك التوتر والازعاج.
لأن المعدة تمتص كل ازعاج وتوتر.
- لكن كيف لي أن أنفصل عن كل ما يحدث في عالمنا وأنا جزء لا يتجزأ منه. عدا عن ذلك كل شيء يحدث من انتهاكات واغتصاب الحريات يجعلني أتساءل إلى متى سنبقى نتجرع كأس المرار؟
-هذا قمة الظلم. ألست معي بذلك؟
-أنا معك قلبًا وقالبًا. لكن ماذا ستستفيدين لو أغرقت رأسك بالهموم، وأتعبت قلبك وجعلتِ حياتك جحيمًا؟ لا شيء إلا أنك سوف تصابين بذبحة صدرية لا قدر الله. أو أي مرض آخر نحن بغنى عنه.
أرجوك لا تهتمي بشيء سوى صحتك، عيشي وأكملي حياتك كما يحلو لك. وحتى تكوني بمأمن عن كل منغصات الحياة لا تستمعي لنشرات الأخبار. استمعي لفيروز وفريد الأطرش وعبد الحليم.
- لا أستمع لنشرات الأخبار إلا ساعة أو ساعتين كل يوم. أحاول تقليل مدة المشاهدة، لكن الأخبار الجديدة المتلاحقة على مدار الساعة تجبرني على إطالة المشاهدة.
-لكن ماذا تستفيدين من مشاهدة الأخبار؟
-لا شك أنت تشاهد ما يحصل من قتل ودمار وجوع وحصار؟
-أكيد هذا الشيء معروف لدى كل العالم، إذا لم يشاهده بمحطات الأخبار لا بد أن يشاهده من خلال الفيديوهات باليوتيوب.
-تمام هذا الشيء.
-لدي سؤال واحد. لماذا لا يعيش سكان الأرض بتصالح وسلام؟ ولماذا هذه الحروب منذ الأزل إلى اليوم لم تتوقف؟ ولماذا عالمنا أصبح بحال يرثى له؟ هل وجود أشخاص يريدون الكسب السريع هو السبب، على الأقل اتركوا بعض الفتات لغيركم.
لماذا يأخذون شيء ليس لهم بالأصل، وبعد ذلك يدعون بأنها لهم. أخذ أرض الغير أو أي شي آخر في قانون العقوبات هذه جريمة يحاكم عليها مرتكبها.
لكن أشدد على كلمة لكن. اين حقوق الانسان بالعيش الكريم والحرية والمساواة التي أقرتها الأمم المتحدة؟
لماذا لا أحد يحرك ساكنًا كأن العالم تحركه دولة واحدة وهي الوحيدة التي يحق لها أن تلعب بإعدادات عالمنا وتضع له قوانين وشروط لا يحق لأي كائن تجاوزها. غير ذلك تفرض العقوبات على أي دولة لا تسير حسب قناعاتها. وتفرج عمن تريد وتصاحب وتطرد من تريد، هذا الشيء لم يعد يحتمل؟
أين القوانين التي وجدت حتى تحمي الطبقات الفقيرة من الاستغلال؟
-القوانين يا عزيزتي تستثني من تحميهم الدول الكبرى.
-يعني رجعنا للزمن الذي كان فيه القوي يأكل الضعيف.
-نعم هذا هو.
-من يحمي المستضعفين بالأرض؟ ومن يدافع عن حقهم؟
سوف تقول لي محكمة العدل الدولية التي تقر قرارات ولا تنفذها. أو محكمة الجنايات التي أحكامها لا تطبق. هذه مسخرة دكتورنا بالفعل لقد وصلنا لزمن "من ليس له ظهر يضرب على بطنه".
بعد هذا الحديث المطول مع الطبيب. دكتور عليان شحادة. وقبل أن أذهب أخبرني بأن التزم بالتعليمات ابعدي قدر المستطاع عن كل شيء يزعجك ويوتر أعصابك. وعدته لكن على مضض.
وقبل أن أخرج مودعة الطبيب نادى عليَّ وقال:
على فكرة بعد أن تنهي الفحوصات ونشاهد النتيجة تعالي حتى نبدأ بالعلاج الفوري.
غادرت العيادة وفي رأسي الكثير من الأفكار. هل يا ترى كلام الطبيب صحيح وان الذي يحصل لي سببه التوتر والعصبية؟ لقد لاحظت مدى عصبيتي بالأيام الأخيرة حتى زوجي نبهني وقال لي:
يا ماري يا حبيبتي روقي لا تكوني عصبية حتى على أبسط الأشياء. يجب أن تعلمي بأن هذه العصبية تضرك أنت وليس أحد غيرك.
زوجي فريد وهو بالفعل له من اسمه نصيب. عودني على أن أكون مستقلة بنفسي بعد أن كنت في بيت أهلي معتمدة على ابي وأخي البكر بكل شيء. لكن بعد أن تزوجت أصبح الاتكال عليَّ بأمور البيت من مشتريات وأعباء المنزل. هنا بدأت حياتي تذهب لمنحى آخر، ووجدت بأن الاتكال على الغير لا يجعلك مميزة بشيء. لهذا كان لزوجي فريد كل الفضل بأن شخصيتي بدأت تتبلور بالشكل الذي جعلني راضية عن نفسي لأبعد حد.
في هذا اليوم كان عليَّ أن أكون بكامل تألقي وهدوء أعصابي. عند عودتي للبيت تناولت لقيمات وبعد ذلك ذهبت لغرفة النوم حتى أرتاح قليلاً، أردت أن أبدو بغاية تألقي وجمالي، اليوم يتخرج ابني من الثانوية، وكان عليَّ أن أبدو بغاية الجمال حتى أبدو بعيني ولدي بأني الأم التي تهتم بكل تفاصيل حياته.
صحيح أنا ربيته منذ كان عمره شهرين بعد أن توفيا والديه سلفي وزوجته بحادث طرق وهما بطريقهما للعمل. لا أحد يعلم كيف حصل الحادث. لكن بعد التحقيق تبين بأن السائق المسبب بالحادث لم يكن واعيًا فقد كان مخمورًا وعدا عن ذلك فقد كانت رخصته منتهية صلاحيتها. عندما حضر الإسعاف أقرا وفاتهما لأن المخمور كان مسرعًا لدرجة المكابح لم تستجب ودخلت بالسيارة التي كانت أمامه بشكل طارت في الهواء وبعد ذلك سقطت في واد سحيق.
هما اللذان تعلما وتخرجا من نفس الجامعة وتخصصا جراحة القلب والأوعية الدموية.
أحبا بعضهما البعض منذ سنوات دراستهما الأولى للطب. لذلك صمما على اكمال دراستهم وبعد ذلك تزوجا بعد أن نجحا بامتحان الدولة. قدما أوراقهم لعدة مستشفيات حتى تم تعينهم بإحدى المستشفيات الكبرى في البلاد. وبعد ذلك رحلا عن عالمنا سويًا. كأن كتب لهم أن لا يفترقا حتى بالموت.
بعد أن اخذت كفايتي من النوم نهضت نشطة مبتسمة قمت بتحضير نفسي ارتديت فستاني الجديد الذي اشتريته لهذه المناسبة. قمت بتصفيف شعري بإحدى الصالونات القريبة من بيتي. وضعت القليل من مساحيق التجميل وتعطرت بالعطر الذي جلبه لي زوجي من خارج البلاد عندما شارك بإحدى المؤتمرات التي تقام كل سنة من أجل بيئة خالية من الملوثات.
فهو الزوج الحنون المحب لعائلته الذي يعمل من أجلها، وهو الذي يقوم بعمله بكل اخلاص وتفانِ. لقد تعلم بأكبر الجامعات في البلاد موضوع البيئة والعوامل التي تؤثر على ارتفاع درجة حرارة الأرض. تخرج منها وبعد ذلك عمل بنفس الجامعة بعد أن قام بعمل الكثير من الأبحاث لكي يثبت بأن الإنسان هو المدمر الوحيد للبيئة والذي جعلها تستغيث. لذلك كل سنة الجامعة ترسله بعثة حتى يشارك بإحدى المؤتمرات التي تقام بهذا الشأن.
رغم أن لدينا من الأولاد خمسة لكن محبة ابن أخيه هي الأكبر. رغم أنه لا يفرق في المعاملة ولا بالحب بين أولاده، لكن ابن أخيه ووضعه الخاص جعلته أكثر حبًا وقربًا له. وهكذا ربينا جميع أولادنا على الحب ومحبة أحدهم للآخر.
تخرج ابن سلفي من الثانوية وكان حفل التخرج جميل حتى أنه ذكرني بيوم تخرجي فبكيت على تلك الأيام الجميلة من عمرنا التي ولت ولن تعود.
أحاول بعث الحياة بأيام مضت ولن تعود. لكن يكفي أن نتذكرها حتى تعود وتزدهر من جديد..
من هنا وهناك
-
‘شهيدة التخلف ‘ - بقلم : رانية فؤاد مرجية
-
‘أبو إسلام يحترف صنعة الدهان‘ - قصة قصيرة بقلم : محمد سليم انقر من الطيبة
-
الجيّد.. السيّء.. الأسوأ.. - بقلم : زياد شليوط من شفاعمرو
-
قراءة في ديوان ‘على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت‘: الجرأة والجمال - بقلم : د. أحمد رفيق عوض
-
زجل للزَّيتون - بقلم : أسماء طنوس من المكر
-
قراءة في الديوان الرابع عشر للشاعر سامر خير بعنوان ‘لا بُدّ للصّخر أن ينهَزِم‘
-
قصيدة ‘كُنتَ الفتى الأبيَّ المُهَاب‘ - بقلم : الدكتور حاتم جوعية من المغار
-
‘وذرفت العاصفة دمعة‘ - بقلم: رانية فؤاد مرجية
-
‘ الاستيقاظ مبكراً صحة ‘ - بقلم : د. غزال ابوريا
-
قصة كفاح - بقلم : رانية فؤاد مرجية
أرسل خبرا