عيّنة من مستقبل التصميم المعماري البيئي
تلك الصغيرة، هل ستكبر يومًا ما؟ مؤخّرًا، تم وضع 15 من خيمات العرض، في أنحاء مدينة كوبنهاجن، تُعنى بأهداف الإعمار المستدام للأمم المتحدة،
صورة للتوضيح فقط - تصوير: Tavarius - shutterstock
ثلاثة منها قد تُستخدَم كنماذج أولية، للمباني السكنية الخضراء، بحجم "حقيقي". هل هذا ما ستبدو عليه المباني في المستقبل؟
ليس هناك شك في أن صناعة البناء هي واحدة من أكبر الملوِثين في العالم - ولكن في العقود الأخيرة، تشهد هذه الصناعة تحولًا. وقد عُرض مؤخرًا، في شوارع مدينة كوبنهاغن في الدنمارك، هذا التغيير، حين وُضع في جميع أنحاء المدينة، 15جناحًا للعرض، تتناول أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، تم بناء ثلاثة منها، أيضًا كنماذج أولية للمباني السكنية الخضراء. كان هذا ضمن مؤتمر الهندسة المعمارية الدولي (UIA) 2023، الذي عُقد في المدينة، تحت عنوان "مستقبل مستدام - لا نترك أحدًا في الخلف" . وقد جمعت الأجنحة المختلفة، بين الطرق المختلفة، التقليدية منها والحديثة، من أجل إنشاء مبانٍ قوية وعازلة، وتكون أيضًا صديقة للبيئة.
تُعتبر حاليًا العمارات، هي المسؤولة عمّا لا يقل عن%37 من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. ويرجع ذلك إلى المواد التي تتكون منها، وعملية بناءها وصيانتها، واستخدامها للطاقة بكثرة. لذلك، يُشكّل البناء المستدام، مسارًا أساسيًّا للتخفيف من أزمة المناخ.
ضمن المؤتمر، الذي حضره حوالي 6000 مهندس معماري، من 135 دولة، بما في ذلك إسرائيل، تم إنشاء 15 جناح عرض، تُعنى بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، (Sustainable Development Goals ، أو باختصار SDGs)، في 13 موقعًا، في جميع أنحاء المدينة. وهي تلك الأهداف ال- 17، التي حددتها الأمم المتحدة في عام 2015، والتي تفرض منذ ذلك الحين، سياسةً على نطاق واسع، في جميع أنحاء العالم، من ضمن هذه الأهداف، مكافحة أزمة المناخ، والحفاظ على الموارد البحرية، المياه النظيفة، والصرف الصحي، والطاقة المتاحة والنظيفة، وغير ذلك.
كجزء من المؤتمر، تم إنشاء مجمّع "كوكب من 1 الى 4"، والذي يعكس اسمه الوضع الحالي للدنمارك، كدولة تستهلك حصتها من موارد الأرض، بوتيرة أعلى بأربع مرات، مما يستطيع الكوكب تقديمه، ويعمل هذا المجمّع، على إيجاد الحلول، من أجل خفض استهلاك الطاقة للمباني السكنية، بنسبة %75 بحلول عام 2030. وقد تم نصب 3 أجنحة داخل المجمّع، تُمارس الرؤية الخضراء "على نفسها"، بمعنى أنها مباني صغيرة، ذات أحجام تسمح بتجربة مواد جديدة، أو تكنولوجيا جديدة، والتي يمكن استخدامها، فيما بعد، من قبل الحرفيين، في بناء مباني خضراء، بأحجامها الطبيعية. كان على جميع الأجنحة، التي أنشأتها فرق محلية من المهندسين المعماريين، والمهندسين، ومنتجي المواد، والباحثين، تلبية معايير الأمان، والهندسة، والمتطلبات المختلفة، لإصدار تصاريح البناء في الدنمارك. إذن من أي المواد هي مصنوعة؟
كيف نبني بطريقة خضراء؟
تم تصميم الجناح الأول، والمسمى "الجناح الطبيعي"، من قبل شركة الهندسة المعمارية،Reværk Arkitektur ، وهو مصنوع بالكامل من مواد طبيعية، مثل القش والخشب، تلك المواد التي تمتص ثاني أكسيد الكربون من البيئة أثناء عملية إنتاجها. لذلك، فإن استخدامها، "يحبس" الكربون في المبنى نفسه، على عكس مواد مثل الفولاذ والباطون، التي تُطلق عملية إنتاجها، كميات هائلة من الكربون. بالإضافة إلى ذلك، تضمن بناء المبنى، التراب المضغوط، وهي طريقة قديمة يتم فيها ضغط التربة، بطريقة تجعلها صلبة وقوية بما يكفي لبناء جدران منها.
جناح آخر في المجمّع، هو "جناح الطوب والقش"، والذي تم تصميمه من قبل Rønnow Architects، وتم بناؤه من طوب خاص مصنوع من الفخار، والذي يوفر هيكلًا قويًا، وعازلًا، وصديق للبيئة، في حين أن سقف المبنى، مصنوع من خشب البلوط، والواجهات مغطاة بالقش. وهكذا، فإن هذا الجناح، يدمج البناء التقليدي، مع الحلول التكنولوجية المعاصرة. وبذلك، يُعطي مثالًا على كيفية بناء مساكن، تجمع بين القديم والحديث، والتي تُطلق فقط، ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مقارنةً بنظيراتها غير الخضراء.
جناح "ربع الكعكة" - وهو لقب يتوافق أيضًا، مع الطموح لتقليل استخدام موارد الأرض، ب-4 أضعاف. وقد صُمّم من قِبل مكتب المهندسين المعماريين Tegnestuen LOKAL، بالشراكة مع مكتب مهندسيAaen Engineering. ويتكون الجزء الداخلي من المبنى برمته، من نوع قوي من الخشب، مصدره في منطقة كوبنهاغن، والذي تمت إضافة غلاف زجاجي إليه، يحمي المبنى، ويخلق عزلًا تامًا. عملية التركيب والتفكيك لهذا الجناح، سهلة نسبيًا، وهو مقتصد بالمواد، ورخيص التصنيع.
نتعلم من الأكشاك
المهندس المعماري باراك فيلمان، المحاضر في كلية بتسلئيل للهندسة المعمارية، والخبير في البناء الأخضر والمناخي، لديه ما يقوله عن الأجنحة المذكورة. يقول فيلمان: "يبدو أن مواد البناء الأساسية في هذه المشاريع، تستهلك القليل من الطاقة في عملية الإنتاج، بل إن بعضها يستخدم الخشب، وهي مادة تمتص ثاني أكسيد الكربون في عملية زراعته. بالإضافة إلى ذلك، تُعد النماذج الأولية، أداة رائعة لتجربة الأفكار، وتطوير تقنيات جديدة - يمكننا تعلم الكثير منها ".
ومع ذلك، وفقًا لفيلمان، فإن لهذا المشروع الجميل، أيضا نقاط ضعف. ويشرح قائلًا: "لمعرفة الى أي حد تلك التصاميم مُصمّمة بشكل أكثر استدامةً، علينا قراءة الأرقام والمعطيات، والتي لم يتم نشر جميعها. مثلًا، ما هي كمية غازات الدفيئة المطلوبة لإنتاج ونقل مواد البناء؟ ما مقدار الطاقة المستهلكة، للحفاظ على أنماط حياة مستخدميها؟ كيف يؤثر المبنى على استهلاك الطاقة للمباني المحيطة به؟". بالإضافة إلى ذلك، كما يقول فيلمان، من وضعها الحالي، كمباني صغيرة جدًا، من الصعب استنتاج، كيف ستبدو الجوانب الخضراء لتلك المباني، بالأحجام الكبيرة.
وبحسب فيلمان، سواء أمكن تنفيذ تلك المشاريع بالأحجام الأكبر أم لا، فإن لمشاريع من هذا النوع، أهمية عالمية. ويقول: "مجرد نشر مشروع كهذا، يُلهم مهندسين معماريين من مختلف أنحاء العالم، لتنفيذه في أماكن تواجدهم".
في كل الأحوال، وفقًا لفيلمان، لكل مكان في العالم، هناك معرفة محلية، وأساليب وتقنيات بناء محلية، وظروف خاصة للمنطقة، لذلك، فإن بعض المباني مناسبة لمناطق معينة، دون غيرها. ويقول: "حتى لو وجدنا أن هذه الأجنحة تستهلك طاقة أقل في كوبنهاغن، فهذا لا يعني أن هذا سيكون الحال في إسرائيل. من الممكن أن نحصل على أثر عكسي عن الذي نطمح إليه، لو قمنا ببنائها في إسرائيل".
النسخة " الأورشاليمية "
كوبنهاغن البعيدة، ليست المكان الوحيد الذي تُستخدم فيه الأجنحة، لتجربة تقنيات بناء أكثر حداثةً وبيئيةً. فأولئك منكم، الذين مرّوا مؤخرًا بجانب مدرسة بتسلئيل للهندسة المعمارية، لا بد أن يكونوا قد لاحظوا جناحًا صغيرًا موضوعًا هناك، بمساحة 30 مترًا مربعًا. انه جزء من الدورة التعليمية "المعماريون-البنائون"، الذي يُدرّس في الأكاديمية، بقيادة فيلمان وشاران إلران، مصمم كيراميكا، وباحث في علوم الحاسوب في بتسلئيل.
المواد التي اختيرت لإنشاء الجناح، والذي بناه الطلاب، بالتعاون مع شركة Cadmore Engineers، تبرعت بها شركة "إيتونغ"، وأُطلق عليه اسم "الكتلة البيضاء". فهي عبارة عن لبنة، ذات كتلة منخفضة نسبيًا، ولديها، في نفس الوقت، قدرة عزل حراري وصوتي عالية؛ لذلك، تُعتبر مُنتَجًا صديقًا للبيئة، وشائعًا أيضًا للاستخدام في إسرائيل. يقول فيلمان: "في كل عام، نستخدم في هذه الدورة مواد مختلفة، نحصل عليها من مزوّدين في البلاد، والذين نتّفق معهم، أنه عند الانتهاء من استخدام تلك المواد، نُعيدها إليهم، وهم يهتمون بإعادة استخدامها، أو إعادة تدويرها، بحيث يكون للعملية برمتها، أقل قدر من الأثر البيئي السلبي".
وفقا لفيلمان، فقد وُلدت تلك الدورة، انطلاقًا من إدراك، أن تغييرًا عميقًا حدث في عالم الهندسة المعمارية، والبناء. ويشرح قائلًا: "منذ عصر النهضة، وحتى يومنا هذا، يخطّط المهندسون المعماريون في مكاتبهم، ويرسلون التخطيطات إلى موقع البناء، ويقوم أشخاص آخرون ببناء المبنى، ولكن إذا نظرنا إلى تاريخ البناء، فسوف نجد أنه في العصور القديمة، عمل المهندسون المعماريون في الميدان، مع العمال، ولم يكن هناك مثل هذا الفصل الواضح، بين مرحلة التخطيط ومرحلة البناء". ووفقًا له، بفضل العمل في الميداني، انعكست رؤى مختلفة في تصميم البناء. ويلخّص فيلمان قائلًا: "نحن على قناعة، أنه في اللحظة التي دخل فيها المهندسون المعماريون، إلى المكاتب المكيّفة، وانفصلوا عن مواقع البناء، فقد أضاعوا شيئًا ما. إن العمل مع المواد في الورشات، يجعل الطلاب يتعاملون مع قضايا بيئية. فهم يشاهدون بأنفسهم، كميّة النفايات المتولدة أثناء عملية البناء، وعليهم معرفة ماذا يفعلون بها، وأين يأخذونها، وما هي إمكانيات إعادة تدويرها واستخدامها مجدّدًا".
أعدّت المقال: "زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة
من هنا وهناك
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
-
مقال: بين أروقة المدارس ( المخفي أعظم ) - بقلم : د. محمود علي
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - ستشرق الشمس
-
المحامي زكي كمال يكتب : الحروب الآنيّة بين الاعتبارات العسكريّة وهوس الكرامة القوميّة
أرسل خبرا