ما الحلّ لمشكلة النفايات البلاستيكية؟
يكشف تقرير جديد للأمم المتحدة، عن معطيات مقلقة حول الحجم الهائل للنفايات البلاستيكية في البحار، فما هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه المشكلة؟ (تلميح: انه ليس البلاستيك القابل للتحلل)
تصوير: اولين انكا
في السنوات الأخيرة، انكشفنا جميعًا، على العواقب العالمية لمشكلة النفايات البلاستيكية، واسعة الانتشار، ولصوَر تثير الاشمئزاز، كتلك الصورة للسلحفاة وقد علقت مصّاصة الشراب في أنفها، وسمعنا أيضا عن تدابير يائسة يجري اتخاذها لحل المشكلة، مثل تلك التي اتخذها الشاب الهولندي الذي أبحر لجمع القمامة من وسط المحيطات. ومع ذلك، لا تزال تنقصنا الكثير من المعرفة في هذا المجال، لنتمكن من معرفة الأساليب الصحيحة للتعامل مع المشكلة بنجاعة وسرعة.
من أجل سد الفجوات في المعلومات، قام فريق من الخبراء، تم تشكيله من قِبَل الأمم المتحدة، والذي شاركتُ فيه كمندوبة إسرائيل، بجمع معلومات حول هذا الموضوع، من مصادر مختلفة في جميع أنحاء العالم، لمدة عامين. وتُلقي النتائج التي توصلنا إليها، والتي صدرت مؤخرا، ومن المتوقع أن يُنشر ملخصها في مجلة "المحيط والبيئة "، الضوء على مدى حجم المشكلة الخطيرة، وتقدّم حلولًا عمليةً.
" الكميات تتزايد بسرعة "
كما ذكرنا، يتضمن التقرير المقدم إلى الأمم المتحدة، عدد من المعلومات التجديدات. أولا، يُوضح أن كمية النفايات البحرية، والتلوث البلاستيكي، تتزايد بسرعة. وفقًا للتقرير، فقد تم إنتاج حوالي 9.2 مليار طن من البلاستيك منذ عام 1950، تحوّل حوالي 7 مليارات طن منها إلى نفايات، ويُتوقع أنه بحلول عام 2050، سوف يصل إجمالي كمية البلاستيك المُنتج إلى 34 مليار طن. تشير التقديرات إلى أن أقل من %10 من البلاستيك المنتج على مر السنين، يتم إعادة تدويره، وبدون تغيير جذري في معدل استهلاك البلاستيك، يمكن أن تصبح كمية البلاستيك المتراكم في البيئات المائية، ثلاثة أضعاف ما هي عليه الآن، بحلول عام 2040.
لهذه النفايات أيضا تكلفة اقتصادية، فقد قُدّرت التكاليف العالمية لتأثير تلويث البحار بالبلاستيك على السياحة، وصيد الأسماك، وتربية الأحياء المائية، إلى جانب تكاليف تنظيف البلاستيك، بما لا يقل عن 6-19 مليار دولار في عام 2018.
علاوة على ذلك، يكشف التقرير عن المدى الكبير لانبعاثات غازات الدفيئة، المتعلقة بإنتاج واستخدام والتخلص من المواد البلاستيكية القائمة على الوقود الأحفوري، والتي من المتوقع أن تزداد لتصل إلى حوالي 2.1 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون، (أو ما يعادله)، سنويا بحلول عام 2040. في مثل هذه الحالة، ستشكل انبعاثات غازات الدفيئة، التي تسبّبها صناعة البلاستيك، %19 من ميزانية الكربون العالمية (كمية الانبعاثات السنوية، التي يجب الالتزام بعدم تخطيها، من أجل أن يقتصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية، بسبب أزمة المناخ، على 1.5 درجة مئوية، بما يتماشى مع الهدف المحدد في اتفاقية باريس).
" مضاعفة الأخطار "
هذا ووفقا لنتائج التقرير، تشكّل النفايات البلاستيكية، عاملًا يضاعف من الأخطار، عندما تتداخل مع أزمة المناخ، والاستغلال المفرط للموارد البحرية كما يحصل الآن. فعلى سبيل المثال، عندما تضر النفايات البحرية ببنية الشواطئ الطبيعية، فإن قدرة الشواطئ على الصمود بوجه الظواهر المناخية المتطرفة، والآثار المختلفة لأزمة المناخ، تضعف.
من المهم الإشارة الى أنه وفقا للتقرير، فإن مشكلة النفايات البلاستيكية خطيرة بشكل خاص في منطقتنا، فهناك عدد متزايد من "النقاط الساخنة" في العالم اليوم، وهي عبارة عن خزّانات لكميّات من النفايات في البحر، تكمن فيها أخطار بعيدة المدى على النظام البيئي وصحة الإنسان. البحر الأبيض المتوسط هو واحد من تلك "النقاط الساخنة"، وتتراكم فيه كميات كبيرة من النفايات بسبب مبناه المغلق.
ويحذر التقرير، من التفاوت في تعقّب ومراقبة النفايات البحرية. فعلى الرغم من حدوث تحسن كبير في كفاءة أنظمة المراقبة، والمسوحات العالمية، وكتابة بروتوكولات منظمة لتحديد موقع النفايات وكميّاتها، والتي تسمح أيضًا للمتطوعين غير المحترفين بالمشاركة فيها، إلّا أنه لا يوجد، حتى الآن، توافق على طريقة إجراء القياسات، ولا يوجد تبادل للمعلومات التي يتم جمعها.
" نتائج مشجعة "
وتجدر الإشارة، إلى أن هناك أيضا بعض النتائج المشجعة، حيث تعمل بعض السلطات، والشركات الكبيرة، على تقليل كمية النفايات التي تصل الى المزابل، وتتوسع عمليات التنظيم والمراقبة (بفضل الضغط الجماهيري الآخذ بالتعاظم)، وهناك زيادة ملحوظة في نشاط وإجراءات بعض الحكومات المحلّية، المتعلقة بهذا الموضوع. هناك أيضا عدد من التعهّدات الدولية للحد من النفايات البحرية، والتلوث البلاستيكي. ومع ذلك، لا تتضمن أي من هذه الاتفاقيات، هدفًا على مستوى العالم، مُلزِمًا، ومحدّدًا ويمكن قياس مدى تحقيقه، من شأنه أن يحدّ بشكل فعّال من التلوث البلاستيكي.
توضح نتائج التقرير، بما لا يدع مجالًا للشك، أنه نظرا لحدّة مشكلة النفايات البلاستيكية وانتشارها عالميًا، فإن حلّاً واحدًا لن يكون كافيا للتعامل معها، بل علينا الدمج بين مجموعة من التدابير، منها، تحسين جودة البلاستيك وإعادة تدويره للحصول على منتجات عالية الجودة؛ التوقف التدريجي عن إنتاج المنتجات غير الضرورية؛ فرض ضرائب على المنتجات أحاديّة الاستعمال، والدفع مقابل إعادتها من أجل إعادة استعمالها؛ تغيير في عادات الاستهلاك؛ توسيع مسؤولية الشركات المصنعة عن المنتجات التي ينتجونها؛ إلغاء الدعم عن أسعار البلاستيك الخام؛ تطوير الابتكارات في مجال الكيمياء الخضراء؛ تصميم منتجات صديقة للبيئة ومُعدّة لإعادة الاستخدام؛ وتشجيع الاقتصاد "الدائري".
يتوجّب وضع استراتيجية عالمية لتقليل كميات البلاستيك، مع أهداف يمكن قياس مدى تحقيقها، ومصمّمة لكل دولة، وفقًا لخصوصيتها الفريدة، كما يجب تصنيع المنتجات المُعدّة لإعادة الاستخدام، واستعمال العبوات البلاستيكية التي اشتريناها، مرة أخرى، (على سبيل المثال، يجب استخدام علب الجبنة الصفراء، لوضع الزوادة داخلها).
" مصلحة مشتركة "
إن حل مشكلة النفايات البحرية والبلاستيك، لابد أن يكون مصلحة مشتركة على جميع المستويات، الحكومة، الاقتصاد، الصناعة، والفرد، لأن البيئة لا تدفع وحدها ثمن التلوّث البيئي، بل جميعنا ندفع الثمن.
الدكتورة غاليا باسترناك هي زميلة باحثة في معهد الدراسات البحرية على اسم “ليون ريكاناتي"، في جامعة حيفا، وعضو مجلس إدارة في الائتلاف لمنع التلوث البلاستيكي في إسرائيل، وهي شراكة بين منظمات، وباحثين، وناشطين، تهدف إلى تقليص اعتماد إسرائيل على البلاستيك، (خاصة البلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة)، وقيادة البلاد نحو مستقبل مستدام، يتم فيه استخدام البلاستيك بعقلانية ونجاعة.
أعدّت المقال “زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة
تصوير: اولين انكا
تصوير: اولين انكا
د. غاليا باسترناك - تصوير: رون نوسباوم
من هنا وهناك
-
هدنة الشمال : هل ستكون لغزة ‘ نافذة النجاة ‘ ؟ بقلم : علاء كنعان
-
التّراث الفكريّ في رواية ‘حيوات سحيقة‘ للرّوائي الأردنيّ يحيى القيّسي - بقلم : صباح بشير
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي - ممالك وجمهوريات
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
أرسل خبرا