مقال | إسرائيل: انتخابات متكررة وقيادات عربية ويهودية جُلُّها متعثرة
كثيرة هي الأسئلة والتساؤلات والسيناريوهات التي ترافق المعركة الانتخابيّة الحاليّة التي تشهدها إسرائيل للمرة الخامسة خلال أربع سنوات ونصف. وهي تساؤلات وأسئلة
المحامي زكي كمال
رافق بعضها المعارك الأربع السابقة التي جرت وسط تساؤلات حول ما إذا كانت نتائجها ستشكّل فصلًا جديدًا يعني الانفراج والانطلاق إلى مرحلة جديدة من الهدوء والسكينة، وإلى ائتلاف حكومي يعمِّر طويلًا، أم أنها ستشكّل فصلًا إضافيًّا في حالة عدم الاستقرار السياسيّ، أو مرحلة جديدةً ربما تكون أكثر تفاقمًا وحدّة من الأزمة السياسية التي تكرر نفسها مرة تلو الأخرى عبر نتائج انتخابات لا تعني الحسم لأيٍّ من المعسكرات، ويختص بعضها بالخامسة دون غيرها، خاصّة تلك الأسئلة التي لا تكتفي باختزال المعركة الانتخابية في شخص بنيامين نتنياهو عبر تكرار ترديد السؤال المعتاد: " نعم بنيامين نتنياهو" أو " لا لبنيامين نتنياهو" ، ما يشير إلى أن نتنياهو وصل إلى وضع يكون فيه إما رئيس وزراء وإما شبحًا يخيف أيّ رئيس وزراء آخر، وأنه يرى نفسه المتحدي الوحيد لخصومه، والمنقذ الوحيد لمعسكره، يستمد قوة حضوره وتأثيره ليس فقط من المقوّمات التي يتمتّع بها سياسيًّا وعسكريًّا محليًّا وعالميًّا، وإنما من ضعف من يقف أمامه وقلّة خبرتهم السياسيّة تارةً ( نفتالي بينيت)، والعسكرية تارةً أُخرى ( يائير لبيد). بل إنها أسئلة تدور حول أسباب الفراغ البرلمانيّ وعدم الاستقرار السياسيّ الذي تشهده إسرائيل، وتتمحور حول دور الزعامات في هذا الوضع، أو تحديدًا حول السؤال ما إذا كان من استلموا مواقع التأثير ومقاليد السلطة في إسرائيل، سواء كانوا من رؤساء الأحزاب والحركات السياسيّة، أو من رؤساء الحكومات والمرشحين لرئاستها ، قد اكتفى بدور القائد العادي الذي يمكن وصفه بأنه القائد الإجرائي التقليديّ، الذي ينصب جلّ اهتمامه على تسيير الإجراءات اليوميّة، أو عمليًّا ذلك القائد، أو المسؤول الذي يكرِّس جلّ وقته وجهده للتأكد من أن أتباعه، أو مرؤوسيه يطبّقون أوامره دون تفكير، ويعاملهم بمبدأ الثواب والعقاب ساعيًا للحفاظ على منصبه، أو على كتلته وقوة الجناح، أو المعسكر الذي يؤيّده، أي أنه ينظر إلى الصعيد والبعد الداخلي فقط، أو أنه قائد ملهمٌ ينشد التغيير ويطرح أمام الحلبة السياسيّة العالميّة والمحليّة خيارات جديدة نتائجها الحتميّة تغيير الوضع حتى لو تطلب ذلك الاعتراف بأنه أنهى حياته السياسيّة والدبلوماسيّة واضعًا مصلحة الدولة والبلاد وجمهور مصوتيه وغيرهم أمام عينيه قبل مصلحته الخاصّة وقبل مصلحة حزبه. وباختصار هل فَعَل هذا الزعيم أو ذاك ما يؤهله لأن يوصف بأنه غيَّر وجه الأحداث ووجهتها وقاد بلاده نحو الأفضل، أم أنه أراد بكل ثمن إبقاء سلطته وسيطرته وسلطانه، وهو الأمر تحديدًا هذه المرة خاصّة، وأنها معركة انتخابية ترافقها سيناريوهات كثيرة تتعلق من جهة بمستقبل دولة إسرائيل، وتحدد الأخطار التي تهدد مستقبلها، حيث لم تعهد الساحة السياسيّة الإسرائيليّة مثل هذه التحذيرات منذ عقود طويلة تم الإشادة خلالها بقوة الدولة، ومناعتها، وحصانتها، وقدرتها على التغلب على مشاكلها الداخليّة والخارجيّة، ما يطرح علامات استفهام حول صدورها تباعًا عن مسؤولين رفيعي المستوى أمنيًّا وسياسيًّا يعرفون خبايا الأمور. وتؤكد هذه السيناريوهات أن الخطر الداهم على إسرائيل هو ليس بالضبط خارجيًّا أو دوليًّا في مقدّمتها النوويّ الإيرانيّ والنزاع مع الفلسطينيين، بل مخاطر داخليّة سببها الانشقاقات الداخليّة التي تعيشها إسرائيل، وفي مقدّمتها التطرّف اليمينيّ، والخطر الذي تشكله العوامل الديمغرافيّة والدولة ثنائيّة القوميّة بحجّة الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، ومنع تدفق الفلسطينيين إليها ( وأنصار اليمين والمتدينين في هذا يشبهون أولئك في أوروبا المعادين للأجانب واللاجئين لأسباب ديمغرافيّة ودينيّة يمكن إجمالها بأنها عنصرية)، والتطرّف الديني والعداء المستشري لجهاز القضاء والمحاكم وأجهزة تنفيذ القانون وغيره، وحقوق الأقليّات، كما عبَّر عن ذلك رئيس الوزراء الأسبق أهود براك، الذي استحضر نماذج من شعوب العالم الذين أصابتهم "لعنة العقد الثامن"؛ فالولايات المتحدة نشبت فيها الحرب الأهليّة في العقد الثامن، وإيطاليا تحولت إلى دولة فاشيّة خلاله، وألمانيا أصبحت دولة حكمها الفكر النازي، ما تسبّب بهزيمتها وتقسيمها، وفي العقد الثامن من عمر الثورة الشيوعيّة تفكّك الاتحاد السوفيتي وانهار، مع الإشارة إلى أن المرشح لرئاسة الحكومة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأسبق، كان قد قال أنه يأمل أن تصل إسرائيل المئة من عمرها، وأن التاريخ اليهودي يشير إلى أن أيًّا من الكيانات اليهوديّة على مرّ التاريخ لم يتجاوز الثمانين من العمر، كما ترافقها أسئلة تتعلّق بتمثيل الأقلية العربيّة في البرلمان، وبعضها تساؤلات متفائلة تجزم بأن هذا التمثيل سيكون بيضة القبان في الانتخابات القريبة، كما كان المرة السابقة وإلى جانبها وبموازاتها تساؤلات يلفّها التشاؤم تؤكّد أنها المرة الأولى التي يهدّد كافة الاحزاب العربيّة، أو القوائم الثلاث، الجبهة والعربية للتغيير، والتجمع والقائمة العربيّة الموحدة، كلها دون استثناء خطر عدم اجتياز نسبة الحسم بسبب عزوف المواطنين العرب عن التصويت، وقنوطهم بسبب الخلافات التي تسبّبت في تفكّك القائمة المشتركة وما شاب وتخلل المفاوضات بين احزابها الثلاثة من خلافات حول توزيع المقاعد والنقاش العبثيّ والنظريّ حول " التوصية على مرشح لرئيس الحكومة"، وهي نقاشات دارت حول المصلحة الصغيرة والضيقة (إداريّة) دون أن تأبه للقضايا الكبيرة، أي دون أن يرتفع المسؤولون فيها إلى مرتبة الملهم الذي ينظر إلى بعيد ويملك الجرأة لاتخاذ قرارات تضمن المستقبل ربما لا ترضي البعض أو الكثيرين حاليًّا، ما يعني أن قادة أحزاب المشتركة الثلاثة فضّلوا " القيادة الإداريّة الإجرائيّة " على "قيادة التغيير واستشراف المستقبل والعمل لتحسينه".
" السيناريو الأقرب إلى التحقق"
ما قيل سابقًا حول الفرق الشاسع بين القيادة الإجرائيّة والقيادة التغييريّة، يتعدى كونه أقوالًا نظريّة، بل إنه قول له ما يبرره إزاء واقع انتخابيّ في دولة إسرائيل يشير إلى أن تكافؤ الفرص وتعادل الكفة بين الطرفين ، المؤيّد لنتنياهو والطرف المعارض له، هو السيناريو الأقرب إلى التحقق، ما ينذر بانتخابات سادسة فورية أو انتخابات سادسة بعد فترة قصيرة للغاية، ربما سيحاول نتنياهو خلالها تحطيم كافة قواعد الديمقراطية وإلغاء لوائح الاتهام الماثلة ضده، وسيحاول ائتلافه تنفيذ أجنداته التي يتحدث بعضها عن ضم الضفة الغربية وتحويل إسرائيل إلى دولة ثنائيّة القوميّة، أو تطبيق قوانين الشريعة اليهوديّة ومواصلة تمويل اليهود المتزمتين -الحريديم- دون أيّ خطوات تضمن دمجهم في الحياة العامة والاقتصاديّة وإبقاءهم عبئًا على كاهل الاقتصاد الإسرائيليّ، وطبعًا مواصلة وتعميق إقصاء المواطنين العرب في البلاد عبر قوانين جديدة خاصة لنواب من اليمين الديني لم يتورعوا عن الحديث عن ترحيل المواطنين العرب، ( إيتمار بن غفير مثلًا ) . لكن هذا كله لم يقنع رؤساء الأحزاب الثلاثة في المشتركة بمناقشة الفحوى والمضمون وليس القشور، وهي أقوال يسوقني اليها ما جاء في الكتاب الجديد لوزير الخارجية الأميركي الأسبق المشهور والمعروف هنري كيسينجر، بعنوان:" "القيادة: ست دراسات في الاستراتيجيّة العالميّة"، والذي يعتبر كتابه التاسع عشر، وصدر في أوائل شهر تموز 2022، والذي يقول فيه كيسينجر إن الغالبية العظمى من صناع القرار في العالم عامّة يفضلون تقمّص الدور الإجرائيّ الإداريّ وإدارة الحياة اليوميّة سواء للدولة أو للحزب الذي يقفون في رأسه، وينحصر جلّ اهتمامهم في حماية مناصبهم، فتجدهم مثلًا يتحاشون تعيين نواب لهم خشية أن يخطفوا منهم الأضواء، ويرفضون الديمقراطيّة الحقيقيّة، أو يحوِّلون الحزب إلى "ملك خاص لهم ولمقربيهم" (والأمثلة في إسرائيل كثيرة على صعيد حزب الليكود وبعض الأحزاب العربيّة) ومنهم من لا يتردد عن إحاطة نفسه بضعفاء يسيّرهم كيفما شاء، متناسيًا أن القائد يستمد قوته من قوة فريقه. ولذلك فهم قادة أو رجال دولة يحلّلون الموقف القائم راغبين أن يحققوا في حدوده أقصى الممكن، وليسوا ضمن القادة الملهمين التحويليين، الذين يعتقدون أنه لا بد لهم من خوض غمار التجارب واتخاذ خطوات وقرارات تؤكّد رؤيتهم الواضحة للمستقبل، ورغبتهم في أن تتحقق هذه الرؤية السياسيّة باعتبارها الأكثر رفعة والأقدر على تحقيق التحوّلات التاريخيّة، حتى لو تطلّب ذلك بعض المعاناة البشريّة، أو إجبار الجيل الراهن على التكيف مع التغيير الجذريّ، (إسحق رابين وشمعون بيرس اللذين وقعا اتفاقيات أوسلو التي امكنها إحداث تحول تاريخيّ، ومعهم ياسر عرفات) متّخذًا من ستة زعماء عالميين سابقين التقاهم شخصيًّا ويعرّف صفاتهم عن كثب وهم كونراد أديناور أول مستشار لألمانيا الغربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية، وشارل ديغول الذي أسس الجمهورية الفرنسيّة الخامسة، والرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، والرئيس المصري الراحل أنور السادات، ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر (المرأة الحديديّة) ولي كوان يو أول رئيس وزراء لسنغافورة، المثال والدليل على كيفيّة القيادة الملهمة والتحويليّة، مع التأكيد على أنه ، أي كسينجر، اعترف أن هذا الكتاب يأتي في وقت يواجه فيه قادة العالم أزمات غير مسبوقة، منها الحرب على أوكرانيا وانعدام الاستقرار في مناطق عديدة من العالم خاصّة الشرق الأوسط ومناطق من آسيا، ووسط تشاؤم متزايد بشأن قدرة القادة على إدارتها.
الزعماء الستة، كلّ منهم يشكّل بالنسبة لهنري كسينجر، أفضل تعبير عن الفارق بين" القائد التقليديّ" وهم كثر في عالمنا العربيّ عامّة، وبين رجل الدولة الملهم، مؤكّدًا مرة أخرى أن معظم القادة ليسوا أصحاب رؤى، بل هم إداريّون، وأن كل مجتمع بحاجة إلى من يديرون شؤونه اليوميّة المعتادة، لكن في أوقات الأزمات من حروب إلى تغيرات اجتماعية وخلل اقتصادي، أو اضطراب أيديولوجي يقتضي الأمر وجود قادة قادرين على إحداث التغيير، فهو يشير إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات بأنه قائد ثوريّ تحويليّ ملهم، استطاع عبر المزج الصحيح بين الاستراتيجيّة العسكريّة والدبلوماسيّة أن يسترد معظم الأراضي المصريّة المحتلة بل كلها، كما نجح في ضمان أن تستعيد مصر ثقتها بنفسها بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967، وأن يضمن سلامًا مع إسرائيل يعتمد على فهم واضح للمستقبل مفاده أن الحسم العسكريّ أصبح غير ممكن إزاء ميزان القوى الدوليّ ووقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل بشكل منقطع النظير ما منع عمليًّا انهيار جيشها في الأسبوع الثالث من حرب أكتوبر عام 1973 (علمًا أن السادات بعث لكسينجر رسالة في اليوم الثاني من الحرب يقول إنه يريد التفاوض بعد الحرب، ليرد عليه كسينجر برسالة جاء فيها:" خلال الحرب أنت تقاتل بالأسلحة السوفيتية لكن سيكون عليك صنع السلام من خلال الدبلوماسيّة الأمريكيّة)، وفهمه بأن القوة التي يملكها العرب على الساحة الدوليّة ومعهم الفلسطينيون لا تكفي -في المرحلة تلك- لضمان إقامة كيان فلسطينيّ مستقلّ، وبالتالي فضَّل أن تضمن اتفاقيات السلام مع إسرائيل ( اتفاقيات كامب ديفيد) الحكم الذاتيّ -أوتونوميا- للفلسطينيين وهو ما رفضه الفلسطينيون وباقي الدول العربيّة وردّوا عليه بمقاطعة مصر وإخراجها من الجامعة العربيّة، إضافة إلى أن بقاء السادات في منصبه وعدم اغتياله كما يؤكّد كثيرون مطلعون كان سيؤدي إلى حل يضمن انسحاب إسرائيل من معظم هضبة الجولان وفق ترتيبات أمنية أسوة بما حدث في سيناء، خاصّة وأنه شمل اقتلاع وإخلاء المستوطنات في سيناء ورفح وغيرها وبضمنها مدينة يميت وغيرها، وأنه اتخذ قراره هذا بزيارة إسرائيل رغم معرفته بما سيسببه هذا من "معاناة" ورفض من مواطنيه والدول القريبة، دون أن يردعه ذلك، واعتبر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بطل فضيحة ووترغيت، والذي استقال من منصبه بسببها ، قائدًا فذًّا على ساحة السياسات الدوليّة التي تتطلّب اليوم المرونة التي تبناها نيكسون للمساعدة على تخفيف الصراعات بين الولايات المتحدة والصين، وأيضًا بين روسيا وباقي أوروبا، وقاد الولايات المتحدة حتى أخرجها من صراع فيتنام، وجعل للسياسة الخارجيّة الأمريكيّة موطئ قدم على المسرح العالميّ، وأقام علاقات مع الصين، وبدأ عملية سلام غيرت من وجه الشرق الأوسط، ورسخ مفهومًا للنظام العالميّ قائمًا على التوازن، رغم فشله الداخليّ مؤكّدًا أن بعض القادة التحويليين الملهمين يمتازون بهذه الصفة على الصعيد الخارجيّ وليس الداخليّ، بعكس أول رئيس وزراء لسنغافورة، لي كوان يو، الذي برز كقائد ثوريّ تحويلي مُلهم على الصعيد الداخليّ، لتحويل سنغافورة من بلد فقير متعدد الأعراق يحيط به جيران معادون، إلى بلد ينعم بالرخاء والأمن وحسن الإدارة ويجتمع شعبه على هوية وطنيّة واحدة، أما مارغريت تاتشر فتولّت رئاسة الوزراء في بريطانيا سنة 1979 لتجد دولة فقدت امتدادها العالميّ وأهميتها على المستوى الدوليّ، واستطاعت تجديد حيوية بلدها من خلال إصلاح اقتصاديّ، واتباع سياسة خارجيّة قائمة على توازن بين الجرأة والحذر، فهي ملهمة داخليًّا وخارجيًّا. وهو الأمر بالنسبة لكونراد أديناور، أول مستشار لألمانيا بعد هزيمتها النكراء في الحرب العالميّة الثانية وقبولها شروط دول الحلفاء التعجيزيّة، والتي منعتها من تصنيع الأسلحة أو تكوين الجيش وغير ذلك، ورغم ذلك استطاع بفكره التحويليّ وقيادته الملهمة أن ينقل بلده من أدنى نقطة في تاريخها، بأن جعلها تتخلى عن سعيها الطويل إلى السيطرة على أوروبا، وثبتها في الحلف الأطلسي وأعاد بناءها على أساس أخلاقيّ، كما أعاد شارل ديغول، كقائد تحويلي ثوري، أعادة بناء فرنسا السياسي مرة أخرى بعد انهيارها في الحرب العالمية الثانية، وكذلك سنة 1958 إذ أحيا روحها ومنع وقوع حرب أهليّة فيها، وقاد انتقالها من دولة مهزومة مقسمة إلى بلد يتسم بالاستقرار والرخاء.
" تقسيم الغنائم قبل الفوز في المعركة"
والشيء بالشيء يذكر، فتجربة الأحزاب العربيّة وعدم قدرتها على ضمان استمرار وحدتها رغم اختلاف المواقف في القضايا الصغيرة والاتفاق حول الثوابت، ورغم أن الذهاب إلى قائمة مشتركة أثبت جدواه السياسيّة والحزبيّة والجماهيريّة، فأسفر عن 15 نائبًا وجعل الأحزاب العربيّة القوة الثالثة برلمانيًّا وفرض على الأحزاب الأُخرى التعاون والتعامل معها ولو من باب المصلحة المتبادلة أو من باب:" مجبَرٌ أخاك لا بطل"، كما أعاد للمواطنين العرب والمصوتين العرب ثقتهم بأنفسهم وقوتهم وقدرتهم على تحقيق مطالبهم وضمان حقوقهم ووقف التحريض ضدهم ومحاولات إقصائهم، إلا أنهم عادوا وقت الامتحان ليكونوا " قادة إداريين" ينشغلون بالصغائر باستثناء القائمة الموحدة التي كان رئيسها الدكتور منصور عباس، تحويليًّا قياديًّا عبر خوضه غمار الحياة الائتلافيّة والمشاركة الجزئيّة في مواقع اتخاذ القرار (حزب في الائتلاف دون تولي مناصب وزاريّة بما يشكّل اقترابًا من نهج وتجربة الأحزاب الدينية المتزمتة الحريديم بالمشاركة في الائتلاف دون تولي منصب وزير بل نائب وزير)، ويختلفون حول قضية إجرائيّة كقضية التوصية على مرشح لتشكيل الحكومة، وهي قضية لا قيمة لها إذا فاز نتنياهو بفضل انقسامهم بواحدٍ وستين مقعدًا في البرلمان، ولا قيمة حقيقية لها إذا فشل نتنياهو بصفته رئيس أكبر حزب في تشكيل حكومة فعندها ستنتقل هذه الصلاحية بموافقتهم أو بعدمها إلى رئيس الحزب الثاني من حيث عدد المقاعد البرلمانيّة وهو يائير لبيد رئيس الحكومة الحالي، ورغم ذلك علقوا على هذه القضية أو قضية تقسيم المقاعد ( تقسيم الغنائم قبل الفوز في المعركة) أسباب انقسامهم وفشلهم، والحقيقة أن توزيع المقاعد لا يمكن أن يكون السبب في الانقسام بين الجبهة برئاسة أيمن عودة، والعربية للتغيير برئاسة د. أحمد طيبي من جهة وبين التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة سامي أبو شحادة من جهة أخرى، وكذلك قضية التوصية فالنائب أحمد طيبي يرفع منذ تسعينات القرن الماضي راية التعاون البرلمانيّ مع أحزاب من الائتلاف خاصة الأحزاب المتزمتة دينيًا -الحريديم- يشهد على ذلك النائب المتدين موشيه غافني، وقبله ارييه درعي الوزير السابق من الحزب المتدين لليهود من أصل شرقي "شاس" ، وكذلك النائب أيمن عودة الذي أعلن عام 2019 استعداد المشتركة للمشاركة في "لعبة التوصيات على من سيشكل الحكومة" ، وبالتالي فالخلاف هو حول المشاركة في الائتلاف، أو الحكومة ودعمها من الخارج، لكن مهمتهما الآن تتمثل بل تُخْتَزَلُ في رفع نسبة المصوتين العرب الذين أصابهم القنوط جراء ما شهدته المفاوضات من تراشق بالتهم وانشغال بترتيب الكراسي والشعارات بدلًا من الانشغال بمطالب واحتياجات المواطن العربي الذي أنهكه العنف وغلاء المعيشة والتحريض ومحاولات الإقصاء وهو الذي بتصويته للمشتركة عام 2015 ثم انخفاض نسبة مشاركته في اللعبة الانتخابية بعدها جراء الانقسامات غير المبررة والتحالفات غير المنطقيّة، وجّه لنوابه وأحزابهم رسالة واضحة بأن عليهم أن ينتقلوا من مرحلة "القائد الإداريّ" إلى "القائد الثوريّ التحويليّ الملهم" فهذا ما يحتاجه المواطن العربيّ في حالته اليوم التي وصفها كسينجر في كتابه بأنها " أوقات الأزمات التي يتخللها خلل اقتصاديّ، أو اضطراب أيديولوجي وتقتضي وجود قادة قادرين على إحداث التغيير". ولكن يبدو أن العنوان لهذه الرسالة أساء فهمها أو لم يفهمها، وربما وهذا الأسوأ، لم يكن مستعدًا لفهمها، انطلاقا من اعتقادهم الخاطئ بأن لا خيار غيرهم للمصوت العربي حتى لو لم يكونوا بالنسبة له أو من أجله ، بشير مستقبل أفضل متناسين قول نابليون بونابرت :" لا نحكم شعبا إلا بأن نريه المستقبل ، القائد هو تاجر الأمل"، فاختارت المشتركة المناصب قبل المكاسب، وللناخب في هذا قول آمل أن لا يكون متخاذلًا، بل أن يختار الانتخابات والتصويت لمن يراه القيادي والريادي في السياسة وليس المتزمت الذي لا يعرف اللعبة السياسية الحقيقيّة. وهي إمكانية التغيير في المواقف والآراء من أجل رفاهية وتقدم شعبه، وجعله في أعلى القمم وليس مسكينًا كي يستعبده أو يستغله. فالامتحان للعربي في هذه البلاد أن يقوم بدوره عن طريق التصويت وليس القنوط.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected].
من هنا وهناك
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
-
مقال: بين أروقة المدارس ( المخفي أعظم ) - بقلم : د. محمود علي
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - ستشرق الشمس
-
المحامي زكي كمال يكتب : الحروب الآنيّة بين الاعتبارات العسكريّة وهوس الكرامة القوميّة
أرسل خبرا