مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
ليس من السهل الحصول على صورة حقيقية لما يحدث للحيوانات في البرية. ولكن من الممكن أخذ فكرة بطريقة غير مباشرة، وذلك عن طريق رصد الحيوانات البرية المصابة التي تصل للعلاج.
(Photo by MENAHEM KAHANA/AFP via Getty Images)
يعالج مركز التأقلم في الحولة الحيوانات البرية المحمية من إصبع الجليل ومرتفعات الجولان وطبريا. تم تأسيسها قبل أربع سنوات ونصف بالتعاون مع الكيرن كييمت وكلية تل حاي، وفيها عيادة وحظيرة وأقفاص تأقلم. وتهدف بشكل أساسي إلى علاج الحيوانات البرية المصابة وإعادة تأهيلها وتزويدها ببيئة مناسبة لإطلاقها بنجاح في البرية. وفي نفس الوقت الذي تم فيه تحقيق هذا الهدف، تمكن الفريق من تقليل عدد الإصابات من خلال تشخيص عوامل الإصابة والحد منها.
"عندما لم يكن هناك مركز تأقلم، كان كل حيوان يصاب في الجولان أو في الجليل ينقل في أفضل الأحوال إلى ركن الحيوانات في المنطقة أو في أسوأ الأحوال إلى محمية الحولة، وينتظر هناك حتى يتم نقله الى مستشفى الحيوانات البرية التابع لهيئة الطبيعة والمتنزهات والسفاري في رمات غان، وهو "مستشفى الحيوانات" الوحيد الذي كان موجودًا في ذلك الوقت." تقول الدكتورة رونا نادلر فالينسي، الطبيبة البيطرية ومديرة مركز التأقلم، "بالإضافة إلى حقيقة أن معظم الحيوانات لم تنجُ، فقد تم فقدان الكثير من المعلومات عنها. ومن أجل معرفة سبب إصابة الحيوانات البرية، إلى جانب التشخيص السريري، مطلوب عمل تحقيق بهدف فهم الظروف التي يعيشها الحيوان ومعرفة الأسباب المحتملة لإصابتها في البرية." وبهذه الطريقة، يعمل المركز أيضًا كموقع بحثي يركز على قضيتين رئيسيتين: تحليل لمعطيات وعوامل إصابة الحيوانات من أجل منع وقوع إصابات مماثلة، وفي الوقت نفسه المراقبة الدقيقة للحيوانات التي يتم إعادتها إلى الطبيعة من أجل إنشاء بروتوكولات مفصلة وملائمة قدر الإمكان للحيوانات التي سيتم علاجها مستقبلاً.
من النظري الى العملي
وفقًا لنادلر - فالينسي، فإن جمع البيانات الذي يتم إجراؤه في المركز يؤثر على ما يحدث في الميدان ويقلل بشكل أساسي من أخطار الإصابات، "منذ إنشاء المركز، يتم علاج كل حيوان بري يأتي إلينا وإعادة تأهيله ومن ثم يطلق إلى البرية. ومع ذلك، فإن الهدف الذي لا يقل أهمية هو معرفة الأمر الذي أضر الحيوان كي نمنع إصابات مشابهة بالمستقبل. على سبيل المثال، إذا جاء إلينا طائر جارح أصيب نتيجة لصعقة كهربائية، فسنبلغ عنه مسؤول الطيور التابع لهيئة الطبيعة والمتنزهات وسيقوم بدوره بنقل المعلومات إلى شركة الكهرباء التي ستعالج المناطق التي سببت المشكلة."
يمكن أن يؤدي تتبع مصادر الضرر إلى اتخاذ إجراءات مختلفة مثل رفع مستوى الوعي. تقول نادلر فالينسي "لقد تلقينا عددًا لا بأس به من حالات إصابة لحيوانات البرية - من الزواحف والثدييات إلى الطيور - التي أصيبت نييجة الأفخاخ". وتعمل وزارة حماية البيئة منذ سنوات عديدة على محاولة منع استخدام المصائد قانونيًا، لكن دون جدوى حتى الآن. تقول نادلر فالينسي "كجزء من التعاون مع كلية تل حاي، قامت مجموعة من الطالبات بإنشاء مشروعًا على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الميدان بهدف رفع مستوى الوعي حول مشكلة استخدام المصائد".
الحيوانات التي تصل إلى المركز هي بمثابة عدسة مكبرة بالنسبة للعمليات التي من المتوقع أن تحدث في الميدان. وتستشهد نادلر فالينسي كمثال بتفشي أنفلونزا الطيور في شمال البلاد في السنوات الأخيرة مرتين - وفي كلتا الحالتين تم اكتشاف أول مريض ثبتت إصابته خلال زيارة للعيادة، قبل عدة أسابيع من ذروة تفشي المرض، لذلك فالاكتشاف المبكر يساهم في التخفيف من تفشي المرض. في مثل هذه الحالة، من الممكن أخذ عينة من كل مريض يصل لمعرفة كيفية "البحث" عن الفيروس، وكذلك اتخاذ التدابير الوقائية لنقل المرض مثل العزل وحماية الطاقم العلاجي والتطهير. "نحن نجمع المزيد والمزيد من المعلومات، ولكن لا يزال الوقت مبكرًا في هذه المرحلة لتحديد الاتجاهات. نعم، لقد رأينا بالفعل التأثير السلبي المباشر للأحداث الكبرى مثل أنفلونزا الطيور وفيروس كورونا والحرب على موسم التعشيش."
الضجة حول الصقور
يركز الجانب الآخر من النشاط البحثي على مراقبة الحيوانات التي أعيدت إلى البرية. فقبل إعادتها، يتم ربط أجهزة الإرسال بالحيوانات. تقول نادلر فالينسي "يمكننا استخدام البيانات التي تم الحصول عليها من الميدان للعلاج بطريقة أفضل وأكثر تكيفًا". مثلاً عندما وصل صقر في الماضي بمرفق مخلوع، تم إجراء القتل الرحيم لأن فرصه بقاءه على قيد الحياة في مثل هذه الحالة اعتبرت منخفضة للغاية، لكن في إحدى الحالات الأخيرة تمكن المركز من إعادة مرفقه إلى مكانه.
تضيف نادلر فالينسي "لقد أعطينا الصقر وقتًا للتعافي ورأينا أنه عاد إلى الطيران بشكل جيد، لذلك قمنا بربط جهاز إرسال به وأطلقنا سراحه، لنرى ما إذا كان بإمكانه العودة إلى فعاليته الكاملة في البرية". "كان من المدهش رؤية الصقر يعود إلى عشه." وقبل سقوط جهاز الإرسال، الذي تم لصقه بالغراء وليس الى داخل جسمه، كان لدى العاملين في مركز التأقلم الوقت الكافي ليروا أن الصقر قد اندمج بشكل كامل مع سربه. "لقد علمنا أن الصقر عاد بكامل طاقته بعد تعرضه لإصابة اعتبرت غير قابلة للتعافي."
وفي حالة أخرى، تم إدخال صقر نشأ في الأسر وكان معتادًا على للبشر (حيث هناك خطر من عدم بقائه على قيد الحياة في البرية) وقد مر الصقر بعملية تأقلم طويلة مع الصقور الأخرى، وسمح له بممارسة الصيد أثناء الطيران. وتقول: "بعد فترة طويلة أطلقنا سراحه بجهاز إرسال ورأينا أنه ظل قريبًا جدًا من منطقة إطلاقه". بعد فترة تأقلمه، رأينا أن الصقر استقر وبدأ في الصيد بمفرده؛ لقد نجا لمدة عام تقريبًا بعد إطلاق سراحه - وهي فترة زمنية رائعة جدًا بالنسبة لصقر نشأ في الأسر.
تقول نادلر فالينسي "إن المعلومات التي تم الحصول عليها ميدانياً تسمح لنا بتغيير قراراتنا في مرحلة استقبال الحيوان، وأن نعتمد على المعرفة المثبتة من الميدان وعدم الاكتفاء بالأهواء". "معظم مراكز التأقلم تفشل في القيام بالمراقبة بعد إطلاق سراح الحيوان. وعادة ما يطلقون سراح الحيوان ويأملون أن ينجو."
يقول منسق البحوث في مركز التأقلم عمانوئيل لوريا "من المعروف في مراكز التأقلم حول العالم أنه من المهم مراقبة الحيوانات بعد عودتها إلى البرية، لكن في معظم الحالات لا تتم المراقبة، عادة لأسباب فنية ومالية". "الهدف من البحث الذي نجريه هو فهم ما يؤدي إلى نجاح الحيوانات بالتأقلم في البرية بعد إطلاق سراحها، وتجميع بروتوكول منظم ومفصل من جميع المعلومات التي تلقيناها مما قد يزيد من فرص الحيوانات في البقاء على قيد الحياة. ".
إحدى الأسئلة الرئيسية المثيرة للاهتمام هو ما إذا كانت هناك علاقة بين الخصائص الفردية للحيوان مثل شخصيته ولياقة البدنية وبين بقاءه وقدرته على التأقلم في البيئة الطبيعية. ويشير لوريا إلى أنه "من المعروف أن الحيوانات من نفس النوع تتصرف بشكل مختلف عن بعضها البعض، سواء في البرية أو أثناء التأقلم، ويمكن أن تكون هذه الاختلافات مهمة لنجاحها لاحقًا. نحن نرغب بزيادة معلوماتنا بحيث تكون مفصلة قدر الإمكان فيما يتعلق بأكبر عدد ممكن من الأنواع المختلفة، حتى نتمكن من بناء منهجيات علاجية."
في دراسة حول صمود وانتشار الصقور بعد التأقلم، أظهرت النتائج المؤقتة أن الصقور المتأقلمة تمكنت من التصرف بطريقة مشابهة جدًا للصقور في البرية، وأن هناك فرق كبير بين الأفراد بنفس المجموعة. يقول لوريا "لقد اكتشفنا أن الصقور المتأقلمة تنجح في البرية - فهي تجد أماكن تعشيش، وتحدد منطقة خاصة بها، وتتعرف على المنطقة الجديدة في غضون أسابيع قليلة". وقد تم مؤخراً انطلاق دراسة تهدف إلى زيادة العينة وإجراء اختبارات شخصية لكل فرد. ويضيف "لقد بدأنا أيضًا مشروعًا للتأقلم مع طائر البوم الأسمر - وهو نوع من البومة الشائع في البلاد - والذي لا يوجد الكثير من المعلومات عنه. وحتى عمره عادة ما يكون من الصعب تحديده بدقة".
السلحفاة تحترق
يقومون في مركز التأقلم بإعداد تقرير نصف سنوي وتقرير موجز في نهاية كل عام يبيّن معطيات عن عدد الحيوانات المصابة وأسباب الإصابة لديها. تقول نادلر فالنسي "بحسب للتقرير الموجز لعام 2023، خلال هذا العام، أُحضِرَ 337 حيوانًا بريًا إلى العيادة لتلقي العلاج - وهو أكبر عدد يتم استقباله منذ إنشاء المركز، وكانت العوامل الرئيسية للإصابة هي جمع صغار الطيور من قبل البشر ودهس المركبات ومهاجمة الحيوانات والصيد غير القانوني، وفي 14% من الحالات لم تُعرف أسباب الإصابة. تم إعادة 193 فردًا إلى البرية، وتوفي 21% منهم أثناء العلاج في المستشفى و14% منهم خضعوا للقتل الرحيم بسبب إصابات لم تسمح لهم بإعادة التأهيل والعودة إلى البرية.
صدر مؤخرًا التقرير الأول لعام 2024، والذي يفيد بوصول 120 حيوانًا مصابًا إلى مركز التأقلم في النصف الأول من العام، وهو أقل عدد منذ إنشاء المركز - نتيجة مباشرة للحرب، ونتيجة للقيود المفروضة على الدخول إلى العديد من المناطق في الشمال، فإن عدد الحيوانات المصابة التي تصل إلى المركز يشير إلى مدى تعشيشها، فبحسب التقرير عدد الأعشاش الحالي هو منخفض جداً، إذ بلغ عدد صغار الطيور التي وصلت للمركز 32 منذ بداية موسم التعشيش في نيسان أبريل، ويرجّح أن تكون الحرائق الكثيرة في المنطقة هي المسؤولة عن انخفاض عدد الأعشاش.
وتشير نادلر فالينسي إلى أن "عام 2024 هو عام استثنائي بكل معنى الكلمة". "في بداية الحرب، أطلقنا سراح جميع الحيوانات التي كانت لدينا خوفًا من ألا نعرف متى سنتمكن من الوصول إليها مرة أخرى". عاد العمل في مركز التأقلم تدريجياً، وعلى الرغم من أن الموظفين يعملون حالياً بكامل طاقتهم، إلا أنه كان هناك نقص في المعطيات بسبب الحرب. وتضيف "من الواضح أن الأشهر الستة الماضية كانت الفترة التي استقبلنا فيها أقل عدد من صغار الطيور والجراء منذ افتتاح المركز". "لقد تلقينا في الغالب إصابات مرتبطة بالحرب، مثل ثعلب جاء إلينا من منطقة إطلاق النار، وسلحفاة مصابة بحروق شديدة نتيجة حريق اندلع نتيجة سقوط صاروخ، وحيوانات أصيبت بمركبات عسكرية في المناطق الطبيعية.
يقول يارون تشاركا، كبير علماء الطيور في الكيرن كييمت، إن "أفضلية المركز كجسم يعطي معلومات مهنية عن التأقلم، بالإضافة الى موقعه الخاص في منطقة الحولة التابعة للكيرن كييمت، تتيح لنا المساعدة في تأقلم الكثير من الحيوانات التي حظيت بعلاج من قبل زملائنا في هيئة الطبيعة والحدائق"، منذ قيام المركز تم عمل فعاليات عملية وبحثية تتيح المجال للتعلّم عن وضع الحيوانات وقدرتهم على الصمود في البرية، وعن مصادر إصاباتهم وقدرتم على إعادة التأهيل.
أعدّت المقال: "زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة.
من هنا وهناك
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
-
مقال: بين أروقة المدارس ( المخفي أعظم ) - بقلم : د. محمود علي
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - ستشرق الشمس
-
المحامي زكي كمال يكتب : الحروب الآنيّة بين الاعتبارات العسكريّة وهوس الكرامة القوميّة
أرسل خبرا