‘العنف… حين يختنق المجتمع بصمته ومسؤوليتنا أن نعيد للناس حقهم في الأمان‘ - بقلم: رانية مرجية
لم يعد العنف في مجتمعنا حدثًا طارئًا يداهم أيامنا ثم يختفي، بل صار حاضرًا ثقيلًا يرسم ملامح حياتنا ويختبر قدرة قلوبنا على الاحتمال. ما كان صدمة صار عادة، وما كان استثناءً أصبح للأسف جزءًا من يومياتنا. وهنا يكمن الخطر الأكبر:
رانية مرجية - صورة شخصية
أن نتعايش مع ما لا يُتعايش معه، وأن نخضع لما لا يليق بنا، كأن الوجع صار قدرًا لا مهرب منه.
إن اتساع دائرة العنف لا يعني فقط ازدياد الاعتداءات، بل يعني اتساع مساحة الخوف داخل النفوس. يعني أن طفلًا يستيقظ على قلق لم يعرفه آباؤه، وأن شابًا يشعر أن مستقبله هش، وأن عائلة تخشى الغد أكثر مما ترجوه. نحن أمام أزمة تتجاوز الأرقام، وتتجاوز الأحداث؛ إنها أزمة ثقة، وأزمة قيم، وأزمة دور.
جذور الأزمة… ليست في الشارع فقط
العنف لا ينشأ فجأة، ولا يهبط من السماء. هو نتيجة منظومة لم تُحسن رعاية أفرادها، وبيئة لم تُمنح الأدوات لحماية ذاتها.
حين تختفي العدالة، يبرز الظلم.
وحين يغيب الحوار، يعلو التهديد.
وحين تهتز الثقة بالمؤسسات، يصبح المجتمع مكشوفًا أمام حلقات متتالية من الألم.
ثقافة “الخاوة” ليست مجرد تجاوز قانوني؛ إنها إعلان واضح لانهيار الحدود بين الحق والقوة، بين الاحترام والخوف، بين المواطن وتهديد يومه. وهذا الانهيار لا يحدث فجأة، بل يتغذّى على صمت طويل، وانشغال عابر، وتطبيع تدريجي مع ما كان يجب أن يُرفض منذ اللحظة الأولى. لكننا مجتمع يستحق حياة أفضل
نحن لسنا مجتمعات هامشية بلا جذور. نحن أبناء حضارة، وأصحاب تاريخ منح العالم قيمًا إنسانية خالدة. لذلك، فإن استمرار العنف ليس مرآة لطبيعتنا، بل لخلل عابر يمكن — ويجب — إصلاحه.
نحن قادرون على التغيير متى شئنا، وقادرون على حماية أبنائنا حين نتوقف عن النظر إلى العنف باعتباره مشكلة “الآخرين”، ونفهم أنه يمسّ كل بيت وكل عائلة وكل مستقبل.
التربية… حجر الأساس
لا يمكن مواجهة العنف بردود فعل آنية فقط.
نحن نحتاج إلى:
• مدارس تُعلّم الإنسان قبل أن تلقّنه المعلومات.
• بيوت تتواصل مع أبنائها بوعي ومحبة.
• شباب يشعرون بأن لهم مكانًا حقيقيًا في هذا العالم.
• إعلام يرفع منسوب المسؤولية لا منسوب الإثارة.
• مؤسسات تطبق القانون بعدالة، وتحمي الإنسان دون تمييز.
الأمن الحقيقي لا يُبنى بالسلاح وحده، بل بالتربية، وبإسناد المجتمع لأفراده، وبخلق فرص تتيح للشاب أن يحيا بكرامة لا بخوف.
دورنا نحن… قبل دور غيرنا
التغيير يبدأ من حكايات صغيرة، من خطوات بسيطة لكنها صادقة:
من أمّ تعلم أبناءها أن الاحترام هو القوة الحقيقية.
من أب يرفض أن ينقل غضبه إلى أطفاله.
من معلّم يرى في طلابه طاقة لا تهديدًا.
من شاب يختار أن يكسر حلقة العنف بدل أن يتممها.
نحن لا نطلب معجزات، بل نطلب مسؤولية مشتركة؛ أن نفعل ما نستطيع، حيث نحن، وبما لدينا.
هل هناك أمل؟ نعم.
الأمل لا يُنتظر… الأمل يُصنع.
والعنف ليس قدرًا… بل ظاهرة يمكن تغيير conditions نشأتها.
والمجتمع الذي يستطيع أن يحزن بهذا العمق، يستطيع أن ينهض بالقوة نفسها.
إن مستقبلنا ليس صفحة تُكتب وحدها، بل حكاية نصوغها نحن كل يوم.
ولأن أبناءنا يستحقون وطنًا آمنًا… ولأننا نستحق حياة بلا خوف…
فإن مواجهة العنف ليست خيارًا، بل واجب أخلاقي، وطني، وإنساني.
من هنا وهناك
-
رأيٌ في اللّغة..تحريرُ الفرائد من لغةِ الجرائد - بقلم: د. أيمن فضل عودة
-
‘دول الكومبارس..المتناقضات كأدوار في السياسة والاعلام‘ - بقلم: بشار مرشد
-
مقال: ‘وقف إطلاق النار، كذب ونظرية جنون‘ - بقلم : أسامة خليفة
-
مقال: التسويق الإلكتروني وأهميته ودوره في نجاح وكالات السياحة العلاجية - بقلم : اراس كاراجان
-
‘رسالة الى الشباب في البطوف وعموم مجتمعنا: إياكم والسوق السوداء‘ - بقلم : عاهد رحال
-
‘الحق يمشي ولو على رمشي‘ – بقلم : هادي زاهر
-
خطاب ديني إصلاحي ‘العودة إلى المشرّع الواحد… وإحياء الدين من منبعه الأول‘ - بقلم: سليم السعدي
-
حكايات نضالية قروية - الكاتب والكتاب | استعراض وتقييم هادي زاهر
-
مقال: نحن أبناء هذه البلاد، عرب مسلمون قبل كل شيء - بقلم : الشيخ صفوت فريج رئيس الحركة الإسلامية
-
قراءة نقدية مُعَمَّقة – بقلم: رانية مرجية





أرسل خبرا