‘ العقل العاطفي بين الخالق والمخلوق وتجليّاته في الإنسان والحيوان ‘ - بقلم: سليم السعدي
يظلّ السؤال عن سرّ المشاعر في الخلق، وعن العلاقة بين رحمة الله وصفات البشر والحيوان، من أعمق الأسئلة التي يطرقها العقل البشري. فالله يصف نفسه بأنه رحمن رحيم، رؤوف كريم، عفوّ غفور، ونرى في الإنسان رحماتٍ تشبه بعض هذه المعاني،
سليم السعدي
بل نرى في الحيوان أحيانًا رحمةً تفوق ما يظهر في البشر.
فكيف نفهم هذا التشابه؟ وأين يقف الحدّ بين صفات الخالق وطبائع المخلوق؟
أولًا: صفات الله مطلقة… وصفات الخلق آثارٌ محدودة
الله سبحانه ليس كمثله شيء؛ فرحمته وعطفه ورأفته ليست كرحمة المخلوق ولا مشاعره، بل هي صفات كمالٍ مطلقة لا تتغير ولا تنقص.
أما رحمة الإنسان أو الحيوان، فهي انعكاس من آثار الرحمة الإلهية، مثل ضوء القمر الذي لا يملك نورًا من ذاته، بل يعكس نور الشمس.
التشابه بين الرحمتين في اللفظ فقط، أما الحقيقة فبينهما بونٌ شاسع لا يُقاس.
ثانيًا: الإنسان… ورحمتُه الممزوجة بالعقل والصراع
الإنسان مخلوق مُكلَّف؛ يحمل عقلًا وإرادةً وشهوةً ومصلحةً وغضبًا وخوفًا.
لهذا كثيرًا ما تتعقّد رحمته، وتضيع بين صراعات نفسه وما يواجهه من ظروف الحياة.
قد يرحم اليوم ويقسو غدًا، وقد يلين قلبه مع شخص ويجفّ مع آخر.
إنها رحمة متقلبة تحتاج إلى تهذيب وتربية حتى تعود إلى أصل فطرتها.
ولهذا قيل: إن ارتقى الإنسان بأخلاقه سما فوق الملائكة، وإن غفل عن فطرته هبط دون الحيوان.
ثالثًا: الحيوان… والفطرة الصافية التي لا تناقضها النفس
على النقيض تمامًا، يعمل الحيوان بفطرته الخالصة؛ لا يعرف التكبّر، ولا الحسد، ولا المصلحة، ولا يلوّن مشاعره ولا يخفيها.
لهذا نراه: يضحي بنفسه لحماية صغاره.
يرضع صغيرًا ليس من جنسه.
يخلص لمن أطعمَه وربّاه.
ويظهر مشاعر لا تخالطها حسابات ولا نفاق.
رحمة الحيوان مباشرة، غريزية، نقية، وأحيانًا تقدّم درسًا للإنسان كيف تكون الفطرة إذا لم تلوّثها الأهواء.
رابعًا: لماذا بثّ الله الرحمة في الإنسان والحيوان معًا؟
لأن الرحمة قانون كوني، أساسٌ من أسس بقاء الحياة.
زرعها الله في القلب البشري لتكون ميدانًا للتزكية، وزرعها في الحيوان لتكون مثالًا للفطرة الأولى التي لا تتردد ولا تتصنّع.
وبهذا يفهم الإنسان أن كل ما يرى من رأفة في خلق الله هو من فيض رحمة واحدة قسّمها الرب بين الخلائق.
فإذا رأيت أمًا حانية، أو حيوانًا يفدي صغيره، أو إنسانًا يعفو، فاعلم أن هذه قطرة من بحر “الرحمن الرحيم”.
---
خاتمة
تجلّيات الرحمة في الكائنات ليست دليلًا على أن لله عقلًا عاطفيًا كعقول البشر، بل دليل على أن الله بثَّ من رحمته ما تحيا به النفوس وما تستقيم به الحياة.
فما نراه في الإنسان من تردّد ورحمةٍ ممزوجة بالعقل، وما نراه في الحيوان من رحمةٍ فطريةٍ صافية، كلّه يشي بأن أصل الرحمة واحد…
وأن نورها من عند الخالق، وأن الخلق جميعًا ما هم إلا مرايا تعكس ذلك النور بقدر ما تستطيع.
من هنا وهناك
-
‘ الوحدة العربية والسياسة: بين الواقع والمأمول‘ - بقلم : مرعي حيادري
-
‘ حين يغيب الفعل ويعلو الصوت ‘ - بقلم : الاستاذ رائد برهوم
-
‘ الهوية الممزقة ‘ - بقلم: سليم السعدي
-
‘ أبعد من الإعلان الدستوري: هندسة للنظام السياسي الفلسطيني ‘ - بقلم : عمر رحال
-
أنماط الأهل في المدارس… هل تعرف نمطك أنت؟ - بقلم: الدكتور محمود علي جبارين
-
‘ لقاء الإخوة هو لقاء رحمة ‘ - مقال بقلم : الشيخ صفوت فريج رئيس الحركة الإسلامية
-
‘إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب‘ | مقال بقلم: رانية مرجية
-
لماذا تحتاج لجنة المتابعة إلى مصادر مالية مستقلة؟ - بقلم : د. رفيق حاج – مخطط استراتيجي
-
‘ قانون الإعدام... تشريع الفاشية في إسرائيل ‘ - بقلم : فراس صالح
-
بروفيسور يوسف مشهراوي يكتب في بانيت: المشتركة: نعم أم لا؟ رأيي الشخصي - بصراحة ومسؤولية





أرسل خبرا