‘الذكاء الاصطناعيّ بين النعمة والنقمة‘ - بقلم: المحامي زكي كمال
07-11-2025 14:00:15
اخر تحديث: 08-11-2025 08:17:00
تأكيدًا لما كنت أكّدته، بل ودعوت إليه بكل ما أوتيت من قوّة وطيلة عقود، من أن التقدّم العلميّ بكافّة مناحيه وأنواعه وتجديداته، والتقدّم والتكنولوجيّ المتسارع والعظيم خاصّة في مجال التقنيات العالية والمتقدّمة ودُرّة تاجها الذكاء الاصطناعيّ،

المحامي زكي كمال - صورة شخصية
كلها أعظم إنجازات البشرية، وجانبها المشرق والمتفائل الذي يريد للجميع دون استثناء، أن يعيش حياة أطول عمرًا وأفضل صحّةً وجودةً. نعرف فيها كل يوم أكثر وأكثر، ونتواصل مع غيرنا في عالمنا الذي أصبح قرية صغيرة، بل ربما بيتًا واحدًا بشكل أنجع وأسرع، تقدّم علميّ يمتدّ من حبّة الدواء إلى السيارة والهاتف العاديّ وكذلك الذكيّ والطيران الآمن وغيرها هو نتيجة سنوات من البحث العلميّ.
أؤكد هنا أننا جميعًا، نحن بني البشر، مدينين بالشكر والعرفان للعلم بكافّة تخصّصاته وللعلماء في كل زمان ومكان، الذين زوّدوا عالمنا هذا باختراعات نقلته من الظلمات إلى النور، رغم أن بعضها تحوّلت استعمالاته من الإيجاب التامّ إلى السلب كالديناميت الذي جاء لتسهيل عمليّة تفجير الصخور لأغراض شقّ المسالك للسكك الحديديّة، ولأغراض البناء والإعمار، وصولًا إلى ابتكار تقنيات تحلية المياه ما قد ينقذ البعض من مجاعة كاملة، ويمكّن من إحياء بيئات وأمصال طبيّة للقضاء على الأمراض، وذلك بعد أيّام من اختتام مؤتمر علميّ عالميّ في الكليَّة الأكاديميَّة العربيَّة للتَّربية في حيفا، حول الدور الذي يجب أن يلعبه الذكاء الاصطناعيّ في عمليّة التربية وتغيير أنماطها نحو عهد جديد من التعلُّم، وهو ما كان في صلب المؤتمر العلميّ في الكليّة، الذي ترأسته جنبًا إلى جنب مع البروفيسور رندة خير عباس .
خلال أيّامه الثلاثة ومشاركتي الفعّالة في كلمتي في افتتاح المؤتمر باللغات الثلاث العربيّة والعبريّة والإنجليزيّة، وبحضور علماء وطلبة وضيوف من إسرائيل ومن أنحاء العالم، وكل ذلك وسط حالة تبدو للبعض غريبة وغير مفهومة قوامها التشكيك بنزاهة هذا التقدّم العلمي ونزاهة دوافع الذين يقفون وراءه، عبر حملات شعبويّة على العلم عمومًا وربما لأسباب سياسيّة، وهي تتّفق مع روح العصر من ترويج للأخبار الكاذبة والمعلومات غير الصحيحة، ومحاولة غرس عدم الثقة، والتشكيك في كل ما يُشبه البحث العلميّ، ما يمكن أن يثير التساؤل حول ما إذا كان هناك تعارض، أو تناقض بين السياسة والعلم، أو بين الدين والعلم، وهل يمكن أن تؤدي سهولة تصديق ما تبثه التصريحات الشعبويّة السياسيّة والدينيّة أن توصد عقول الناس، وأن تغلق أبواب العلم والتقدّم وتجلب التخلف والفقر للشعوب التي يحكمها قادة استبداديّون سياسيًّا وعسكريًّا وربما دينيًّا، ثم السؤال كيف ولماذا أصبحت البشريّة متشكّكة، بل حتى معادية أحيانًا للعلم، كما حدث خلال آفة الكورونا التي اجتاحت العالم، وبعدها وربما بزخم لا يقلّ عن ذلك، بكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعيّ، وبالتالي لا بدّ من التساؤل حول السبب، وهل تكمن المشكلة في الجمهور أي عامة الناس، الذين فقدوا صبرهم ربما بفعل الوتيرة السريعة للتطور التكنولوجيّ ومداه، حتى باتوا يصدّقون وسائل التواصل الاجتماعيّ، ويصدّقون ما يُقال لهم، وهذا بحدّ ذاته فشل ذريع لأنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم خاصّة بكل ما يتعلق مثلًا بالأغذية المعدّلة وراثيًا في الدول التي تعاني من مشاكل المناخ وربما القحط، وتشكّل السبيل الوحيد لمنع الجوع والفقر والمرض، باعتبارها الحلّ الأمثل لمشكلة إنتاج الغذاء، تقابلها شعبويّات خطيرة يتم الترويج لها، بأن الأغذية المعدّلة وراثيًّا قادرة على تغيير الجينات البشريّة وغيرها من المعلومات الشعبويّة التي تخدم سياسيّين وقادة دينيّين وما شابه.
كلها أعظم إنجازات البشرية، وجانبها المشرق والمتفائل الذي يريد للجميع دون استثناء، أن يعيش حياة أطول عمرًا وأفضل صحّةً وجودةً. نعرف فيها كل يوم أكثر وأكثر، ونتواصل مع غيرنا في عالمنا الذي أصبح قرية صغيرة، بل ربما بيتًا واحدًا بشكل أنجع وأسرع، تقدّم علميّ يمتدّ من حبّة الدواء إلى السيارة والهاتف العاديّ وكذلك الذكيّ والطيران الآمن وغيرها هو نتيجة سنوات من البحث العلميّ.
أؤكد هنا أننا جميعًا، نحن بني البشر، مدينين بالشكر والعرفان للعلم بكافّة تخصّصاته وللعلماء في كل زمان ومكان، الذين زوّدوا عالمنا هذا باختراعات نقلته من الظلمات إلى النور، رغم أن بعضها تحوّلت استعمالاته من الإيجاب التامّ إلى السلب كالديناميت الذي جاء لتسهيل عمليّة تفجير الصخور لأغراض شقّ المسالك للسكك الحديديّة، ولأغراض البناء والإعمار، وصولًا إلى ابتكار تقنيات تحلية المياه ما قد ينقذ البعض من مجاعة كاملة، ويمكّن من إحياء بيئات وأمصال طبيّة للقضاء على الأمراض، وذلك بعد أيّام من اختتام مؤتمر علميّ عالميّ في الكليَّة الأكاديميَّة العربيَّة للتَّربية في حيفا، حول الدور الذي يجب أن يلعبه الذكاء الاصطناعيّ في عمليّة التربية وتغيير أنماطها نحو عهد جديد من التعلُّم، وهو ما كان في صلب المؤتمر العلميّ في الكليّة، الذي ترأسته جنبًا إلى جنب مع البروفيسور رندة خير عباس .
خلال أيّامه الثلاثة ومشاركتي الفعّالة في كلمتي في افتتاح المؤتمر باللغات الثلاث العربيّة والعبريّة والإنجليزيّة، وبحضور علماء وطلبة وضيوف من إسرائيل ومن أنحاء العالم، وكل ذلك وسط حالة تبدو للبعض غريبة وغير مفهومة قوامها التشكيك بنزاهة هذا التقدّم العلمي ونزاهة دوافع الذين يقفون وراءه، عبر حملات شعبويّة على العلم عمومًا وربما لأسباب سياسيّة، وهي تتّفق مع روح العصر من ترويج للأخبار الكاذبة والمعلومات غير الصحيحة، ومحاولة غرس عدم الثقة، والتشكيك في كل ما يُشبه البحث العلميّ، ما يمكن أن يثير التساؤل حول ما إذا كان هناك تعارض، أو تناقض بين السياسة والعلم، أو بين الدين والعلم، وهل يمكن أن تؤدي سهولة تصديق ما تبثه التصريحات الشعبويّة السياسيّة والدينيّة أن توصد عقول الناس، وأن تغلق أبواب العلم والتقدّم وتجلب التخلف والفقر للشعوب التي يحكمها قادة استبداديّون سياسيًّا وعسكريًّا وربما دينيًّا، ثم السؤال كيف ولماذا أصبحت البشريّة متشكّكة، بل حتى معادية أحيانًا للعلم، كما حدث خلال آفة الكورونا التي اجتاحت العالم، وبعدها وربما بزخم لا يقلّ عن ذلك، بكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعيّ، وبالتالي لا بدّ من التساؤل حول السبب، وهل تكمن المشكلة في الجمهور أي عامة الناس، الذين فقدوا صبرهم ربما بفعل الوتيرة السريعة للتطور التكنولوجيّ ومداه، حتى باتوا يصدّقون وسائل التواصل الاجتماعيّ، ويصدّقون ما يُقال لهم، وهذا بحدّ ذاته فشل ذريع لأنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم خاصّة بكل ما يتعلق مثلًا بالأغذية المعدّلة وراثيًا في الدول التي تعاني من مشاكل المناخ وربما القحط، وتشكّل السبيل الوحيد لمنع الجوع والفقر والمرض، باعتبارها الحلّ الأمثل لمشكلة إنتاج الغذاء، تقابلها شعبويّات خطيرة يتم الترويج لها، بأن الأغذية المعدّلة وراثيًّا قادرة على تغيير الجينات البشريّة وغيرها من المعلومات الشعبويّة التي تخدم سياسيّين وقادة دينيّين وما شابه.
لا حدود لعالم التقنيّات المتقدّمة
هذا ما يحدث أيضًا في عالم الذكاء الاصطناعيّ الذي غزا عالمنا بسرعة يخيل لنا أنها كانت بسرعة البرق، خاصّة بعد أن كان طيلة عقد من الزمن وأكثر حديثًا أشبه بالخيال تناوله الخاصّة، وتحديدًا أولئك المتبحّرين في عوالم التقنيّات المتقدّمة والبرمجة، وآخر ما توّصلت إليه العقول التقنيّة المبدعة من اختراعات وتجديدات تؤكّد أن لا حدود لعالم التقنيّات المتقدّمة، ليصبح اليوم حديث العامّة واصلًا مختلف المرافق ومختلف القطاعات، كلّ حسب اهتماماته وهي تلك التي تحدّد طريقة استخدامه لهذا الذكاء الاصطناعيّ، بدءًا من طلاب المدارس في كافّة مراحلها وأرباب العمل وطلاب الجامعات والدارسين والمدرّسين والعاملين في مجالات أخرى وصولًا حتى الناس العاديّين ما يجعل السؤال أو الأسئلة حوله نقاشًا يوميًّا يشغل الكثيرين، فينقسمون إلى معسكرين يؤمن الأوّل بكلّ جوارحه أن الذكاء الاصطناعيّ سيخلق عالمًا عقلانيًّا يميّزه الذكاء والهدوء، وتنتهي فيه الحروب التقليديّةن وذلك استنادًا إلى الاعتقاد السائد بأن العقلانيّة والهدوء يعنيان موت العواطف والغرائز كلها وخاصّة غريزة الانتقام والسيطرة وردّ الصاع صاعين، وهي سبب الحروب الحاليّة في غزة وأوكرانيا، وسبب الخلافات الاقتصاديّة بين أمريكا ودول العالم وخاصّة الصين، وغيرها، وبالتالي سيرتاح العالم ربما من تأثير هذه الغرائز، بينما يحذّر المعسكر الثاني من أن الذكاء الاصطناعيّ لن يخلق عالمًا أكثر هدوءً واستقرارًا، بل إنه سيخلق عالمًا تلفّه المخاوف من المجهول أو "ما خفي أعظم"، نحو عالم يتمّ فيه الاستغناء عن "العامل أو العنصر البشريّ" واستبداله بعالم لا تشكّل الاختراعات فيه الردّ السليم على حاجة ما، أو على احتياجات حقيقيّة، بل إنها اختراعات تجيء بعد "اختراع الحاجة إليها"، أو حتى اختلاق الحاجة إليها ما يزيد من حدّة التساؤلات حول ماهيّة وربما خطورة استخدام الذكاء الاصطناعيّ، وتأثيراته حتى على مختلف المهن في المستقبل، إضافة إلى الأخطار المترتّبة عليه إذا ما تم استخدامه بشكل سيّء. وأقول هنا وبشكل واضح إن هذه التكنولوجيا، إضافة إلى فوائدها المعروفة، تثير وبحق التساؤلات حول أخطار استخدامها بشكل سلبيّ، خاصّة وأنها تخضع لسيطرة مجموعة صغيرة ونادٍ مغلق، من الشركات في العالم يمكنها أن تشكل موضعًا لتجميع السلطة والقوة الاقتصاديّة وكذلك السياسيّة، فهي تتغلغل في جميع مجالات حياتنا، تجمع المعلومات الدقيقة عن مواطني معظم دول العالم، وعليها ترتكز أو سوف ترتكز قريبًا معظم نشاطات الحكومات ومن هنا يمكنها أن تصبح أو أن يتم استغلالها، ضمن أكثر أدوات الدعاية فعالية وخطورة عرفتها البشريّة.
إحدى المعضلات التي يثيرها الذكاء الاصطناعيّ، هي التأثيرات المتوقّعة له في مجالات العمل المختلفة، والفئات العماليّة التي سيتم التخلّي عنها، أو التي سوف تستبدلها استخدامات الذكاء الاصطناعيّ عبر روبوتات تستبدل ممن تتمّ تسميتهم "أصحاب الياقات الزرقاء"، أي عمّال الصناعة والخدمات. وهي عملية بدأت منذ سنوات بإيجاد روبوتات تستبدل العاملين في صناعة السيّارات على اختلاف مراحلها، وخدمات الفندقة أو بعضها على الأقلّ، ومن سيليها خاصّة، وأن الحديث يدور عن استبدال عاملين من أصحاب الياقات البيضاء، أو أولئك في مجال الخدمات المكتبيّة والخدمات المصرفيّة، وهو ما نشهده في إسرائيل عبر تقليص عدد الموظّفين في المصارف، وإغلاق فروع يعمل فيها موظّفون عاديّون واستبدالها بفروع تقوم بكافّة خدماتها بتقنيات عالية مستعينة بالذكاء الاصطناعيّ، أما الخطوات التي تلي ذلك فيؤكّد مطّلعون أنها سوف تصل قطاعات إضافيّة منها التدريس والطبّ، وهما مجالان يقول البعض إن الذكاء الاصطناعيّ سيمنع فيهما مظاهر منها التآكل الوظيفيّ الذي يعانيه المعلّمون بعد عشرت السنوات والأطباء جرّاء تدفّق أعداد كبيرة من المرضى على عياداتهم يوميًّا ما يضطرّهم إلى العمل بسرعة دون تدقيق ودون بذل جهد عاطفيّ، الأبحاث المخبريّة والأكاديميّة وما يشمله من بيانات ومعطيات، وفوق كل ذلك صناعة تطوير البرمجيّات التي ستشهد، بل بدأت تشهد تحوّلًا جوهريًّا سيؤثّر حتمًا على مصير ومستقبل العاملين في مجال البرمجيّات، خاصّة على ضوء قرار شركات تقنيات متقدّمة ومنها شركة "ميتا" (فيسبوك)على سبيل المثال، والتي أعلن مديرها ومالكها مارك تسوكربيرغ أنها ستعتمد بشكل مكثّف على الذكاء الاصطناعيّ في كتابة الشيفرات (الأكواد) البرمجيّة، ما يعني بالضرورة تقليص عدد المستخدمين في هذا المجال. وهي خطوة يراها البعض على أنها بداية النهاية للمبرمجين التقليديّين، بل خطوة قد تنبئ، أو تعكس توجّهًا سيتّخذه عمالقة التكنولوجيا نحو استبدال العنصر البشريّ بأنظمة ذكيّة قادرة على أداء مهامّ البرمجة بكفاءة ونجاعة متزايدة، وإنتاجيّة أكبر وأكثر.
يمكن أن تضاعف إنتاجيّة البشر
ما سبق حول الذكاء الاصطناعيّ، وكونه سيحلّ مكان مستخدمين ليس من ضرب الخيال، بل إنه ما أكّده إريك شميدت، المدير التنفيذيّ السابق لشركة "جوجل" حول القدرات العالية للذكاء الاصطناعيّ، وتأكيده أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تضاعف إنتاجيّة البشر، وأن تحلّ إضافة إلى ما سبق، مكان بعض الوظائف في المجالات القانونيّة بشكل تدريجيّ إذ يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يساعد في البداية مثلًا في تلخيص المستندات، لكن المستقبل سيشهد واقعًا يكون فيه للذكاء الاصطناعيّ دور فعّال في النظام القضائيّ خاصّة تلك الجوانب التي يسيطر عليها اليوم بشكل واضح المساعدون والباحثون القانونيّون، الذين يتمحور عملهم حول البحث والاستكشاف وتفسير المعلومات، ما يضمن زيادة سرعة التحضير القضائيّ، وتخفيف الأعباء على النظام القضائيّ، إضافة إلى إلقاء بعض المهامّ الإضافيّة على الذكاء الاصطناعيّ كمقابلة الزبائن والمتوجّهين وجمع المعلومات بشكل صحيح منهم، خاصّة وأن بعض علماء النفس يعتقدون أن الأنسان قد يكون صادقًا وأكثر حريّة عندما يتحدّث إلى آلة لا تحكم عليه، ولا يمكن لتعابير وجهها أن تشير إلى مشاعرها تجاه ما يقولونه بعكس اللقاء الوجاهّي مع المحامين البشر، لكن من الواضح أن الذكاء الصناعيّ لن يستبدل المرافعات والمناقشات داخل قاعات المحاكم، وكلها أمور تثير غضب رجال القانون، ومنهم سونغ ريتشاردسون عميد كليّة الحقوق بجامعة كاليفورنيا في إيرفاين، الذي يقول إن الناس يصبحون محامين، أو قضاة ليس ليكونوا جزءًا من آلة صمَّاء، أو جزءًا من ماكنة العدالة، بل لممارسة مهنة إنسانيّة حيّة وديناميكيّة. ولذلك، وأنه يجب حماية مكانة المحامين والقضاة والاهتمام بهم، لأن عدم فعل ذلك يشير إلى شيء خاطئ في النظام القضائيّ ونظام العدالة، وكم بالحريّ إذا رافق التقصير توجّه نحو حوسبة القضاء والنظام العدليّ، أو "أتمتته" Automatization ويقول: "إن الاتجاه لاستخدام الذكاء الصناعيّ في النظام العدليّ ليس عدلًا، بل العكس". لكنّه رغم ذلك، يعتقد أن تأثير التكنولوجيا الجديدة سيكون إيجابيًّا. لأنها سوف توفّر للمحامين والقضاة المعلومات اللازمة والمطلوبة بشكل سريع وفعّال، لكنها لن تكون أبدًا بديلًا عن الحكم واتّخاذ القرار الذي لا يمكن إلا للبشر اتّخاذه، إذ لا يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يحتلّ مكان التفكير القضائيّ النقديّ.
"أقوال في الدولة"
وإذا كان الأمر كذلك في سلك القضاء، فكيف سيكون فعل الذكاء الاصطناعيّ في مجال الأدب وتحديدًا كتابة القصص والمؤلّفات الأدبيّة والقصصيّة، وهل ستكون هي نهاية ذلك العهد الذي كنا مضطرّين فيه لانتظار قيام كاتب ومؤلّف ما، وبعد جهود حثيثة وجبَّارة وكبيرة بوضع مؤلَّف ما، خاصّة وأننا نشهد اليوم استخدامات معيّنة لكتاب يستعينون بالذكاء الاصطناعيّ لتحسين نهايات مؤلّفاتهم، أو تحسين لغتها ومضمونها، ما يعني أن القارئ سيجد نفسه أمام معضلة عليه فيها أن يقرّر، أو أن يتساءل على الأقلّ ما إذا كان النصّ الذي يقرأه في لحظة ما من "صنع البشر أو الآلة" وفوق ذلك التساؤل ما إذا كان هناك مبرّر، أو حاجة لتدخل الذكاء الاصطناعيّ في كتابة النصوص الأدبيّة والقصصيّة، ما دام البشر يقومون بذلك وبمستوىً راقٍ ووتيرة رائعة، أم أن كل ما هنالك هو محاولة تقنية عالية لإثبات أن العقل البشريّ لم يكن في مجالات عديدة صاحب القول الفصل، أو إنهاء احتكار العقل البشريّ لمجالات منها العاطفة والقدرة على الاستيعاب وغير ذلك. وهو ما يعني حالة جديدة سنتوقّف فيها عن السؤال عن هويّة الكاتب واسمه ونشأته ومنطلقاته، لعدم أهمّية ذلك، والاكتفاء بمنتوج أو منتج أدبيّ جيّد لا نعرف، وربما لا يهمّنا من كتبه ومن وضعه، وصولًا إلى حالة نتساءل فيها ما إذا كانت تلك المؤلّفات التي تستعرض السير الذاتيّة للكبار من القادة والشخصيّات الأكاديميّة والسياسيّة والقضائيّة والفنيّة وحتى الأدبيّة، صادقة تعكس الواقع بحذافيره أم أنها "مؤلّفات تدخّلت فيها، بل اعتملت فيها تأثيرات واعتبارات الذكاء الاصطناعيّ"، ونشير إلى أنه تمّت تجربة الذكاء الاصطناعيّ لتأليف كتب منها "أقوال في الدولة"، وهو أوّل كتاب بالعربيّة يتم تأليفه من قبل برنامج الذكاء الاصطناعيّ "تشات جي بي تي" .
"الخلل المتبادل المضمون في الذكاء الاصطناعيّ"
رغم ما سبق، فإن المخاوف من الذكاء الاصطناعيّ قائمة وماثلة، كما يؤكّد أكبر عرّابيه ومؤيّديه، خاصّة أخطار السباق الدائر في هذا المجال بين الصين بمنظومة الذكاء الاصطناعيّ المسماة" ديب سيك Deep Seek" والولايات المتحدة وهو ما حذّر منه أريك شميدت، بمنصبه أو مهامّه الحاليّة المتعلّقة بالمبادرات الأمريكيّة ومجلس الابتكار الدفاعيّ ومهمّته تقديم استشارات وتكنولوجيّات جديدة إلى البنتاغون، إذ حذّر من مخاطر سعي الولايات المتحدة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعيّ تكون على غرار "مشروع مانهاتن التاريخيّ" الذي أدّى إلى تطوير القنبلة النوويّة خلال الحرب العالميّة الثانية، إذ يؤكّد الخبراء أن محاولة الولايات المتحدة الاستئثار بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعيّ الفائق قد يؤدّي إلى ردّ فعل عنيف من الصين، ربما على شكل هجوم إلكترونيّ، ممّا قد يزعزع العلاقات الدوليّة، في تكرار لحالة عسكريّة تاريخيّة سابقة كانت الولايات المتحدة فيها في موقف مشابه تتعلّق بالردع النوويّ المتبادل مع الاتحاد السوفييتيّ حينها. إن السعي للهيمنة المطلقة قد يؤدّي إلى ضربة استباقيّة من الخصوم. وهو ما دفع ببعض الخبراء إلى اقتراح أن تتبع الدول مفهومًا جديدًا يسمونه "الخلل المتبادل المضمون في الذكاء الاصطناعيّ"، أي أن تبادر الحكومات والدول إلى تعطيل مشاريع الذكاء الاصطناعيّ التي تشكّل تهديدًا، أي الانتقال إلى تطوير أساليب تقنية لردع الدول الأخرى، مع التحذير من أن الذكاء الاصطناعيّ سيكون قادرًا على ابتكار أنواع جديدة من الأسلحة لديها القدرة على إيذاء، أو قتل العديد من الأشخاص في المستقبل القريب، واختراع أنواع جديدة من الأسلحة البيولوجيّة المبتكرة.
ما سبق يستوجب التوقّف عنده، واستبيان خير الذكاء الاصطناعيّ وتعزيزه ، واستكشاف أخطاره ووضع الوسائل لمواجهتها، مع التأكيد على أن المصاعب التي سيواجهها العالم بالتحكم في انتشار الذكاء الاصطناعيّ، ربما ستفوق تلك المصاعب التي رافقت، وما زالت ترافق التكنولوجيا النوويّة، التي تكون خيرًا جمًّا إذا استخدمت لصالح البشريّة، ولأغراض سلميّة بكل ما تعنيه من توفير للمال والطاقة ومنع التلوث وغيرها، لكنها وبال إذا تمّ استخدامها لأغراض عسكريّة، وبالتالي نحن بني البشر من سنجيب على السؤال، هل سينطبق على الذكاء الاصطناعيّ الذي أصبح حقيقة واقعة، القول الشهير للعبقريّ البريطانيّ ستيفن هوكينج، عالم الفيزياء النظريّة: "الذكاء الاصطناعيّ هو القوّة الأكثر فعالية في العالم، وقد يكون لها تأثير عميق على مستقبلنا. من المهمّ أن نكون مستعدّين لعواقب الذكاء الاصطناعيّ، واتخاذ القرارات الصحيحة بشأن كيفيّة استخدامه"، أو قول ألبرت أينشتاين، عالم الفيزياء النظريّة وواضع النظريّة النسبيّة: "الذكاء الاصطناعيّ هو آخر إبداع بشريّ قبل نهاية البشريّة." ويظهر أن الإنسان هو عدوّ نفسه، ويقتلها بشتّى الوسائل العلميّة والتقنيّة، أو بالتزّمت الفكريّ أو الدينيّ.
هل يتحكّم الذكاء الاصطناعيّ بالجوارح ؟
ختامًا، قد تصل وربما من المؤكّد أن تصل أنظمة الذكاء الاصطناعيّ قريبًا مجالات كانت تُعتبر سابقًا مسؤوليّات حكوميّة وعامّة كالتعليم والصّحة والأمن والاتصالات والمعلومات، والأخطر من ذلك أن الحكومات عبر السيطرة على البيانات والرقابة، وتنقل إدارة المجال العام إلى خوارزميات تُحركها اعتبارات تجاريّة، دون أي رقابة أو شفافية. وسوف يصبح الخطّ الفاصل بين المصالح العامّة ومصالح الشركات غير واضح تمامًا، فتفقد الدول دورها كجهات تنظيميّة وحامية لمواطنيها. وباختصار، نحن أمام قوى وتقنيات تعني تغيير طريقة استهلاكنا للمعلومات، واتخاذنا للقرارات، وحتى انتخابنا للقادة، وجنوحنا إلى "ومضات سريعة" من المعلومات دون خطابات منمقة وشرح للأهداف، بل اعتمادًا على الشعارات السريعة، فالأبحاث تؤكّد أن مدّة التركيز البشريّ انخفضت من 12 ثانية عام 2000 إلى 8 ثوانٍ اليوم أي بمعدل الثلث ما يعني أن البشريّة تواجه اليوم قوّة تقنية عالميّة جديدة غير منتخبة، وغير خاضعة للرقابة، وذات قوة تفوق الخيال، وعليها مواجهتها واستخدامها بشكل إيجابيّ عبر ثقافة استخدام واعية من جهة وتطوير آليّات رقابة ذاتيّة وجماعيّة تكون الشركات التي تسيطر على هذا المجال شريكة فيها، وتشريعات حكوميّة تحدّ من سيطرة الحكومات وتحمي الخصوصيّات وتمنع الأخبار الكاذبة، فهل الحكومات بهذا الحدّ من النزاهة لتفعل ذلك؟ أم أنها كما قال الفنان والكاتب الفرنسي ألبير كامو: "الحكومة بطبيعتها ليس لها ضمير، وأحيانا يكون لها سياسة"، والسؤال يبقى واحدًا هل التقنيّات وخاّصة الذكاء الاصطناعيّ نقمة أم نعمة ؟؟؟
ولنذكر ما قاله مهاتما غاندي:" عندما تكون على حقّ تستطيع أن تتحكّم بأعصابك، أما إذا كنت مخطئًا فلن تجد إلا الكلام الجارح لفرض رأيك"، وهل يتحكّم الذكاء الاصطناعيّ بالجوارح ؟؟؟
من هنا وهناك
-
‘ الوحدة العربية والسياسة: بين الواقع والمأمول‘ - بقلم : مرعي حيادري
-
‘ حين يغيب الفعل ويعلو الصوت ‘ - بقلم : الاستاذ رائد برهوم
-
‘ الهوية الممزقة ‘ - بقلم: سليم السعدي
-
‘ أبعد من الإعلان الدستوري: هندسة للنظام السياسي الفلسطيني ‘ - بقلم : عمر رحال
-
أنماط الأهل في المدارس… هل تعرف نمطك أنت؟ - بقلم: الدكتور محمود علي جبارين
-
‘ لقاء الإخوة هو لقاء رحمة ‘ - مقال بقلم : الشيخ صفوت فريج رئيس الحركة الإسلامية
-
‘إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب‘ | مقال بقلم: رانية مرجية
-
لماذا تحتاج لجنة المتابعة إلى مصادر مالية مستقلة؟ - بقلم : د. رفيق حاج – مخطط استراتيجي
-
‘ قانون الإعدام... تشريع الفاشية في إسرائيل ‘ - بقلم : فراس صالح
-
بروفيسور يوسف مشهراوي يكتب في بانيت: المشتركة: نعم أم لا؟ رأيي الشخصي - بصراحة ومسؤولية





أرسل خبرا