فضلات الجار: الاقتصاد الدائري في المجتمع العربي
تُعدّ تراكمات النفايات وطرق التخلص منها من أبرز القضايا البيئية في البلاد. وقد تناول بحث جديد عمليات الاقتصاد الدائري في البلدات العربية داخل إسرائيل، وكشف عن نشاط فعّال في هذا المجال.
shutterstock.com - PeopleImages
في كل عام، ننتج كميات متزايدة من النفايات: أكثر من 6 ملايين طن من النفايات البلدية وأكثر من 7 ملايين طن من نفايات البناء يتم إنتاجها سنويًا في إسرائيل. كل واحد وواحدة منا يرمي في سلة المهملات ما يقارب 2 كيلوغرام من النفايات يوميًا.
حوالي 80% من النفايات المُنتجة في البلاد تُنقل إلى مطامر، حيث تُدفن بطريقة مراقبة. وهذه طريقة معالجة غير فعّالة على المدى الطويل، لأن المطامر تمتلئ بسرعة والمساحات المفتوحة المناسبة لإقامتها محدودة.
فما الذي يمكن فعله بكل هذه النفايات؟ بالإضافة إلى الإمكانيات المهمة مثل تقليل الاستهلاك من الأساس وإعادة التدوير، هناك خيار إضافي وهو الانتقال نحو اقتصاد دائري. إنه توجّه يرى في النفايات موردًا يمكن إعادة استخدامه، وليس عبئًا يجب التخلص منه. وبهذه الطريقة، يمكن تقليص كمية النفايات، تقليل التلوث وتقليل التكاليف، فالمصالح التجارية تستطيع الحصول على مواد خام مجانًا من مصالح تجارية أخرى توقفت عن استخدامها. بحث جديد عُرض في المؤتمر السنوي الـ53 للعلوم والبيئة، تناول موضوع الاقتصاد الدائري في المجتمع العربي في إسرائيل، ودرس كيف يمكن مساعدة السلطات المحلية والأعمال التجارية على التقدم نحو اقتصاد دائري أكثر.
نفايات أحدهم هي كنز لآخر
الانتقال إلى اقتصاد دائري ليس بالأمر السهل، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بمصالح تجارية صغيرة وبلدات تفتقر إلى بنى تحتية متقدمة لإدارة النفايات. هذا التحدي يبرز بشكل خاص في السلطات العربية في البلاد، حيث تواجه معالجة النفايات تحديات فريدة. معظم المصالح التجارية صغيرة وغير متمركزة في مناطق صناعية أو تجارية، وهناك نقص في المساحات التشغيلية لتجميع النفايات، بالإضافة إلى ضعف في الوصول إلى جهات إعادة التدوير.
حاليًا في إسرائيل، تقع تكاليف إزالة النفايات بشكل رئيسي على عاتق السلطات المحلية، ووفقًا لموظفي السلطات في المجتمع العربي، فإنها قد تصل إلى 50٪ من ميزانية السلطة المحليّة. البحث، الذي أُجري ضمن إطار مركز البحث والتطوير في المثلث، وبتمويل من وزارة حماية البيئة، تناول ثلاث سلطات محلية في وادي عارة: أم الفحم، كفر قرع، وباقة الغربية.
ولدهشة فريق البحث، أظهر الاستطلاع الذي أجروه بين أكثر من 200 صاحب مصلحة أن في هذه البلدات تُمارَس بالفعل أنشطة اقتصاد دائري، تتركز بشكل أساسي في المنتجات الثانوية للمصالح التجارية. "المنتجات الثانوية هي أمر محوري في نهج الاقتصاد الدائري"، تقول د. ليرون أمدور، خبيرة الاقتصاد والتطوير الزراعي التي أجرت البحث مع د. إبراهيم يحيى، عمر عاصي وألاء حاج يحيى: " لكل مصلحة تجارية إنتاجية هناك منتَج رئيسي يتخصص فيه... لكن عملية إنتاج هذا المنتج تكون مصحوبة غالبًا بمنتجات ثانوية أخرى مثل بقايا البلاستيك، أو البقايا العضوية وغيرها".
إذا نظرنا مثلًا إلى مخبز: المنتجات التي يبيعها هي الخبز والمعجنات وغيرها، لكن عملية إنتاجها تولّد بقايا من العجين والدقيق والزيت، وهي مواد لا يحتاجها المخبز ذاته. في الاقتصاد العادي نراها كنفايات، أما في الاقتصاد الدائري فنعتبرها منتجات ثانوية ونبحث كيف يمكن إعادة استخدامها.
في الاستطلاع الذي أجريناه بين أصحاب الأعمال، أشار 40% منهم إلى أنهم يُمررون منتجاتهم الثانوية للآخرين..."״مثلاً المطاعم، المخابز، متاجر بيع اللحوم، البقالات... يقومون بتمرير البقايا العضوية لمزارع الحيوانات، أو ورش تصليح ترسل قطع غيار مستعملة، وزيوت وآلات يمكن إعادة استخدامها״.
"من المهم أن يحدث هنا تغيير في الوعي"
أمرٌ فاجأ طاقم البحث، هو أنه في حين أن 40% من أصحاب المصالح أفادوا بأنهم يُمررون المُخلفات الثانوية (الناتجة عن عملهم) لجهات أخرى، فإن فقط 2% منهم ذكروا أنهم يتلقون مخلفات ثانوية من جهات أخرى لاستخدامها في الإنتاج أو في أعمالهم. تقول أمدور "لسنا متأكدين من سبب هذا الفارق، ولكن إحدى الفرضيات هي أن بعض أصحاب المصالح يشعرون بالخجل من الاعتراف بأنهم يستخدمون مخلفات ثانوية". وتضيف "للأسف، ما زال لدى معظمنا نوع من النفور من فكرة استخدام منتجات ثانوية – شيء مستعمل أو يُنظر إليه على أنه غير نظيف. ولهذا من المهم أن يحدث هنا تغيير في الوعي. هناك الكثير من المنتجات الثانوية التي لا مشكلة في استخدامها. بعضها يحتاج إلى معالجة أو نوع من العمليات، لكن بعدها يمكن استخدامه كمادة خام ممتازة".
وتتابع قائلة بأن "تفسير إضافي لهذا الفارق – وهو بحد ذاته معطى مثير للاهتمام – هو أن بعض المخلفات الثانوية لا تُمنح بالضرورة لمصالح تجارية أخرى، بل لأشخاص عاديين". وتضيف "أصحاب المصالح حدثونا عن أشخاص كثيرين يأتون إليهم ويطلبون المخلفات الثانوية. مثلًا، بقالات أو محلات خضار تُعطي فواكه وخضار غير جذابة، ورش نجارة تُعطي بقايا خشب لاستخدام منزلي، وجزارين يُعطون عظامًا للكلاب. هذا جانب آخر من جوانب الاقتصاد الدائري الذي يحدث داخل المجتمع".
من يرغب بالحصول على المنتجات الثانوية الخاصة بي؟
تقول أمدور "أحد الأسئلة التي طرحناها على أصحاب المصالح الذين يُسلّمون مخلفاتهم الثانوية كان: ‘كيف تعرفت على الشخص الذي يأخذها؟’ وغالبًا ما كان الجواب: ‘هو جاء إليّ وطلبه’" وتُضيف:" سألناهم أيضًا: ‘ما الذي تستفيدونه من عملية التسليم هذه؟’ وأغلبهم أجاب: ‘لا نستفيد شيئًا، هذا يعني أن الاستنتاج هو أنه إذا أردنا توسيع ودعم النشاط المحلي ضمن نموذج الاقتصاد الدائري، فعلينا أولًا أن نحدد المصالح التي يمكن أن تستفيد من هذه العملية عبر استخدام المنتجات الثانوية المعروضة، وأن نُعرّفهم بإمكانية استخدامها". كما تشير أمدور إلى نقطة إضافية منها أن "واحد من المعطيات البارزة في البحث هو أن حتى المصالح التي تعرف بوجود هذه الإمكانية – لا تعرف بالضرورة من يمكنها أن تتلقى منه أو تُعطيه"، "لقد ذكروا أن وجود منصة – على مواقع التواصل الاجتماعي أو موقع إلكتروني – يمكن أن يساعدهم كثيرًا. بحيث يتمكنون من خلالها من التحديث ومعرفة ما هي المواد المتوفرة، ومن أين يمكن أخذها. هناك أيضًا جانب آخر يمكنهم من خلاله التعاون فيما بينهم، وهو ما يمكن أن يظهر ضمن نظام معلوماتي: تجميع الموارد، مثلًا، أحد أصحاب المصالح الذين قابلناهم قال إنه اشترى جهاز ضغط كرتون لمصلحته من أجل تقليل حجم النفايات، وبالإضافة لاستخدامه داخل مصلحته، فإنه يُقدّم خدمات الضغط لمصالح أخرى مقابل أجر.
قبل نحو ست سنوات، أطلقَت وزارة الاقتصاد والصناعة بالتعاون مع وزارة حماية البيئة منصّة للاقتصاد الدائري، لكنها كانت موجّهة بشكل أساسي إلى المصانع الصناعية الكبيرة، وتم إغلاقها قبل نحو عامين. تقول أمدور أنه "من الجيد أنه كانت هناك منصة كهذه في الماضي، ونحن نوصي بأن تكون هناك منصة مماثلة في المستقبل لخدمة المصالح الصغيرة". وتُضيف "في هذا البحث، حاولنا أن نجمع البذور الأولى لنشاط الاقتصاد الدائري القائم في المجتمع العربي، ونبحث كيف يمكن توسيعه ودعمه ليحدث بشكل أكبر. لقد فوجئنا بحجم النشاط القائم فعلًا، ولكن لا تزال هناك الكثير من الإمكانيات. وطبعًا، هذا لا ينطبق فقط على المجتمع العربي – يمكن تطبيق هذه الممارسات في العديد من البلدات والمصالح التجارية في مختلف أنحاء البلاد، وهي قادرة على مساعدتنا في تقليص كميات النفايات المجمّعة، وتوفير مبالغ كبيرة للكثير من المصالح".
* أُعدّت هذه المقالة بواسطة "زاڤيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة
من هنا وهناك
-
‘الانسان بين مسرحيّة الحياة ومسؤوليّة الإصلاح‘- بقلم: معين أبو عبيد
-
‘لماذا قراراتنا المالية عاطفية أكثر مما هي عقلانية؟‘ - بقلم : دينا حسن نجم
-
مقال: الجوائز العربية… والثقافة التي تضيء أفق المستقبل - بقلم: أ.د. أسعد عبد الرحمن
-
‘ الطبقة الكادحة بين نجيب محفوظ وجون شتاينبك ‘ - بقلم : إبراهيم أبو عواد
-
وقفات على المفارق - الأفخاخ وتقاطع المصالح في الحصار على الباشان! بقلم : سعيد نفّاع
-
‘الدواء الشافي لمرض العنف الذي يصيب مجتمعنا العربي في إسرائيل‘ - بقلم : زهير دعيم
-
المحامي عماد زايد يكتب: انتفاضة داخلية ضد العنف.. قبل فوات الأوان
-
‘ذكرى مجزرة كفر قاسم... وحدة الذاكرة ووحدة الهدف‘ - بقلم : الاستاذ محمود قطيط عامر
-
فضلات الجار: الاقتصاد الدائري في المجتمع العربي
-
‘من حكم الانتداب إلى وصاية ترامب‘ - بقلم : أحمد سليمان العُمري





أرسل خبرا