يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي – ساحات خلفية
بعض الأشياء يتشارك فيها غالبية الناس، ولذلك من السهل الحكم عليها، فالناس عامة يعرفون مقياس الجمال ولكنهم يختلفون في بعض تعريفه، فالغالبية العظمى من البشر ترى خضرة الجبال وجمال الطبيعة والزهور كأجمل ما يكون،
يوسف أبو جعفر - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا
في حين يرون أن الصحراء جمالًا خاصًا، ولذلك ترى أن من يحبون الصحراء أقل بكثير ممن يهوون ربيع طرابزون في تركيا. الجميل أن هناك إتفاق من خلال هذا المبدأ على كثير من الأشياء فساحاتنا الأمامية أو واجهات المحلات التجارية في الغالب جميلة ومنسقة ونظيفة، المشكلة تكمن في الساحات الخلفية، هنا يتفاوت الناس، هنا تدرك أن فهم الساحة الخلفية يحدد نوع الانسان أو المصلحة التجارية، ولذلك غالبًا من يأكلون في المطاعم يؤمنون أن المطبخ أكثر ترتيبًا ونظافة من الساحة الأمامية.
ما يهمنا هنا هو الساحات الخلفية بالمعنى الحقيقي والمجازي معًا، فالمعنى الحقيقي يدفعنا للنظر في ساحة بيوتنا، كلما تشابهت الساحات في الترتيب والتنسيق فنحن في واقع صحي، ولكن عندما يختلف الأمر فهذا له دلالات كثيرة على مدى قدرتنا على ترتيب حياتنا وأسلوب الحياة، فمن هو أكثر ترتيبًا ربما تجد حياته مرتبة ومليئة بالنظام، وقضية النظافة بين الساحتين مهمة للغاية، تظهر الباطن والظاهر، ولا نتكلم عن حالات استثنائية، بل عن روتين قاهر.
المشكلة الكبرى إذا انتقلنا مجازًا إلى ساحاتنا الخلفية وبدأنا بتقليب الأمور، ماذا تحوي حقيقة ساحاتنا الخلفية أخلاقيًا، وهذه العلة بالذات أصعب الحالات وأكثرها إيلامًا للنفس، فهل نقبل بالصالح إذا كان عامًا ونرضاه فاسدًا في الساحة الخلفية؟ هل نقبل بذو الوجهين؟ هل نرضى أن تكون القيم في المقدمة للتجارة وترويج البضاعة؟ ما الذي يجري لنا! ولا تذهبوا بعيدًا في أفكاركم فنحن هنا نطرح قضايا قيمية بسيطة وليست لاصحاب الجُنح والإجرام والفساد، نتكلم ببساطة عن أقل القيم.
" ساحاتنا الخلفية "
لماذا أكون ملاكًا في الشارع شيطانًا في البيت؟ لماذا أحافظ على النظافة عندما أكون في بيت الجيران؟ أسأل عن المنفضة وفي بيتي أرمي أعقاب السجائر على الأرض، لماذا أنا أكثر الناس أدبًا في خارج الدائرة وعندما أعود إلى الساحة الخلفية يتعوذ مني البشر؟
من يعيش هذا الوقت؟ من يعرف تعداد الناس الذي يلقاهم وهم يمثلون هذه الحالة؟ ومن ومن، حتى لتظن للحظة أن كثير من الناس يعيش هذه الحالة كمجتمع، وهنا الموضوع ليس نفاقًا اجتماعيًا، بل واقع. ساحاتنا الخلفية هي الواقع مهما حاولنا تجميل الصورة الأمامية، هي مكنون نفوسنا أجبلت على الطيبة أم الكراهية! أتحترم عقول الأخرين أم تظنها أعلى وأكبر وطبع التكبر فيها؟ أوطنيون نحن أم وطنجيون؟ وهكذا دواليك.
ما يحدث في الغرف المظلمة بعيد عن أعين الناس هو الحقيقة، ما يهمس به الصديق ويقول لك " لا تجيب سيرة لأحد" هو الواقع، ورغم كل ذلك لا نستطيع معرفة الحقيقة ولا يمكننا الحكم إلا على الظاهر، ففلان شيخ، وفلان مصلي، وفلان وطني، وفلان متعلم، وفلان مثقف، وفلان دمث الخلق، وفلان نظيف اليد ، ومدير ناجح، وتطول القائمة لتشمل الجميع دون تمييز، استطيع إضافة عشرات الحالات أو المئات، للمؤدب الذي ظهر عنيفًا، والنظيف الذي كان سارقًا، والوطني الذي كان خائنًا، والمتعلم الذي يهوى الجهل، والمتعفف الذي يهوى المال والسلطان وهكذا سوى أني أفضل أن نفكر بدون توجيه.
" الحقيقة الحلوة والمرة "
مجتمعنا أصبح يعيش حالة أعراس دائمة، ففي العرس تلبس النساء الحلي وتضع كل المساحيق وتتزين بكل ما أوتيت من مال وجمال، وتلبس ما لم يلبس من قبل، والرجال يتعطرون ويمشون كطووايس منفوشة الريش حتى إذا عادوا إلى بيت وخلعوا كل الزينة فكأنما قول الشاعر" وحلمنا بعروس بحر فإذا بالمولودة قردة " . هناك ساحات خلفية يسكن فيها الحب، وأخرى يسكن فيها الحقد والكراهية، كل مساحيق التجميل لن تغير ما بداخل الإنسان، من يستطيع هو الشخص نفسه إذا قرر أن يخرج ما بداخله من أدران وشهوات ممنوعه .
وحتى نلتقي، ساحاتنا الخلفية هي حقيقتنا، ربما لا يطلع عليها أحد أبدًا لأننا نحرص على إخفائها عن الأعين ولكنها حقيقتنا المره أو الحلوة، فاختر لنفسك فغيرك ربما لن يعرفك ولكن تبقى أنت أنت.
من هنا وهناك
-
‘ لماذا لا نرى الأمن والأمان؟ ‘ بقلم: المحامي يوسف شعبان
-
‘قطرة ماء… سرّ الحياة ومعجزة الخلق‘ - بقلم: سليم السعدي
-
‘المسيحيون العرب في إسرائيل: قراءة هادئة في هوية تبحث عن شراكة عادلة‘ - بقلم : منير قبطي
-
‘الشخير الحاد وانقطاع التنفس الانسدادي‘ - بقلم : د. ناصر عزمي الخياط
-
‘بعض الناس مهما قلّ المحصول يبقى عطاؤهم وفيراً‘ - بقلم : المحامي شادي الصح
-
القيادة الحقيقية.. ثقة ووضوح ودالة متجانسة صاعدة، لا تعرف اللون الرمادي ولا العيش في ‘الظل‘
-
‘العنف… حين يختنق المجتمع بصمته ومسؤوليتنا أن نعيد للناس حقهم في الأمان‘ - بقلم: رانية مرجية
-
عمر عقول من الناصرة يكتب: الى اين انتم ماضون بنا؟
-
مقال: ميزانية اسرائيل 2026.. اسرائيل تنتقل من الليبرالية العلمانية الى الدكتاتورية التلمودية! - بقلم: د. سهيل دياب
-
مقال: عملية ‘الأحجار الخمسة‘: دلالات العدوان على طوباس كمقدمة لإعادة تشكيل الضفة الغربية - بقلم : د. عمر رحال





أرسل خبرا