مقال : الثنائية السياسية ضمانة للمصالحة والديمقراطية مفقودة عربيا
يقدس الشعب الامريكي النشيد الوطني نشيد النجوم المتلالئه ، وتمثل نظرة الشعب للنشيد الوطني نوع من القداسة والاحترام وسكون المشاعر الجياشة ، وهذا ما لمسته
د. حسين قصول - صورة شخصية
شخصيا اثناء عزف النشيد الوطني الامريكي في عدة مناسبات في العاصمة واشنطن دي سي و ولايات كاليفورنيا و جورجيا و كولورادو و ايوا و نيويورك اثناء حضوري لبعض النشاطات التي عزف فيها النشيد الوطني الامريكي فعندما يصل المنشد الى البييت الاخير من النشيد الوطني (علم النصر سوف يرفرف فوق بلاد الاحرار ارض الشجعان ) ينضم الجمهور اليه بالانشاد ويصفقون ويذرفون الدموع احيانا ابتهاجا واحترما وتقديسا لهذا النشيد.
كتب الملازم في الجيش الامريكي فرانسي سكوت كي هذا النشيد بعد معركة مع الجيش البريطاني هزم فيها الامريكيون في العام 1814م كان سكوت كي احد الهاربين فاختار ان يواسي نفسه بكتابة قصيدة وطنية فكتب هذا النشيد الذي تتجلى فيه اسمى قيم الحرية والانتماء للوطن ، وبالرغم من ذلك و دعوة سكوت كي الى الحرية فهو من ناحية اخرى كان له نظرة اخرى يتعامل بها مع السود ويدعو الى ترحيلهم من امريكا وعندما انشد بلاد الاحرار لم يقصد جميع الامريكيين بل البيض منهم فقط.
هذه الثنائية موجودة في الولايات المتحدة الامريكية، محبة الحرية وتقديسها من جانب والى جانبها نظرة ظلامية االى السود ، قيم ديمقراطية علمانية الى جانبها تزمت ديني مسيحي ، السخاء والعطاء اللامحدود والمبالغ فيه اتجاه الشعوب الاجنبية ، يقابله انغلاق داخلي اتجاه السود والمهاجرين، رغم ذلك فان هذه الثنائية في نهاية المطاف اقرت المصالحة والديمقراطية في البلاد بين كافة افراد الشعب الامريكي على اختلاف الوانهم وثقافاتهم واعراقهم واديانهم من خلال المواطنة الكاملة للجميع ، امريكا التي انقظت العالم مرتين بهزيمتها للنارزية والشيوعية هذا يحسب لها عالميا ، رغم الثنائية المتناقضة فيها الا ان هناك مؤسسات ضامنة للديمقراطية وللشراكة السياسية الحقيقية، المحكمة العليا و الكونغرس والبيت الابيض، اقرت انظمة وتشريعات للمساواة الكاملة والمصالحة الوطنية لكل من الامريكيين الاصليين (الهنود الحمر) والامريكين السود من اصول افريقية ، وهذا كلفها حرب اهلية بين الشمال والجنوب ولكن في النهاية تم اصدار اعلان تحرير العبيد من قبل الرئيس برهام لينكولن وتحقيق المساواة والاعتراف بحقوق الجميع وتحقيق المصالحة الوطنية.
الثنائية السياسية الضامنة للديمقراطية و للمصالحة الوطنية في الولايات المتحدة الامريكية تتجلى بوضوح في النظام السياسي الامريكي في فصل السلطات بين الحكومة والبرلمان هذه الثنائية الضامنة للديمقراطية الامريكية التي تجعلها في ديمومومة مستمرة ومتجددة ، ليس هذا فحسب بل ان هناك ثنائية سياسية داخل المؤسسة نفسها تتمثل بوجود حزبين يخضعان لقواعد اللعبة السياسية الانتخابية مهما كانت النتيجة لذلك الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري ، ثنائية ضامنة تجسدها ارادة الشعوب وحركة الجماهير والجماعات الضاغطة في الولايات المتحدة الامريكية ولا تخضع لحسابات اقليمية او دولية.
ثنائية سياسية و مصالحة وطنية يضمنها الدستور الامريكي و تضمنها تشريعات الكونغرس الامريكي بالشراكة السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي و تضمنها اوامر تنفيذية من الرؤساء الامريكيين ، ثنائية سياسية و مصالحة وطنية ضامنة تضمنها ثقافة الديمقراطية التي يؤمن بها المواطن الامريكي تقوم على قبول الاخر رغم كل اختلاف ، ثنائية سياسية ضامنة للديمقراطية ومصالحة وطنية تضمنها المواطنة الكاملة لكل مواطن امريكي رغم كل الاختلافات والتباينات الموجودة ، ثنائية سياسية ضامنة للديمقراطية و مصالحة وطنية تضمنها الصحافة الحرة وحرية التعبير وحرية الخطاب وحرية تشكيل الاحزاب والمشاركة بكل حرية في الحياة السياسية دون تدخلات او قيود.
اما عربيا فاننا نفتقد الى الثنائية السياسية والمصالحة الوطنية ونفتقد الى الديمقراطية اللتان لم تكونا موجودتان اصلا ، فلطالما تشكلت في العالم العربي الانظمة الراديكالية السلطوية بنظام الحزب الحاكم المتفرد بالسلطة ولم تسمح الانظمة العربية السلطوية لاي ثنائية سياسية او حياة ديمقراطية حقيقية ، بل حكمت بسياسة الفرد الواحد والرجل الواحد والحزب الواحد ، اما فيما يتعلق بالمؤسسات السياسية والانظمة القانونية والدستورية فان هذا يتجلى بالانظمة الصورية نعم يوجد برلمان ولكنه برلمان صوري ، نعم توجد انتخابات ولكنها انتخابات صورية ، نعن يوجد دستور ولكنه دستور صوري ، نعم توجد صحافة ولكنها صحافة من لون واحد لخدمة الانظمة العربية السلطوية ، نعم يوجد قضاء ولكنه قضاء مقيد وصوري.
واما بخصوص الثنائية السياسية او المعارضة السياسية عربيا و المصالحة الوطنية ، فيوجد معارضة ولكنها معارضة سلطوية على غرار النظام السلطوي ، صحيح ان النظام العربي هو نظام سلطوي ولكن المعارضة العربية هي معارضة سلطوية ايضا لا تختلف عن النظام في الياتها وممارساتها ، وتجلى ذلك في بعض التحولات في العالم العربي بعد استلام بعض المعارضات العربية للحكم فمارست نفس الاساليب والاليات التي استخدمها النظام السلطوي من قبل ولم يحصل المواطن العربي على حقوقه وحرياته الاساسية وبقيت المصالحة الوطنية العربية بعيدة المنال والتحقيق في غالبية الدول العربية.
ان ثقافة الشراكة السياسية و المصالحة الوطنية هي ثقافة مفقودة في العالم العربي ، ثقافة قبول الاخر هي ثقافة معدومة في العالم العربي ، ثقافة قبول الاختلاف هي ثقافة منبوذة في العالم العربي ، ان ثقافة شيطنة الاخر هي الثقافة السائدة في العالم العربي ، ان ثقافة القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية هي ثقافة بعيدة المنال في العالم العربي ، وبناء على ذلك ستبقى المجتعات العربية تئن تحت وطاة الانظمة السلطوية العقود طويلة ما لم يحدث تحولات وتغيرات بنيوية في الثقافة السائدة في المجتمعات العربية ، بحيث تسود ثقافة الاحترام وقبول الاخر و المصالحة الوطنية وثقافة الشراكة السياسية الحقيقية والقبول وبقواعد اللعبة الديمقراطية وسيادة القانون والدستور وبناء المؤسسات الديمقراطية الحقيقية والقبول بمبدا الثنائية السياسية في الحكم كضمانة حقيقية للعملية الديمقراطية في ظل دستور يحمي الجميع ويخضع له الحكام والمحكومين رغم الاختلافات السياسية والثقافية الاثنية والعرقيىة والدينية والانتماءات السياسية المختلفة.
من هنا وهناك
-
هدنة الشمال : هل ستكون لغزة ‘ نافذة النجاة ‘ ؟ بقلم : علاء كنعان
-
التّراث الفكريّ في رواية ‘حيوات سحيقة‘ للرّوائي الأردنيّ يحيى القيّسي - بقلم : صباح بشير
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي - ممالك وجمهوريات
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
أرسل خبرا