وسام عمري يكتب : الاهواء عندما تصبح أيديولوجيا !
الأيديولوجيا هي مجموعة من العقائد والآراء والأفكار الدينيّة، والسياسيّة، والفلسفيّة، والقانونيّة، والأخلاقيّة والجماليّة التي يُؤْمِن بها الانسان في تعاطيه الحياة،
وسام عمري - صورة شخصية
وحسبها يُقرّر : هذا حلال وذاك حرام، أو هذا خير وذاك شر، أو هذا صح وذاك خطأ، أو هذا أنفع وذاك أضر!!
حينها لا مشكلة في التعامل مع هذا الانسان حتى لو كانت ايديولوجيّته مختلفة تماما عنك ، لانك تتعامل مع انسان واضح تستطيع ان تتفق معه احيانا وتختلف اخرى، وحتى حين الاختلاف تستطيع ان تجد سُبلًا للنجاة معه في سفينة الحياة !
والسؤال المتبادر إلى ذهن كل مَن يرى ويسمع ويُعامل الناس في هذه الايام هو: هل يملك الناس ايديولوجيات معينة؟ هل يحتكمون الى عقائد معروفة ؟ أم اصبحت الاهواء تقود ولا تنقاد؟! كيف يمكن ان يحل محل الايديولوجيا اهواء (جمع هوى ) ؟ أي كيف يمكن (للاهواء) وهي لا ثبات ولا علم ولا حكمة فيها! وليس لها اطار معيّن واضح ! فكيف لرغبات ونشوات وشهوات آنية أن تصبح أيديولوجيا تحدد لهم اراءهم وتوجهاتهم التي من سماتها الاستجابة للحاضر ، ومواجهة الصعوبات وتحدي المخاطر، ووضع خطط للبناء والتطوّر والنهضة؟!
للاسف ان الاجواء العامة التي تحيط بنا من المادية ، وثقافة التفاهة بل صناعة التفاهة، وانعدام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغياب القدوة … جعلت منا مجتمعًا فَقَدَ ثقافة التخطيط تماماً، ووهب حياته للفوضى والسبهللة والاعتباطيَّة والعبثيَّة، فلا يوجد أهداف يُخطَّط لها، ولا رسالة حقيقيَّة يُدافع عنها ، مما ادى الى ازدياد أصحاب الأهواء كثيرًا حتى اصبحوا الاكثريّة بل قُل من القادة واصحاب القرار والمؤثّرين في المجتمع!
وهنا تكمُن صعوبة المشكلة لانهم حينها لا يكتفون بانحرافهم وفساد قلوبهم وسوء عملهم ، بل يواصلون مسيرة إضلال الناس وإفساد العقائد، ويصّرون على نشر الاهواء الهدّامة، بيدهم السلطة والمال والاعلام والشهرة…
وهذا يقوّض اساس المجتمع لانهم يمسكون زمام الامور ويرسمون مشهد المسرحية وايقاع الحياة…فنخشى على ابنائنا من الوقوع في شَرَكهم وخداعهم ويتمنى الواحد منا الفرار الى شَعَفِ الجبال لينجو بنفسه لان الباطل يزري الضعفاء إلى غوغائية الأهواء . . وبصراحة هذا من صنع ايدينا لاننا لم نحارب هذه الافة حين الولادة وقلنا كما قالوا خُبثًا :- حُريّة شخصيّة-!.
من الطبيعي اذا تربّى الانسان على الاهواء وتغيُّب العقل السويّ، وآثرَ الشهوات، وتمرّدَ على القيّم، وتعالى على الحق … سيضل ضلالا بعيدا ويكون تافهًا في قوافل التافهين ، والإنسان العاقل الواعي المتّزن السويّ وقالوا سُميّ العقل بالعقل لانه يعقل النفس عن الهوى اي يربطها ويمنعها اي هو الذي يقوم بتطبيع هواه ويُجاهد نفسَهُ على مدار الساعة بالاحتكام إلى ايديولوجيّتهِ التي تبناها بعد دارسة وتيّقن عندها فقط يولد أناس من اهل الحق وحُرّاسه الأُمناء ، وحُماته الشّرفاء.
عندما تحل الاهواء محل الايديولوجيا هذا يعني ظلم وظلمات ، لأن اتباع الهوى وتأليه الشهوات ، وعبادة المادة من شأنه أن يقلب المفاهيم الأساسيَّة كلها رأسًا على عَقِب فنضيع مع الضائعين في زمان الضياع، واصبح الهوى هو المسيطر وهو الحاكم المبجل في تصرفاتنا بدل قواعد المنطق وشرائع الدين والحكمة، يجعل الحياة مرعى ومشرب، ويقلب موازين العدل، يدفع الإنسان إلى شهادة الزور وكتمان الحق ونصرة الظلم والظالمين، يقتل الاخ اخاه، يعق الابن اباه ، تعصي الزوجة زوجها ، يخون المواطن امانته، ينأى بالحكام عن الحق والعدل ويقذف بهم في مهاوي الاستبداد والطغيان و يرتكبون أسوأ الجرائم ويكذبون الحق، ويغمزون الشرفاء، ويستهزئون بالمصلحين.
عزيزي القارئ لو نظرنا بعين البصيرة نجد ان أغلبنا كافراد او فئات او احزاب … نعيش على هامش الحياة بلا نيَّة حقيقيَّة لتحقيق رسالتنا واهدافنا، وبلا جهاد يبني نهضة ورِفعة ! لأنَّنا نعمل في مسار نوايا الآخرين، أي مجرَّد قطعة تتحرَّك لخدمة نوايا الآخرين ، عدد استهلاكي لا غير، وفي احسن الاحوال تكون تصرفاتنا وسلوكنا واعمالنا عبارة عن ردود افعال لما يفعل الفاعلون في الساحة الحياتيّة،!
الادهى والامر اننا بارعون في عرقلة وافشال الذين يحاولون احداث تغيير في المسار الحالي ، لانهم تهديد لوجودهم ومكانتهم فهم يترعرعون ويكبرون في الفساد ، ويقتاتون من التفاهة، ويستمتعون بالاهواء!.
رغمَ أنفِ هؤلاء، يبقى الأمل.. فلنحيَ بالأمل أن التغيير قادم من القلة القليلة الذين لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأتِيَ أَمْرُ اللهِ.
والله وَليّ التّوفيق - وسام عمري
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:[email protected].
من هنا وهناك
-
هدنة الشمال : هل ستكون لغزة ‘ نافذة النجاة ‘ ؟ بقلم : علاء كنعان
-
التّراث الفكريّ في رواية ‘حيوات سحيقة‘ للرّوائي الأردنيّ يحيى القيّسي - بقلم : صباح بشير
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي - ممالك وجمهوريات
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
أرسل خبرا