مقال | قلق من تفشي مرض جدري القرود
في الأسابيع الأخيرة، تم الكشف عن العديد من حالات الإصابة بمرض جدري القرود في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. بدايةً، تم اكتشاف المرض في المملكة المتحدة
الصورة للتوضيح فقط - (Photo Courtesy of the CDCGetty Images)
وفي الأيام الأخيرة تم رصده في كلٍّ من إسبانيا وكندا والولايات المتحدة والبرتغال والسويد. يثير انتشار المرض في عدة بلدان، القلق لدى هيئات الصحة العالميّة خوفًا من سيناريو يبدأ فيه الفيروس بالانتشار بين الناس حتى خارج مناطق انتشاره الطبيعية.
يسبب جدري القرود، وهو مرض فيروسي منتشر بشكل رئيسي في وسط وغرب إفريقيا، في ظهور بثور في جميع أنحاء الجسم. مسبب المرض هو فيروس تم اكتشافه لأول مرة في القرود، على الرغم من أنها ليست الحاضن الرئيسي له. بشكلٍ عام، عندما يتم اكتشاف المرض في الدول الغربية، يكون مصدره من أفريقيا. حتى أنه "مرّ لزيارة" البلاد في عام 2018 مع شخص عائد من نيجيريا.
حصل فيروس جدري القرود على اسمه عقب تفشي المرض عام 1958، حيث انتقل إلى البشر من قرود مخبرية في منشأة في كوبنهاغن. تم تحديد تفشٍ آخر في الولايات المتحدة عام 2003، وقد بدأت أيضًا في الحيوانات، حيث أصابت قوارض مختلفة مستوردة من إفريقيا، كلاب المروج. بيعت كلاب المروج وسناجب أرضية كبيرة التي تعيش في أمريكا الشمالية كحيوانات أليفة. بعد ذلك أُصيب أصحابها بالعدوى مباشرة، من خلال العض أو الخدش، أو نتيجة لمس البراز أثناء تنظيف القفص.
يصيب الفيروس الثدييات، بمن في ذلك البشر. ينتمي هذا الفيروس إلى عائلة Orthopox، والتي تشمل أيضًا مرض جدري البقر ومرض جدري الأسود. للفيروس متغيران معروفان، وسط أفريقي وغرب أفريقي، يسبب الأول عادة مرضًا أكثر صعوبة. الفيروس الذي تم تحديده في أوروبا هو من النوع الأقل عدوانية.
ينتقل الفيروس عن طريق ملامسة سوائل الجسم، وخاصة اللعاب، في قطرات كبيرة تنطلق للهواء. فهو يخترق فتحات الجسم، الأنسجة المخاطية والجروح - بما في ذلك الجروح الصغيرة في الجلد التي لا نعرف عن وجودها حتى. تذكرنا أعراض المرض بأعراض الجدري الأسود الذي اندثر في أواخر السبعينيات من القرن الماضي. لذلك تم تشخيص حالات جدري القرود في الماضي عن طريق الخطأ على أنها جدري أسود.
يهاجم الفيروس خلايا الجهاز المناعي وبعد فترة حضانة مدتها بضعة أيام تظهر البثور المميزة للمرض، يصحبها ارتفاع في درجة الحرارة، قشعريرة، صداع وأعراض التهابية أخرى. على الرغم من أوجه التشابه السلالي والآلياتي بين الأمراض، يعتبر جدري القرود الأقل فتكًا. على الرغم من وجود نتائج تشير إلى معدل وفيات كبير، والذي يمكن أنّ يصل إلى 10 في المائة من النوع الأكثر شراسةً في إفريقيا، لكن نظرًا لندرته، من الصعب تحديد مدى خطورته في البلدان المتقدمة طبيًا. من المرجح أنّ يكون أقل من ذلك بكثير، اضافة الى أنَّ الحديث هذه المرة يدور عن المتغيّر الثاني الأقل خطورة.
أظهرت الدراسات التي أجريت في نهاية القرن الماضي أنَّ لقاح الجدري الأسود كان فعالًا أيضًا ضد الفيروسات الأخرى من نفس العائلة، بما في ذلك جدري القرود. في الواقع، يعتمد اللقاح نفسه على فيروس آخر من نفس العائلة، والذي يسبب للإنسان مرضًا خفيفًا فقط. أُعتبر في الماضي أحد اللقاحات الروتينية التي تُعطى للأطفال في جميع أنحاء العالم. اليوم، لم يعد يُطى اللقاح لأنه لم يعد له حاجة - في البلاد، على سبيل المثال، إذ توقف استعماله منذ حوالي عشرين عامًا.
ومع ذلك، فإنَّ الحماية التي يوفرها اللقاح من العدوى تتلاشى في غضون بضع سنوات، وبالتالي فإنَّ السكان الذين تم تلقيحهم سابقًا وأولئك الذين ولدوا بعد انقراض الجدري غير محميين. في المملكة المتحدة، تم البدء بتلقيح الأشخاص الذين خالطوا مرضى جدري القرود، بهدف قطع سلسلة العدوى من بدايتها، وتخزين اللقاحات خوفًا من انتشار المرض.
هل هناك ما يدعو للقلق؟
حاليًا ما من داعٍ حقيقي للقلق. عدد المرضى الذين تم رصدهم حتى الآن منخفض للغاية - فقط بضع عشرات المرضى الذين تم التحقق منهم أو الأشخاص المشتبه في إصابتهم في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية. من المحتمل الآن، بمجرد بدء المراقبة النشطة للمرض، أن يتم اكتشاف المزيد من الحالات. وفقًا لإحدى الفرضيات، يرتبط توقيت الانتشار باستئناف حركة السياحة العالمية بعد إزالة قيود كورونا في معظم البلدان.
يعدُّ هذا المرض مُعديًا عند التواجد المتواصل والمباشر وجهًا لوجه مع المريض أو عند ملامسة البثور أو سوائل الجسم أو الأسطح الملوثة، مثل الملابس. أعراض المرض ملحوظة للغاية، وخاصة البثور التي تتميز بها، لذلك على عكس أمراض فيروسيّة أخرى مثل الكورونا يسهل التعرف على الشخص المصاب بالمرض وعزله. ومع ذلك، ينقل المرضى المرض مع بدء ظهور أعراض خفيفة ايضًا، حتى قبل ظهور البثور، ولدى بعض المرضى لا تظهر أيّ أعراض بتاتًا. قد تشير حقيقة اكتشاف المرضى في عدة دول في نفس الوقت، إلى سيناريو شديد التشاؤم، بأنَّ تغييرًا حدث في الفيروس وحسّن من قدرته على الانتقال من شخص لآخر، لذلك يدور قلق من انتقال العدوى بين البشر وبالتالي الى تفشٍّ خفيٍّ للمرض بين الناس.
يمكن أنّ تقلل المراقبة الدقيقة لانتشار المرض والقطع السريع لسلاسل العدوى، إلى جانب المحافظة على النظافة، من خطر انتشار المرض. إذا ظهرت الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أوسع، لا قدر الله، فهناك أيضًا لقاح فعال وآمن، حتى وإنّ لم يكن خاليًا من الآثار الجانبية، إذ حصل عليه مليارات الناس في الماضي وحقّق نجاحًا كبيرًا. عند الضرورة لنّ تكون هناك صعوبة في إنتاجه وتوزيعه في جميع نقاط التفشي.
حتى الآن فإنّ نسبةً كبيرةً من المرضى هم من الذكور الشباب، وبعضهم من الذكور الذين يمارسون علاقات مع ذكور آخرين. من الممكن أنّ يكون معدل الإصابة المرتفع نسبيًا بالمرض في هذه المجموعة المعينة مرتبطًا بنمط حياة بعض المرضى، حيث يمكن أنّ ينتقل الفيروس من شخص لآخر من خلال الاتصال الجنسي أو الحميمي، والذي يشمل التلامس الجلدي لفترات طويلة والتعرض للعاب. يجدر انتظار نتائج إضافية، لا سيما بالنظر إلى أنه فيروس معروف يأتي من عائلة فيروسات قتلت ملايين البشر عبر التاريخ، لكنه لم ينتشر بشكل كبير حتى الآن.
من هنا وهناك
-
هدنة الشمال : هل ستكون لغزة ‘ نافذة النجاة ‘ ؟ بقلم : علاء كنعان
-
التّراث الفكريّ في رواية ‘حيوات سحيقة‘ للرّوائي الأردنيّ يحيى القيّسي - بقلم : صباح بشير
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي - ممالك وجمهوريات
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
أرسل خبرا