مقال: ‘المنظمة ستبقى الهوية السياسية والمعنوية للكل الفلسطيني‘
أصابت الجهة ذات الاختصاص عندما سحبت مسودة مشروع القرار بقانون بشأن دعاوى الدولة الذي يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية دائرة من دوائر الدولة، وأعتقد جازماً
منيب رشيد المصري - صورة شخصية وصلتنا من الكاتب
أن هذا الأمر سقط سهواً، فليس من حق أحد مهما كان وأي كان أن يقزم المنظمة في إطار "دائرة" هنا أو هناك.
لقد عاصرت تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" قبل انطلاقتها بحوالي ثلاثة سنوات عندما تعرفت على الأخوين الشهيدين خليل الوزير وياسر عرفات في الجزائر، وأدرك تماماً ماذا تعني "المنظمة" بالنسبة لهما، وكيف كانا وباقي الأخوة يسعون إلى إيجاد إطار فلسطيني جامع يعيد الهوية المعنوية للكل الفلسطيني بعد نكبة العام 1948ـ فكانوا مؤسسي حركة فتح هم من ساهموا بشكل فعلي في إعطاء منظمة التحرير الفلسطينية عقب تأسيسها هذا الزخم الوطني وبخاصة بعد معركة الكرامة في آذار عام 1968.
منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وأنا عضو في مجلسها الوطني، وأيضا أصبحت وبعد تأسيس المجلس المركزي عضوا مستقلاً فيه، ولا أذكر أنني تغيبت عن إجتماع لهاتين الهيئتين إلا مرات قليلة تحصى على أصابع اليد الواحدة، وما أريد أن أقوله هنا أنني أعي تماماً ماذا تعني منظمة التحرير الفلسطينية بالنسبة للكل الفلسطيني فهي ليست الهوية السياسية والمعنوية للفلسطينيين بل أيضاَ الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا الأمر حققته المنظمة بدماء الشهداء والجرحى، ودفع الشعب الفلسطيني الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليه وعلى وحدانية تمثيل المنظمة له، وأن منظمة هي أكبر من أن تكون دائرة في أي من هياكل الدولة أو السلطة.
لا يمكن لأحد أن يشكك في أن بقاء منظمة التحرير الفلسطينية والحفاظ عليها هو أحد أهم أعمدة المشروع الوطني في العودة والتحرر والدولة، لذلك كانت المنظمة على الدوام مستهدفة من الحركة الصهيونية ومن يدعمها من الدول، وكم سعت دولة الاحتلال ومن ورائها الحركة الصهيونية في إلصاق صفة الإرهاب بها، لذلك نحن نقول أن نقيض الحركة الصهيونية هي منظمة التحرير الفلسطينية، التي طالما سعينا إلى دعمها داخلياً وخارجياً ليس فقط من أجل أن تبقى الهوية الجامعة للشعب الفلسطيني بل أيضاً لتستكمل مهمتها التي انطلقت من أجلها وهي العودة والتحرير والدولة.
من خلال معاصرتي لكل مراحل النضال الوطني الفلسطيني أستطيع القول بأن وجود منظمة التحرير الفلسطينية كان هو السبب الرئيس في بقاء القضية الفلسطينية حية على أجندات المجتمع الدولي، لذلك سعى القائد الشهيد ياسر عرفات إلى الحفاظ على المنظمة كائتلاف وطني جامع وعمل بكل السبل لكي تضم كل مكونات المجتمع الفلسطيني، لا بل وبعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية سعى بكل السبل لكي تبقى المنظمة هي الإطار الأكبر، لأنه كان يدرك تماماً بأن السلطة الفلسطينية هي مجرد أداة من أدوات التحرر، وكنت دائماً أسمع من أبو عمار بضرورة الحفاظ على المنظمة لأنها هي عمود المشروع الوطني الفلسطيني.
وهذا الأمر، يدفعني للقول بأن صديقي وأخي ورئيسي الشهيد الرمز ياسر عرفات كان حريصاً أن لا يكون هناك بدائل للمنظمة لأنه يعي تمامً أن هذا ألأمر يشتت الجهد الفلسطيني ويفتح الباب للتدخلات التي تضرب المشروع الوطني في مقتل، وأذكر أننا وعندما أسسنا مؤسسة التعاون، والتي اعتبرها أنا شخصياً ثاني أهم أنجاز وطني بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، أذكر أن أخي الشهيد ياسر عرفات توجس منها إلا أنه وبعد أن سمع منا شرحاً وافيا عنها، وزودناه بشكل دوري بتقارير عن عملها، اطمئن لها بعد أن علم بأن أحد أهم أهدافها هو دعم ما تقوم به منظمة التحرير الفلسطينية في الجانب المتعلق بالقضايا الحياتية العامة لمجمل الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات.
لا شك بأن تطورات الأحداث قادت، بشكل او بآخر إلى تآكل دور المنظمة لحساب دور السلطة الفلسطينية، وهنا لا بد من إعادة النظر في وظائف وصلاحيات السلطة الفلسطينية من أجل وقف ما يجري حالياً من خلط واضح وذوبان المنظمة في هياكل السلطة وهذا لا يخدم المشروع الوطني إطلاقاً.
المنظمة هي الإطار الجامع للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي بحاجة إلى دمقرطة حياتها الداخلية وتقوية مؤسساتها، وانضمام جميع الفصائل إليها، لأن إبقاء المنظمة على هذا الحال لا يخدم أحدا بل يساهم في تهميشها، فالمطلوب الآن هو الاتفاق على آـلية تعيد الاعتبار لها، والانتخابات هي أساس دمقرطة مؤسساتها، وهناك اتفاق العام 2005، وكذلك قرارات المجلس المركزي 2015 و2018، و2022، كفيلة بإعادة الاعتبار للمنظمة كهوية جامعة للشعب الفلسطيني.
كذلك هناك أهمية كبيرة لإعادة صياغة العلاقة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية من حيث إعادة تعريف وظائفها وتحديدها بكونها ذراع المنظمة لإدارة شؤون الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967، فاستمرار الوضع الحالي في طبيعة العلاقة التي تحكم المنظمة مع السلطة يؤشر إلى ذوبان المنظمة في هياكل السلطة، وهذا الأمر له تبعات سياسية سيئة جدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى المشروع الوطني بشكل عام.
وهناك حاجة إلى إعادة مفهوم الشراكة السياسية الكاملة وعدم الاستفراد بالقرارات، يبدأ من إصلاح وتطوير وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية أساسها الانتخابات، وإن البدء بدمقرطة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يشكل أساسا لإعادة الحياة بقوة إلى المجلس الوطني، والمجلس المركزي، والنقابات والاتحادات، وحتى الأحزاب التي فقدت دورها الفاعل في أوساط الشعب الفلسطيني، وتشجيع تأسيس تجمعات وحركات واحزاب جديدة وتمكينها وتسهيل دمجها في النظام السياسي وفي هياكل منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي هياكل تمثيلية تأخذ شرعيتها من صندوق الاقتراع، ووجودها ضرورة لحماية المجتمع وتحصين وتقوية وضعه الداخلي، لتمكين وتعزيز صموده وزيادة وتوسيع مشاركته في المقاومة بجميع أشكالها.
وإن إجراء الانتخابات العامة هي نقطة ارتكاز أساسية لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني داخلياً وخارجياً، وهي مخرج ديمقراطي لإعادة تجديد الشرعيات في جميع الهياكل التمثيلية لمؤسسات الشعب الفلسطيني وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو الهيئة التشريعية العليا لكل الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات وليس السلطة الفلسطينية وهياكلها، الذي يجب إعادة تعريف مهمتها الوظيفية، وحصرها في إدارة الشأن العام للفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967.
يتبع ذلك تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، يقوم بمقام البرلمان المؤقت لدولة فلسطين، ويفوض بمهام الرقابة على أداء الحكومة في الأرض المحتلة عام 1967، -والتي مرجعيتها المجلس الوطني الفلسطيني المنتخب و/أو الأمناء العامون أو من ينوب عنهم -، وفي هذا رسالة بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي صاحبة القرار، وبدأت بخطوات عملية في إطار تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، المتمثل بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية بما ينسجم مع اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين بموجب القرار ١٩/٧٦ لعام 2012. وهذا يعني عدم العودة للمفاوضات تحت سقف اتفاقية أوسلو التي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة الدولة وتبقيه رهينة لسياسية الأمر الواقع المتمثلة باستمرار الاحتلال وزيادة الاستيطان والضم الفعلي لكل الضفة الغربية.
نعيش الآن أصعب مرحلة في تاريخ القضية الفلسطينية، ونحن بأمس الحاجة ليس فقط لاتخاذ مواقف تاريخية وبذل جهود استثنائية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني والمضي قدما نحو التحرر والاستقلال، بل أيضاً الفعل على الأرض، وهذا يتطلب العمل الجاد والمتابعة المتواصلة حتى تحقيق الأهداف المنشودة بأسرع وقت ممكن وكل هذا يمكن تحقيقه لأننا ندافع عن أعدل قضية في العالم ضد أسوء وأطول احتلال شهده التاريخ، والذي جاء بأبشع مؤامرة بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية بتاريخ 2 نوفمبر 1917 كنتيجة لكراهية أوروبا لليهود مما تسبب بتهجير وقتل الشعب الفلسطيني وتفاقم معاناته على مدار 74 عاما في الوطن والمخيمات. واليوم وبعد 100 عاما شهدنا قانون القومية ويهودية الدولة ثم صفقة القرن وتبعها التطبيع العربي لسحب الملف الفلسطيني من القيادة والشعب الفلسطيني لإنهاء القضية الفلسطينية بكافة إبعادها وتحديدا حق العودة.
أعي تماماً أن حل الدولتين لم يعد ممكنا بسبب سياسات الاحتلال، لذلك فإن البديل هو العودة إلى جذور الصراع والعمل من أجل دولة ديمقراطية علمانية واحدة تتسع لجميع مواطنيها على أساس المساواة وعدم التمييز، على كامل التراب الفلسطيني
من هنا وهناك
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
-
مقال: بين أروقة المدارس ( المخفي أعظم ) - بقلم : د. محمود علي
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - ستشرق الشمس
-
المحامي زكي كمال يكتب : الحروب الآنيّة بين الاعتبارات العسكريّة وهوس الكرامة القوميّة
أرسل خبرا