مقال : شخصية البارانويا.. حين الاعتقاد أنك القطعة الأخيرة على الكوكب،،
مهووسون بالسلطة.. واحد من أجمل الكتب التي ممكن أن تستمتع بقراءتها للكاتبة والأخصائية النفسية الأمريكية موريال ميراك التي قامت بإجراء تحليل نفسي لزعماء
د. إياد إشتية - صورة شخصية
وقادة مصابون بجنون العظمة، ويعتقدون أنهم القطعة الأخيرة على كوكب الأرض.
لا يحتاج القراء الكرام لاقتناء الكتاب، بل يكفيهم النظر حولهم ليجدوا أن واحد على الأقل من الأشخاص المحيطون بهم "من غير القادة" يحملون هذه الصفات.
البارانويا.. جنون العظمة.. واحدة من الشخصيات الصعبة التي لديها القدرة على الإقناع حيث يبدو كلام الشخصية الاضطهادية (البارانويا) منطقياً؛ فصاحبها يمتلك اعتقاد جازم بفكرة تتمركز حول أوهام واقعية، هذه الأوهام تقنعه بأنه مضطهد من قبل الآخرين، وبأن السبب الرئيس لاضطهاد من قبلهم هو كونه شخصاً عظيماً ومهماً للغاية.
يتميز الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية البارانويا بجنون الاضطهاد أو الارتياب بشكل عام بوجود نمط طويل الأمد من عدم الثقة، والسيطرة، والشك في الآخرين، ويعتقد وبشكل دائم أن دوافع الآخرين مشبوهة أو حتى حاقدة. وأن الآخرين سوف يستغلونه أو يؤذونه أو يخدعونه، حتى لو لم يكن هناك دليل يدعم هذا التوقع. في حين أنه من الطبيعي أن يكون لدى الجميع درجة من الارتياب حول بعض المواقف في حياتهم، فإن الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية البارانويا يأخذون ذلك إلى حدود متطرفة ومبالغ فيها- فهو يتداخل فعلياً مع كل العلاقات المهنية والشخصية لديهم.
صعب عادةً التعامل مع الأفراد المصابين باضطراب هذه الشخصية، بحيث غالباً ما يواجهون مشاكل في علاقاتهم الشخصية مع الأشخاص المقربين، ويعبروا عن ارتيابهم وشكهم أو عدائهم المفرط في جدالهم وحججهم العلنية، أو في شكاوى متكررة، بأن الآخرين يسعون لإفشالهم، أو عن طريق تحفظ وانطواء عدائي صامت. لأنهم حذرين بشكل مفرط من التهديدات المحتملة، حتى لو كان الآخرين عكس ذلك، وقد يتصرفون بطريقة حذرة أو سرية وكتومة أو ملتوية ومخادعة، وعلى الرغم من أنهم قد يبدون موضوعيين وعقلانيين وغير عاطفيين، إلا أنهم غالباً ما يظهرون نطاقًا غير ثابت من العاطفة، مع سيطرة التعبيرات العدائية والمتعنتة والساخرة، وقد تثير طبيعتها العنيفة والشكاكة ردة فعل عدائية لدى الآخرين، والتي تعمل بعد ذلك على تأكيد توقعاتهم الأصلية.
أصحاب هذه الشخصية يفتقرون إلى الثقة في الآخرين، وهم بحاجة مفرطة دوماً إلى الاكتفاء الذاتي والشعور القوي بالاستقلالية. يعشقون السيطرة على الأشخاص من حولهم، ويسعون دوماً لإيجاد الفوضى الخلاقة وأن الحل فقط بأيديهم هم، وهم في الغالب جامدون ومتزمتون، ينتقدون الآخرين، وغير قادرين على التعاون، ويجدون صعوبة كبيرة في قبول الانتقاد، وأكثر من ذلك مقتنعون في دواخلهم أنو وجودهم فقط هو السبب الرئيس لأي نجاح، وأنهم يصنعون الفارق، ويخوضوا حروبهم بالآخرين، وليس بأنفسهم.
يتميز اضطراب الشخصية البارانويا بعدم الثقة والشك بالآخرين، بحيث يتم تفسير دوافعهم على أنها حاقدة أو خبيثة. يبدأ هذا عادة في مرحلة البلوغ المبكر، ويظهر في مجموعة متنوعة من السياقات، كما هو مبين من قبل أربعة (أو أكثر) مما يلي: يشكون، دون أساس كافٍ، أن الآخرين يستغلونهم أو يؤذونهم أو يخدعونهم، وينشغلون وينهمكون بشكوك غير مبررة حول ولاء أو وفاء وإخلاص الأصدقاء أو الشركاء والزملاء، ويحجمون عن الثقة بالآخرين بسبب الخوف غير المبرر من استخدام المعلومات بشكل خبيث وحاقد ضدهم، وصاحب هذه الشخصية يقرأ المعاني المهينة أو المهددة المخفية في كلام وتعليقات الآخرين أو الأحداث البريئة أو اللطيفة، ويحمل الضغائن باستمرار فهو لا يعفو أو يسامح عند تعرضه للإهانة، أو الأذية أو الاستخفاف أو الاحتقار، الا اذا حقق من وراء ذلك مكاسب خاصة أشعرته بالعظمة والأهمية، فهو يدرك ويعي الهجمات على شخصيته أو سمعته والتي تكون غير ظاهرة للآخرين، ويسارع إلى الرد بغضب أو يقوم بهجوم مضاد في الوقت الذي يراه مناسباً بما لا يمس مكانته وهالته المصطنعة من معتقداته الخاصة.
ولا يوجد سبب محدد لاضطراب هذه الشخصية على الرغم من وجود دليل يربطها بتاريخ العائلة، ويعتقد بعض الأخصائيين أيضاً أن الخصائص التي تنطوي عليها الشخصية البارانويا يمكن اكتسابها من خلال التعلم، فقد يكون للاشتراط جذور من خبرات الطفولة.
إن المؤيدين لهذه النظرية يذكرون بأن الطفل الذي يعيش في بيئة مليئة بالغضب أو القهر يكون أكثر ميلاً إلى إظهار اضطراب البارانويا وذلك لكي يتحكم بالتوتر الموجود لديه، إن هذا السلوك سوف يتحول ليصبح اضطراباً عندما تصبح الأفكار البارانويدية مرتبطة ومكملة لشخصيتهم عندما يكبرون.
واختلفت عدد من الدراسات المعمقة والمتخصصة حول تأثير البيئة أم الوراثة على تشكل هذه الشخصية، بحيث ربطت الدراسات التي أجريت على التوائم المتطابقة والتوائم غير المتطابقة العوامل الوراثية كعوامل مساهمة في البارانويا، وبالتالي، ووفقا لهذه الدراسات، قد يؤدي التكوين الجيني للفرد إلى اضطرابات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية البارانويا. وبصرف النظر عن ذلك، فإن التقديرات الخاصة بمستوى إسهام الوراثة في تطور اضطرابات الشخصية أثناء الطفولة مماثلة لتقديرات المساهمات الجينية في اضطرابات الشخصية أثناء مرحلة البلوغ.
وكاضطراب في الشخصية، يُعتقد أن البارانويا قد تنتج عن سوء التعامل مع المناطق المسؤولة عن تنظيم العواطف. ويتفاقم هذا عن طريق إضافة عوامل أخرى مثل الإساءة أو الانفصال أو الإهمال. وبطريقة مماثلة، يمكن أن تثار البارانويا بسبب مراحل النمو والتطورات الرئيسة خلال فترة المراهقة والبلوغ المبكر.
وعادة ما يتم تشخيص اضطرابات الشخصية من قبل أخصائيي الإرشاد والصحة النفسية المدربين، ولا توجد اختبارات مخبرية أو فحوص دم أو جينية يمكن أن تستخدم لتشخيص اضطراب الشخصية البارانويا، وكثير من الناس الذين يعانون من اضطراب هذه الشخصية لا يبحثون عن الإرشاد أو العلاج، فعادة ما لا يسعى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الشخصية إلى المساعدة حتى يبدأ الاضطراب بالتعارض أو التأثير على حياة الشخص بشكل كبير. يحدث هذا غالباً عندما تكون مصادر التكيف الخاصة بشخص ما ضعيفة جداً للتعامل مع الضغط النفسي أو التعامل مع أحداث الحياة الأخرى، ومن غير المرجح أن يطلب المصابين باضطرابات الشخصية البارانويا المساعدة بمفردهم، وذلك لأنهم شكاكين ولا يثقون بأحد.
مع بعض الأشخاص، قد يكون الهدف الأكثر قابلية للتحقيق هو مساعدتهم على تعلم كيفية تحليل مشاكلهم في التعامل مع الآخرين. هذا النهج يرقى إلى مستوى العلاج الداعم والمفضل في طرق الإرشاد والعلاج النفسية التي تحاول تحليل دوافع الشخص المضطرب، والمصادر المحتملة لسمات الاضطهاد أو الارتياب.
خلاصة القول.. بما أننا معرضين للتعامل مع هذه الشخصية، أو أن نكتشفها في أنفسنا، فمن المهم بمكان التعامل مع الأمر بطريقة صحيحة، وعلى رأسها اكتساب ثقة الشخص بكل الطرق، من خلال عدم القيام بتكذيبه أو مواجهة الأفكار التي يعتقدها بشكل صدامي، بل إظهار التقدير اللازم لأفكاره فهو ليس في حالة سواء، يستطيع أن ينزل عن عرشه إذا كسب ثقة حقيقية وشعر أنه غير مهدد، مع الحرص على تصحيح الأخطاء بعد اكتساب الثقة دون حدوث أي صدامات معه، حتى لا يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة، ويتأتى ذلك من خلال الاستماع الجيد، والتعامل مع ما يقوله بموضوعية، حيث أن المبالغة في التقدير والإنصات إليه يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل عدم الاهتمام به. كما أنه سينظر إلى هذا الحد الزائد من التقدير على أنه طبيعي وأن ما يقوم به هو عين الصواب.
لذا، فلنتعامل مع الناس جميعا بأسلوب يتسم بالموضوعية والمصداقية من خلال حوارات بناءة يميزها الحب والمودة، فجميعنا معرضين لأن نكون القطعة الأخيرة على الكوكب.
من هنا وهناك
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
-
مقال: بين أروقة المدارس ( المخفي أعظم ) - بقلم : د. محمود علي
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - ستشرق الشمس
-
المحامي زكي كمال يكتب : الحروب الآنيّة بين الاعتبارات العسكريّة وهوس الكرامة القوميّة
أرسل خبرا