قصة بعنوان ‘الحب أقوى من السلاح‘ - بقلم: الكاتبة أسماء الياس من البعنة
استوت هناء بجلستها نظرت من النافذة. كان المساء قد بدأ يفرد عباءته. ودجاجات أم تحسين قد خلدن بقنهن. وأبو تحسين أغلق باب الزريبة على الأغنام والماعز.

لم يكن هناك صوت سوى همس الريح الذي بدا لها بأن هذه الليلة سوف تكون عاصفة مع أمطار غزيرة، فقد حل فصل الشتاء والنهار بدأت تتقلص ساعاته. شعرت بالبرد يعتري أوصالها، نهضت من مكانها وتوجهت لغرفة نومها تناولت من على المشجب عباءتها التي أهداها إياها حبيبها ياسر قبل أن يسافر ببعثة دراسية إلى بلاد الغرب.
تذكرت هناء وعد ياسر لها بأنه حال إنهاء دراسته سوف يأتي ويطلب يدها من والديها. فهو يحبها وفي أكثر من مناسبة أكد لها بأنه لن يتخلى عنها، ولن تحلو بعينيه غيرها، حتى لو كانت ملكة جمال الكون.
مرت كل الذكريات أمامها مثل شريط سينمائي تذكرت كل الكلام الذي كان يقوله لها بأن مبدأه في الحياة هو أن ينشر السلام بين المجتمع الواحد، لهذا قرر أن يتعلم مُشرفاً اجتماعياً. السلاح الحقيقي هو الكلمة والفهم يا هناء، وليس الحديد والنار، هكذا همس لها وهو يضع العباءة على كتفيها.
مررت أصابعها على خيط الحرير المطرز بخط عريض: "لا للعنف". في تلك اللحظة، شعرت بأنها ليست مجرد عباءة، بل هي درع من القيم يحميها ويحمي علاقتهما من جنون الخارج. وفجأة، لم يعد الخارج هادئاً.
مزق صوت صراخ مكتوم هدوء الليل. لم يكن صوت الريح الذي توقعته، بل صوت ينبعث من الشارع الرئيسي، يليه صوت اصطدام قوي كأنما سقط شيء معدني ثقيل على الأرض، ثم ركض سريع ومرتبك.
انتفضت هناء، واعتصرت العباءة بين يديها. التوتر كان قاسياً وملموساً. هي تعلم تماماً ما تعنيه هذه الأصوات في قريتها التي تعيش على حافة الهاوية؛ إنها أصوات العودة القبيحة لـ "السلاح" الذي فر منه ياسر.
تحركت نحو النافذة ببطء، وشفتاها تتمتمان بغير وعي: "لا للعنف... لا للعنف..." وكأنها تردد تعويذة لحماية نفسها. رفعت يدها وأزاحت ستار النافذة قليلاً.
رأت المشهد بوضوح في ضوء عمود إنارة خافت يرتجف: شخصان يركضان بسرعة جنونية. أحدهما، بملامح بدت مألوفة حتى من هذا البعد، كان ياسر لقد عاد.
لكن الملاحقة كانت قريبة. الشخص الذي يطارده كان يرتدي زياً داكناً، والأخطر أنه كان يحمل بندقية.
رأت هناء ياسر يسقط أرضاً بعد تعثر، بينما يرفع المطارد سلاحه نحوه. لم يكن هناك وقت للتفكير. كان مبدأ "لا للعنف" الذي يرتكز عليه حبهما مهدداً بالرصاص على بُعد أمتار من منزلها.
رأت هناء ياسر يسقط أرضاً بعد تعثر، بينما يرفع المطارد سلاحه نحوه. لم يكن هناك وقت للتفكير. كان مبدأ "لا للعنف" الذي يرتكز عليه حبهما مهدداً بالرصاص على بُعد أمتار من منزلها.
اندفعت هناء خارج المنزل، قاطعة الفناء المبلل بخطوات مرتعشة، لكنها مسلحة بقوة الحب وحدها. كانت العباءة على كتفيها ترفرف في الهواء العاصف، وكأنها راية بيضاء تضيئها كلمات لا للعنف.
توقف لا للعنف! يكفي ألم تشبعوا من سفك الدماء؟ صرخت هناء بأعلى صوتها، ليس صوت فتاة خائفة، بل صوت احتجاج نبع من قلب موجوع.
تسمّر المطارد في مكانه، متفاجئاً بالصوت غير المتوقع. سلاحه الذي كان موجهاً نحو ياسر، الذي حاول الزحف خلف عامود الكهرباء، اهتزّ للحظة. تلك اللحظة القصيرة كانت كافية.
رفع ياسر رأسه، وشاهد هناء تقف بينه وبين فوهة البندقية، وكأنها درع بشري مصنوع من الإيمان. عيناه توسعتا رعباً عليها، وفخراً بها.
استدار المطارد بغضب نحو هناء. كان يبدو هائجاً، عينيه حمراوين من الغضب أو الخوف.
ابتعدي يا فتاة هذا ليس شأنك زمجر، لكن صوته كان مهزوزاً أمام جرأة هناء المفاجئة.
خطت هناء خطوة أخرى للأمام، غير آبهة بالسلاح. بل هذا شأني وشأن كل شخص يئس من رؤية الخير يدفن تحت الرصاص ألقت كلماتها في وجهه وكأنها قذائف حارقة. هذا الرجل يقاتل من أجل أن يعيش أمثالك بسلام، يقاتل بعلمه لا بسلاحه متى ستفهمون أن السلاح لا يجلب سوى الموت، وأن الحياة تنتصر بالبناء؟
بدأ الضوء الخافت على عمود الإنارة يرتعش أكثر، مسلطاً بقعة ضوء واضحة على كلمة لا للعنف المنقوشة على عباءتها. وكأن المبدأ نفسه يواجه السلاح.
تردد المطارد. لم يكن مستعداً لمواجهة صوت الحق والأمل، كان مستعداً فقط لقتال رجل آخر يحمل بندقية. انكسرت حدة الموقف. صوتها الصادق والمدوي اخترق حاجز العنف في نفسه لثوانٍ معدودة.
خطت هناء خطوة أخرى للأمام، غير آبهة بالسلاح. بل هذا شأني وشأن كل شخص يئس من رؤية الخير يدفن تحت الرصاص ألقت كلماتها في وجهه وكأنها قذائف حارقة. هذا الرجل يقاتل من أجل أن يعيش أمثالك بسلام، يقاتل بعلمه لا بسلاحه متى ستفهمون أن السلاح لا يجلب سوى الموت، وأن الحياة تنتصر بالبناء؟
كانت قوة تواجد هناء، وشجاعتها المطلقة في الدفاع عن حبيبها ومبدئهما، وتصميمها الذي لا يتزعزع على إيقاف الغدر بالكلمة، كافية لتهز المطارد. لم يكن مستعداً لمواجهة هذا النوع من المقاومة السلمية. نظرته الغاضبة اهتزت، وشعر بالهزيمة تقضم من عزيمته.
أدرك المطارد أنه أصبح محاصراً بـالأمل الذي تمثله هذه الفتاة بدلاً من الخوف الذي يتوقع. لو قتل ياسر الآن، لكان قتله تحت أنظار امرأة وقفت في وجهه بصدق لا مثيل له، ولفقد أي ذرة شرعية متبقية له.
زمجر بحنق، وهو يدرك أن الموقف قد ضاع منه. سحب سلاحه بسرعة، ورفعه نحو السماء الملبدة بالغيوم، وأطلق عدة رصاصات في الهواء، صوتها المروع كان إعلاناً عن غضبه وعجزه، وليس عن انتصاره. ثم، انسحب مسرعاً في الظلام، مختفياً بين الأزقة، هارباً من قوة مبدأ "لا للعنف" التي واجهته.
هرعت هناء نحو ياسر الذي كان يحاول النهوض بصعوبة. لم تكن تهتم بوقع جسده المتعب بقدر اهتمامها بـروحه المنتصرة.
ياسر هل أنت بخير؟ همست بخوف وهي تحتضنه بقوة.
رفع ياسر يده ولامس وجهها، ثم انتقلت يده إلى العباءة المرتعشة على كتفيها. ابتسامة إعياء، لكنها صادقة، ارتسمت على شفتيه.
أنتِ... أنتِ بخير يا حبيبتي، هذا هو الأهم، قال بصوت خافت، ثم أضاف وهو ينظر إلى العباءة: الآن فقط... أثبتنا أن الحب أقوى من السلاح. الكلمة انتصرت على الرصاص، بفضلك يا هناء.
احتضنا بعضهما البعض بقوة في تلك الليلة العاصفة، محاطين بصمت رهيب حل محل فوضى الرصاص. لقد عاد ياسر، وليس كضحية، بل كمنتصر، وعاد ليجد أن حبه لهناء كان بالفعل الدرع والسلاح الذي يحتاجه لنشر السلام في مجتمع يائس.
من هنا وهناك
-
حالة الطقس: ارتفاع طفيف على درجات الحرارة
-
حالة الطقس اليوم: درجات الحرارة تفوق المعدل الموسمي
-
‘ إرادَةُ الخَالِق ‘ - بقلم : كمال إبراهيم
-
حالة الطقس: أمطار متفرقة على بعض المناطق حتى ساعات الظهر
-
زجل ‘ الزيتون تاج الوطن‘ - بقلم: أسماء طنوس من المكر
-
اجواء خريفية ماطرة اليوم في مختلف المناطق
-
بابا الفاتيكان يخلع حذاءه خلال زيارته لمسجد السلطان أحمد في إسطنبول
-
حالة الطقس: فرصة مهيأة لسقوط أمطار متفرقة
-
متحف اللوفر في باريس يرفع أسعار التذاكر للزوار من خارج الاتحاد الأوروبي
-
بوتين يحاول العزف على آلة الكوموز خلال زيارته لقرغيزستان





أرسل خبرا