قصة ‘عادت الحياة بعد ان عز الشفاء‘ - بقلم: الكاتبة اسماء الياس من البعنة
بينما كنت بطريقي للعمل وفي رأسي الكثير من الأفكار. تارة أفكر بأمر الأولاد الذين بحاجة لعناية دائمة. فمنذ تعرض أب الأولاد زوجي لحادث عمل وأصبح غير قادرٍ على السيرِ،
أسماء الياس - صورة شخصية
أصبحت بالنسبة لهم الأم التي تعتني بهم والأب الذي يحل مشاكلهم.
زوجي هاني عمل على بناء وحدات سكنية للأزواج الشابة. سقط من علو بينما كان يقف على سقالة بناء غير آمنة، سقط عنها ومعه سقط عاملٌ آخر توفى في الحال، أما هاني فقد تعرض لإصابة خطرة نقل على إثرها للمستشفى هناك عملوا له اللازم لإنقاذ حياته. لكن بعد أن أفاق من الغيبوبة وزال عنه الخطر اتضح بأن إصابته بالعامود الفقري مما جعله يفقد القدرة على السير.
إذا أردت أن أتحدث عن زوجي هاني الإنسان المجد المثابر الرياضي المحب للحياة. سيكون عليَّ كتابة الكثير من الصفحات التي من خلالها سوف أشيد بهذا الرجل وبهذا الأب المثالي المحب لعائلته.
كثيرًا ما فكرت لماذا الأشخاص الجيدون هم الذين يتعرضون للخطر وتذهب حياتهم نتيجة أخطاء غيرهم. فأغلب الحوادث التي تحصل بورشات البناء، والذين تتعرض حياتهم للموت أو الإصابات الخطرة هم من الفئة الشابة. هؤلاء الشباب هم عماد المستقبل، هم الذين يبنون المجتمعات ويجعلوها أكثر ازدهارًا. لذلك يجب أن نحميهم بكل الوسائل المتاحة.
مراقبة الورشات من أشخاص متخصصين. لذلك يجب على الدولة أن توفر لكل ورشة مراقب يراقب كل الآلات وكيفية سير العمل حتى يكون على أكمل وجه.
تكلمت مع محامي مختص بحوادث العمل. استشرته بأمر زوجي، وإلى اليوم لم يتلقَ أي تعويض عن اصابته.
المحامي عايد طمئنني وقال لي سوف يدرس قضية زوجي ويعمل على أن ينال حقوقه الكاملة.
- لكن الأمر المحير إلى اليوم صاحب الورشة ما زال طليقًا حرًا كأنه لم يرتكب أي جريمة بحق العمال الذين يعملون في ورشته.
شاركت المحامي أفكاري بينما كان يبحث في الحاسوب عن الملف الذي يخص زوجي حتى يضع فيه بعض البيانات الذي أراد تسجيلها.
بعد أن رفع رأسه قال لي:
-مثل تلك القضايا لا تحل سريعًا، فالمحاكم تضج في مثل تلك القضايا. والقضاة يعملون ببطء حتى أنك تخالهم سلحفاة تسير على مهل. والمتضرر الوحيد بتأخر اصدار الأحكام هم العمال المساكين الذين ضاعت حياتهم من أجل لقمة العيش، منهم من مات ومنهم من أصيب اصابات صعبة جعلتهم لا يقوون على العمل. لأن تلك الإصابة جعلتهم مقعدين.
-لذلك قررنا نحن النساء الذين فقدن أزواجهن بحوادث مماثلة بالتظاهر أمام مكتب رئيس الوزراء. مطالبنا بسيطة. على الدولة أن تكون واعية لمثل تلك الحوادث، وتعاقب كل صاحب ورشة بناء أخل بشروط العمل. أن تتوفر للعامل أقصى متطلبات الأمان. أن تكون سلامته من أولويات صاحب الورشة. أن يتم فحص السقالة والتأكد بأنها صالحة وجاهزة ولا تمثل للعامل أي خطورة. ويكون رقابة على الورشات من أشخاص مختصين.
لا نريد بعد إهمال ولا موت ولا سقوط من على سقالة بناء. حياة كل عامل غالية. لا نريد أن يسجل اسمه بقائمة "شهداء لقمة العيش".
عدت إلى البيت بعد عمل يوم طويل بين مكتب الهندسة للبناء، وبين موعدي مع المحامي الذي أوكلته بقضية زوجي هاني. عدت محطمة من التعب. لكن هناك أمورًا كثيرة تنتظرني في البيت جلبت الأولاد من المدرسة، بعد ذلك حضرت الغذاء.
بعد حمام الأولاد وخلودهم للنوم يكون عليَّ غسل الأطباق والاعتناء بالزوج الذي جلس طوال اليوم في البيت دون شيء يعمله. بعد أن كان فعالاً الأربعة والعشرين ساعة.
كان يمارس الرياضة بشكل دائم ومنتظم، فهو الذي يقال عنه "الجسم السليم بالعقل السليم". كانت الرياضة بالنسبةِ له شيء مثل الأوكسجين للدم.
في ذلك اليوم الذي أصيب بحادث عمل. نهض باكرًا على غير عادته. سألته:
-"خير يا طير" إلى أين؟
- قال والابتسامة مرتسمة على وجهه: حلمت الليلة حلمًا غريبًا، حلمت بأني طير يقف بمكان عال وفي لحظة طار مرة واحدة وسقط من مكانة إلى حيث لم أعد أراه.
- يا ساتر يا رب ما هذا الحلم الغريب.
- لا تأخذي على بالك هي مجرد أضغاث أحلام.
- لكن إلى أين انت مستعجل؟ هل لديك موعدٌ مع أحد؟
- لا ليس لديَّ موعدٌ مع أحدٍ، لكن قررت اليوم الذهاب نحو شاطئ البحر والسير على الرمال، عندي شعور غريب لا أعلم ماهيته ولكني أشعر بانقباض في صدري. لذلك قررت الذهاب نحو الشاطئ، رائحة البحر والهواء المنعش يساعدا على طرد ذلك الشعور الذي يجتاحني.
ودعت نهاد زوجها بدعاء من قلبها بأن يحميه من كل شر ويعود لبيته وأولاده بالسلامة.
لكن ذلك اليوم لم يعد لبيته سالمًا مثلما تمنت نهاد فقد حمله الإسعاف للمستشفى بحال من الخطر. لم يكن هذا الشيء بالهين فقد وقع هذا الخبر على نهاد مثل وقوع الصاعقة. لكنها كانت قوية وتماسكت من أجل زوجها أولاً وثانيًا من اجل بيتها وأولادها.
بعد خروجه من المستشفى مر بدورات إعادة تأهيل جسدي ونفسي. وبعد أن تقبل الوضع بدأ بتحضير نفسيته بانه سيعيش بقية عمره مقعدًا.
لكن الشفاء ربما يأتي من مكان لم يخطر ببال. طبيب جاء من خارج البلاد بعد أن نشر ابنه عن وضع والده بإحدى مواقع الانترنيت. بعد الفحوصات اللازمة قرروا اجراء عملية وكان فيها الشفاء بعد التمارين وإعادة التأهيل عاد يسير على قدميه.
وضع كان ميؤوس منه لكن بفضل تطور الطب الذي أعاد له الحركة إلى رجليه.
شكرًا للطب وشكرًا لكل الأطباء الذين يعملون من أجل الإنسانية..
من هنا وهناك
-
‘شهيدة التخلف ‘ - بقلم : رانية فؤاد مرجية
-
‘أبو إسلام يحترف صنعة الدهان‘ - قصة قصيرة بقلم : محمد سليم انقر من الطيبة
-
الجيّد.. السيّء.. الأسوأ.. - بقلم : زياد شليوط من شفاعمرو
-
قراءة في ديوان ‘على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت‘: الجرأة والجمال - بقلم : د. أحمد رفيق عوض
-
زجل للزَّيتون - بقلم : أسماء طنوس من المكر
-
قراءة في الديوان الرابع عشر للشاعر سامر خير بعنوان ‘لا بُدّ للصّخر أن ينهَزِم‘
-
قصيدة ‘كُنتَ الفتى الأبيَّ المُهَاب‘ - بقلم : الدكتور حاتم جوعية من المغار
-
‘وذرفت العاصفة دمعة‘ - بقلم: رانية فؤاد مرجية
-
‘ الاستيقاظ مبكراً صحة ‘ - بقلم : د. غزال ابوريا
-
قصة كفاح - بقلم : رانية فؤاد مرجية
أرسل خبرا