‘ حكاية وطن ‘ قصة قصيرة بقلم الكاتبة اسماء الياس من البعنة
ستبقى آثار تلك البيوت شاهدة على أن هذه البيوت كانت عامرة بأهاليها. مهما حاولتم إخفاء الحقيقة، لكنكم لن تستطيعوا محوها من ذاكرة أجيال تتناقلها جيلاً بعد جيل. كل صخرة وكل حجر
الكاتبة أسماء الياس - صورة شخصية
سوف يصرخ ويقول لكم: كان هنا اطفالاً يلهون. وكبارًا يزرعون ويقطفون الزيتون ويحصدون القمح ويعملونَ تحتَ أشعةِ الشمسِ، ونساءً يغسلنَ ويملأنَ جرارِ الماءِ منَ النبعِ. كانت هنا حياة. وكان هنا بيوت يسكنها بشر. لكن أين رحلوا؟ وأين هم الآن؟
سؤال سألته إلى جدي:
- يا ابنتي يا إيمان تعالي اجلسِ بجانبي حتى أحدثك قصة القرى التي هجر أهلها.
بدأ يسرد لي
- لم تكوني بعد قد ولدت يوم دخل جيش الاحتلال إلى القرى العربية وبدأ بطرد الناس من بيوتهم. "يلا روحوا" عند "القاوقجي" أرادوا بتلك الفترة إفراغ البلاد من ساكنيها، لأنهم أرادوا أرض بلا شعب. مثلما أذاعوا بأنهم جاءوا إلى بلاد لا يسكنها أحد، أرادوا أن يمحوا شيء اسمه فلسطين، لكنهم فشلوا بذلك لأن تاريخ هذه البلاد عريق، وكل شيء فيها يشهد على أن هذه الأرض عربية فلسطينية حتى العظم.
-رغم أن يا جدي نسبة كبيرة من الفلسطينيين تركوا الوطن وهربوا لعدة دول عربية. فقد سمعت والدي يتحدث والحسرة تكاد تخنقه كأنه يعيش النكبة بكل تفاصيلها، في كل مرة كان يتحدث عن تلك الفترة الصعبة من تاريخ أمتنا.
-في ذلك الوقت يا جدي ايمان عمل الحزب الشيوعي على ارجاع البعض مما تركوا البلاد خوفًا من الموت، ونجحوا بذلك، عندما قالوا لهم إذا لم تعودوا اليوم لن تشتموا هواء هذا الوطن ولا الدوس على ترابه. وبهذا أنقذ الحزب الشيوعي الكثير من العائلات من العيش خارج الوطن وعادوا بفضلهم، وبذلك تم احصاؤهم واعطاؤهم الهوية الزرقاء.
البلاد يا جدي ايمان تعمر بأبنائها. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم ومعركتنا هي من أجل وجودنا، من أجل أن نبقى على هذه الأرض التي ولدنا عليها. الوطن غال وغلاته من غلاة الابن. لذلك نعمل على إبقاء اسم دولتنا فلسطين حي وبالعلن ومن دون خوف نقول نحن أبناء هذه الأرض. حتى يكبر الولد ويعلم ابنه وابنه يعلم ابنه وهلما جرا بأننا أبناء فلسطين.
فهذا الاحتلال جاء حتى يسرق سلامك يأخذ أرضك ويقتل ولدك، يجب التصدي له والوقوف بوجهه والعمل على دحره، لا أن نترك كل شيء ونسلمه البلاد "هدية ما من وراها جزية". هذا شيءٌ محزن لا يعقلهُ عقل. نحن أبناء هذه البلاد الأصليين لن يستطيع أي احتلال تغيير الحقيقة. لأنه لا يوجد أحد أحق منا في هذه البلاد. حتى لو غيروا أسماء المدن والقرى والشوارع. حتى لو أصبح وجودهم شيء مُسَلم به. لكن هذه الأرض لنا، والتاريخ يشهد على ذلك.
-حدثني يا جدي عن قرية سيرين وكيف هجر أهلها؟ لقد سمعت بأنها من أجمل القرى في فلسطين بما تتمتع من طبيعة خلابة وجو ساحر يجعلك غير قادرًا على هضم بأن ذلك المكان أصبح محرمًا على أصحابه الذين تخلوا عنه في وقت كان الوطن بأمس الحاجة لهم. لكن خوفهم وعدم ثقتهم بالحكومات العربية التي لم تعمل شيئًا سوى التنديد والشجب والقاء الخطابات الحماسية فقط لا غير. جعلهم يهربون غير عابئين بأنهم يفعلون الشيء الذي سوف يندمون عليه لاحقًا، إذا لم يراجعوا أنفسهم بلحظة ويعودوا قبل فوات الأوان.
بدأ جدي يسرد عليَّ قصة قرية "سيرين" قرية تقع على أجمل بقعة في فلسطين. مساحات شاسعة ممتدة عينك والنظر. مكسوة بالعشب الأخضر وأشجار الزيتون والنخيل، واعراش العنب التي لم يكن يخلو منها بيت. غير السكينة والهدوء الذي تشعر به في مثل هذا المكان. فكل شيء حولك يدعو للسلام والابتسام والفرح لأنك تعيش في قرية هواؤها عليل، وينابيع الماء فيها تتدفق كأنها شلال غزير. يعطيك شعورًا بالسلام النفسي، كما قال شاعرنا محمود درويش. "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
قرية سيرين يا جدي هي واحدة من مئات القرى التي هجرت وطرد أهلها. رغم وجودهم على هذه الأرض منذ آلاف السنين، ورغم أن هذه البلاد لنا. لكنها سرقت منا بغفلة من أصحابها، عندما كانوا يعتقدون بأن الجيوش العربية سوف تأتي حتى تنقذ ما يمكن إنقاذه. لكن الأرض لا يحررها إلا أبنائها. ونحن نعمل على الأقل على افشاء السلام على أرض عانت وما زالت تعاني من الحروب التي لن تنتهي إلا بالاعتراف بدولة فلسطين، وان الشعب الفلسطيني يحق له العيش بدولته مثل أي شعب بأي مكان في العالم.
بلادنا جميلة جدًا يا جدي يا ايمان فيها أربعة فصول في الربيع تكتسي الجبال والسهول ببساط أخضر يجعلك تقول "بلادي فيها غرد البلبل الشادي" شعور جميل ينتابك وأنت تنظر إلى كل هذا الجمال الخلاب الذي ينقصه فقط راحة البال والسلام والاستقرار.
لم يبقَ لنا سوى أن نكتب عن الوطن حتى يقرأه من لم يعد له وطن، حتى يعلم بأن حياة الإنسان من دون وطن يلجأ إليه، سيكون مثل اليتيم على مائدة اللئيم.
وهكذا تنتهي قصة وطن. وكل وطن نحن بألف خير...
من هنا وهناك
-
‘شهيدة التخلف ‘ - بقلم : رانية فؤاد مرجية
-
‘أبو إسلام يحترف صنعة الدهان‘ - قصة قصيرة بقلم : محمد سليم انقر من الطيبة
-
الجيّد.. السيّء.. الأسوأ.. - بقلم : زياد شليوط من شفاعمرو
-
قراءة في ديوان ‘على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت‘: الجرأة والجمال - بقلم : د. أحمد رفيق عوض
-
زجل للزَّيتون - بقلم : أسماء طنوس من المكر
-
قراءة في الديوان الرابع عشر للشاعر سامر خير بعنوان ‘لا بُدّ للصّخر أن ينهَزِم‘
-
قصيدة ‘كُنتَ الفتى الأبيَّ المُهَاب‘ - بقلم : الدكتور حاتم جوعية من المغار
-
‘وذرفت العاصفة دمعة‘ - بقلم: رانية فؤاد مرجية
-
‘ الاستيقاظ مبكراً صحة ‘ - بقلم : د. غزال ابوريا
-
قصة كفاح - بقلم : رانية فؤاد مرجية
أرسل خبرا