قصيدة درب المطر - للشاعرة د. ميساء الصح
لَا شَيْءَ كَانَ هُنَاكَ يبقى بَعْدَ بَيْعِ خَريطتي.... لَا لَا أَرَى إلّا الْفَرَاغَ وَبُقعَةً فِيهَا الدِّمَاءُ اسْتَسْلَمَتْ
الشاعرة د. ميساء الصح- صورة شخصية
لَا لَا أَرَى إلّا الظِّلاَلَ وَصُورَةً قَدْ عُلِّقَتْ مُذ هَاجَرُوا
هِيَ صُورَةٌ نَسِيَ الْجِدَارُ مَكَانَهَا
حاكورتي وَتَرَمَّلَتْ
رُمّانتي وَتَكَسّرَتْ
زَيْتونتَي جَدَلَتْ ضَفائرَ صَبْرِهَا وتمترسَتْ
وَأَنَا أَنَا وَالْفَقْرُ يَبْنِي غُرْبَةً بَيْنَ الْهُرُوبِ مِنَ الْمَصِيرِ إلى الْمَصيرِ
مِنَ الْيَبابِ إلَى الْخَرَابْ
وَأَنَا أَنَا أجْتَرُّ خَلْفَ رَمادِ أَعْوَادِ الثِّقابْ
وَبِقَهوتي أتَجَرَّعُ النِّسْيَانَ كأسًا علّني أَنْسَى بِهِ طَعْمَ الْعَذَابْ
أَرْنُو لِقَسْوَةِ شاشَةٍ وأعيبُها
قَتْلَى بِبَحْر فَائِضٍ
خَرَجُوا بِصَفْقَةِ موجةٍ
جَزْرٌ يُقَاوِمُ بَعْدَ مَدٍّ هَائِجٍ
كَبُرَ الْحِسَابْ
وأعيدُهُ ذَاتَ الشَّريطِ بِخَاطِرِي
غَابَ الضَّحَايَا
كُلُّ مَنْ مَرّوا هُنَاكَ عَلَى الشَّوَاطِئِ فِي الْغِيابْ
أَمْسَوْا تُرَابًا جاثِمًا تَحْتَ التُّرَابْ
وَأَنَا أَنَا بعزيمَتي وهزيمَتي
بِخَطِيئَتِي وجريمتي النكراءِ أُعْلِنُ خيبتي
بإرادتي أَمْسَيْتُ لَيْلَى قَد تَرَامَتْ بَيْنَ أَسْنَانِ الذِّئَابْ
وقطعتُ أَلْفَ مَحَطَّةٍ حَتَّى أَمُوتَ بِغُرْبَةٍ
لَا النَّعْشُ يَعْرِفُ جثّتي لَا الْقَبْرُ يَجْمَعُ في الثنايا جَدَّتِي كُلُّ الْأَغَانِي اسْتَنْكَرَتْ مِن نوتَتي وَأَنَا الْغَرِيبُ مِنَ الْقَرَارِ إلَى الْجَوَابْ
بِعْتُ الْعَرُوبَةَ خُفْيَةً هل تَشْتَرُونَ هُويّتي!
مَنْ يَشْتَرِي وَطَنًا بِغَيرِ مُقَابِلٍ
مَنْ يَشْتَرِي وَطَنًا بِقَلْبٍ حَائِرٍ
مَنْ يَشْتَرِي وَطَنًا بِصَدْرٍ ضَائِعٍ
هَل تَشْتَرِي؟
مَنْ يَشْتَرِي كُلَّ السَّرَابْ
بِعْتُ الرّوَابِي واقتنيتُ بِطاقَةً تَنْوِي السَّفَرْ
أَطْرَقْتُ وَجْهِي عازفًا وَجَعَ الْعَرُوبَةِ وَالضَّحَايَا وَالضَّجَرْ
سِيجَارَةٌ عَرَبِيَّةٌ وبدلتُها أفيونَ غَربٍ مُفْتَخَرْ
وَبَنَيْتُ قَصْرًا فِي الدُّخَانِ وهاجسًا
يَنْسَى الْهُمُومَ وَأَهْلَهَا
يَنْسَى الطُّيُورَ وشدوَها
يَنْسَى السُّهُولَ وقمحَها
وبدلتُها فِي غُرْبَةٍ
حَقَّقْتُ مَاذَا هَا هُنَا؟!
حَقَّقْتُ نَصْرًا قَاهِرًا
حَقَّقْتُ قَهْرًا مُسْتَقَرْ
لَا طَعْمَ يَعْرِفُه الزَّمَانُ بِغُرْبَةٍ لَا رَائِحَهْ
وَأخذْتُ أبْحَثُ فِي الثَّرَى عَن زَعْتَرٍ عَن نَعْنَعٍ عَن شَتْلَةٍ جَاءَتْ وَرَائِي نازِحَهْ
قُنْدولةٍ رَيْحَانَةٍ أَو أرزةٍ . . . وَإِلى انْتِهَاءِ اللاَّئِحَهْ
لمَّا أَجِدْ!
هِيَ زُهْرَةٌ وَالْأَصْلُ إفرَنْجيَّةٌ طَافَتْ طُيُورُ الْغَرْبِ فَوْقَ رُضابِها لَوْ مِتُّ فِي أحضانِها بَقِيَتْ تُغَرِّدُ صادِحَهْ...
لَا طَعْمَ لِلْأَيَّامِ لَا، لَا نَكْهَةً لِلْأَرْضِ مِنْ بَعْدِ الْمَطَرْ
لَا الطَّيْرُ طَيْرٌ فِي الرُّبى يَشْدُو وَلَا حَتَّى الْبَشَرْ
عِبءٌ ثَقِيلٌ فِي دَمِي
عِبءٌ يُسَرِّحُ لِلتَّنَاقُضِ فِي الصَّبَاحِ جَدِيلَةً
بَيْنَ الْإِبَانَةِ والسُّكاتْ
هِيَ قِسْمَةٌ مِنْ رَبِّنا
هَمُّ الْعُرُوبَةِ للمماتْ؟
صُبْحًا غَدَوْتُ لِمُهلِكي
وَتَرَكْتُ شَامًا تُغْتَصَبْ
وَتَرَكْتُ مِصْرَ وَأَهْلَهَا بَيْنَ الحرائِقِ وَاللّههَبْ
وَتَرَكْتُ تُونُسَ والجزائرَ وَالْجَمَالَ وَآيَةً فِيهَا الْعَجَبْ
وَتَرَكتُ فِي الْيَمَنِ التَّوَجُّعَ ظَافِرًا
وَتَرَكْتُ صَنْعَاءَ الَّتِي إنْ قاومتْ شَبَّتْ بِهَا نَارُ الْغَضَبْ
وَأَنَا هُنَا فِي غُرْبَتي
أَعْلَنْتُ وجهَ خسارتي
أَعْلَنْت عَجَزَ إرادتي
إنْ مِتُّ فِي هَذِي الْبِلَادِ فَلَن أُعَدَّ كَمَيِّتٍ
سَأمُرُّ مِنْ ثُقْبِ الوطنْ
إِنْ عِشْتُ فِي هَذِي الْبِلَادِ فَلَن أَعِيشَ كَسَيِّدٍ
هَل للحمامةِ غَيْرُ صَيَّادِ الْمِحَنْ
هَل لِلْمُهَاجِرِ غَيْرُ وَيْلاَتِ الزَّمَنْ
عُثْمَانُ إنِّي وَالْقَمِيصُ مُلَطَّخٌ هَلْ مَنْ يُطَالِبُ فِي دَمِي؟
كَانَت زنوبيا قَد أَتَتْنِي فِي اللَّيَالِي خيّرتْني بَاقَةً مِنَ باقتينِ
مِنَ الزُّهورْ
فَحَسِبتُ نَفْسي سَيِّدًا فِي مَحْفَلٍ فُقْتُ الْحُضُورْ
كُلُّ الَّذِينَ وَرَاءَ نَهْرٍ مِنْ عِرَاقَ وَقُرْطُبَهْ
مِن شركسٍ أَقْبَاطَ واليونانَ أيْضًا والخرائِطِ قَاطِبَهْ
كُلُّ الْمَمَالِيكِ الَّذِينَ تَجبَّرُوا وتَغَطْرَسُوا فِي قَبْضتي وَأَنَا الْعَناوينُ الَّتِي فِي بَدْئِهِم وَهُمِ السُّطُورْ
كُنْتُ اعْتَقَدْتُ بِأَنَّنِي السُّلْطَانُ فِي كُلِّ الْمَوَاطِنِ وَالْعُصورْ
وَأَخَذْتُ أَعْدُو خَلْفَ أَلْوَانٍ وَزَيفْ
كُنْتُ اشْتَهَيْتُ دَجَاجَةً بَعْدَ الْمَجَاعَةِ بَعْدَ أَنْ طَالَ النّزيفْ
واخترتُها هِي باقَةٌ مَصْنُوعَةٌ مِنْ غُرْبَةٍ أَوْ مِنْ نُحَاسٍ لونُهُ شِبْهُ الرّغيفْ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أنَّنِي سأزيدُ فِي عَدَدِ الْكُسُورْ
مَا كُنْتُ أَدْرِي أنَّنِي سأزيدُ فِي وَجَعِي أَنَا
وَظَنَنْتُهُ مِفْتَاحَ سَعْدِيْ قادمًا
وَرَمَيْتهُ مِفْتَاحَ بَيْتِي جانبًا
وَقَبِلْتُهُ بِسَذَاجَةِ الْعَرَبِيِّ خَيطَ مُؤَامَرَهْ
(كوشانُ ) جَدِّي بِعْتُهُ، هَا وَاشْتَرَيْتُ مُغامَرَهْ
كُنْتُ اعْتَقَدتُ بِأَنَّنِي إسْكَنْدَرٌ جنكيزُ خَانٍ بونبرتْ
وَغَلَبْتُهُ قَهْرَ الْعَرُوبَةِ وانتأيتْ
فَعَرَفْتُ أنِّي خَاسِرٌ غَلَّابُ نَفْسِي لَا سِوَى
أَدْرَكْتُ أنِّي ألتقي حَتْفِيْ وَفِي قَاعِ الزَّمَنْ
هَلْ مَرَّ عُمْرِي صُدَفَةً؟!
وَدَفَعْتُ أَضْعَافَ الثَّمَنْ
لخطيئةٍ لَم تُقترَفْ
لَا الرِّيحُ تَرْضَى أَنْ تُرافِقَ مِحنَتي أَبَدًا وَلَا حَتَّى السُّكُونْ
وَرَحَلْتُ حَيْثُ مَدِينَةٌ أُخْرَى
وَحَيْثُ رِوَايَةٌ أُخْرَى
وَحَيْثُ أَراهُ أَسْلَمَني الرَّحِيلُ إلَى الْجُنُونْ
قَدْ لَا أَرَانِي فِي المْرايا رُبَّمَا
هَلْ كُنْتُ وَهْمًا عَابِرًا دَرْبَ الْحَيَاةِ وخِلْسةً أَودَعْتُ أبناءً عَلَى طَرَفِ الطَّرِيقْ؟
أتَرَكتُ قصفًا لِلضَّحَايَا فِي بِلَادِي وَارْتَحَلْتُ لمُهلكي مِنْ أَيِّ نَوْعٍ قَدْ يَكُونْ؟!
أَمْ ضِعتُ مِثْلَ ضَيَاعِ أَعْوَادِ الثِّقابِ بعلبةٍ فَتمرَّدَ اللَّيْلُ الطَّوِيلُ نِهَايَةً أغْدَقْتُ فِي قَبَسِ الْمَضَيقْ...
وَوَقَعْتُ بَيْنَ جُمودِ سندانٍ وَضَرْبَةِ مِطرقهْ
وكغيمةٍ مَا بَيْنَ أَرْضٍ وَالسَّمَاءِ مُعَلَّقَهْ
أَسْلَمْتُ نَفْسِي للعواصفِ وَالْحَرِيقْ
يَا هَلْ تُرى خِفْتُ الْحُرُوبَ تَرَكتُهَا جئتُ الْهَلَاكْ؟!
وَأَتَيْتُ أَحْمِلُ كَبْوَةً وَتَرَكْتُ أَشْلائي هُنَاكْ
أُودَعْتُ أَلْحَانَ الشَّجَنْ
لحبيبةٍ وَتَرَكتُهَا تُصطادُ فِي وَكْرِ الْفِتَنْ
لِلطَّائِراتِ القاصفاتِ تُقِيمُ فِي جُثَثِ الصِّغَارِ مآتمًا
وَتُعِدُّ أطنانَ الْكَفَنْ
لِبَنادقٍ غرقانةٍ بِدِمَاءِ شَيْخِ قَبِيلَةٍ
لَزِمَ التَّوَسُّلَ كَي يُرَاعُوا حَالَهُ
لَزِمَ التَّوَسُّلَ فاندَفَنْ
كُلُّ الَّذِينَ ذَكَرْتُهُم أودَعتُهم وَتَرَكْتُهُم
كَي أبنِيَ الأمْجَادَ فِي الْغَرْبِ الْغَرِيبْ
لَقَدِ اكْتَفَيْتُ مِن النزيفِ مِنَ الْجِرَاحْ
أَهِيَ الْعَرُوبَةُ قَد تَخَلَّتْ عَن دَمِي وتبرّأتْ مِن قِصَّتِي
مِنْ لَيْلِ تِيهي للصّباحْ؟!
إنِّي تَعِبْتُ مِنَ الْكَلَامِ مِنَ الْبُكَاءِ مِنَ النُّواحْ
مَا عُدْتُ أَعْرِفُ كَيْفَ أَحْكُمُ خُطوتي
كَيْفَ الْهُرُوبُ مِنَ الرِّبَاطِ إلَى السَّرَاحْ
لَا الْغَرْبُ بَيْتِي لَا وَلَا الشَّرْقُ الَّذِي مَلؤُوهُ أطنانَ السِّلَاحْ
لَا الْغَرْبُ بَيْتِي لَا وَلَا الشَّرْقُ الَّذِي سَلَبوهُ شَمْسًا فِي الصَّبَاحْ
تمضينَ يَا دُنْيَا
تَضِيعُ فُرُوقُ إسْمٍ كُلُّها تهجو الْقِتَالَ بِخُطْوَةٍ نَحْوَ الْهَلَاكْ
يَا عُمْرُ لَن آتِيكَ ثَانِيَةً وَلَا أَلْفًا وَلَا
فَأَنَا الْمُسافِرُ فِي الزَّوَايَا لَا أَرَاكْ
لَا شَيْءَ كَانَ هُنَا تَبَقَّى مِنْهُ آثَارٌ هُنَاكْ...
من هنا وهناك
-
‘ ننتظر زخّاتك يا ربّ ‘ - بقلم : زهير دعيم
-
قصة : الحق المسلوب لا بد أن يعود
-
قصيدة زجلية بعنوان ‘ إحترام المعلم ‘ - بقلم : أسماء طنوس
-
قصيدة ‘ يا المرأةُ الضوءُ ‘ - بقلم : فراس حج محمد
-
‘ جيران القمر ‘ - بقلم : أ.د. إبراهيم صبيح
-
مشاركتي في لقاء لمنتدى المتقاعدين في البعينة - بقلم : احمد الصح
-
‘ بناء البشر أهم من بناء الحجر ‘ - بقلم : د. غزال ابو ريا
-
زجل : الحقد يقتل السلام ، بقلم: الشاعرة اسماء طنوس من المكر
-
‘ حادثٌ عرَضيّ مؤسف ‘ - بقلم : فراس حج محمد
-
قصيدة درب المطر - للشاعرة د. ميساء الصح
أرسل خبرا