مقال : ‘ الأوفر حظًا ‘ باللدغات !
لماذا يفضّل البعوض لدغ بعض البشر دون غيرهم؟ توصّلت دراسة جديدة إلى أنَّ الإجابة تكمن في تركيبة الأحماض الدهنيّة للجلد، وهو اكتشاف قد يمهّد الطريق
صورة للتوضيح فقط -تصوير iStock-frank600
لتطوير مُنتَجات حِماية أكثر فعاليّة.
ضجّة مزعجة في غرفة النوم. لقد استيقظتَ ووجدتَ أنَّ البعوض قد لدغك عدّة مرّات، بينما زوجك/ زوجتك بجوارك لم يُلدغا على الإطلاق. لماذا يفضّل البعوض لدغ أشخاص معيّنين؟
البعوض، أو بالأحرى أنثى البعوض، هي أكثر الحيوانات المُميتة للإنسان؛ لأنَّ الأمراض الّتي تنقلها، وعلى رأسها الملاريا، تقتل مئات الآلاف من البشر سنويًّا. يمتصّ البعوض دم البشر الّذي يستدلّ عليه بمساعدة مستشعرات تكتشف حرارة أجسامنا، ومستشعرات تميّز ثاني أُكسيد الكربون المنبعث من أنفاسنا ومستشعرات رائحة الجسد الّتي تستطيع التمييز بين رائحة جسم البشر والحيوانات الأخرى.
هناك أدلّة كثيرة على أنَّ البعوض يُفضّل لدغ بعض البشر دون الآخرين. أظهرت الدراسات أنَّ البعوض يفضّل البشر ذوي فصيلة دم معيّنة، الأشخاص الّذين يشربون الكحول، النساء الحوامل، وغيرهم. كشفت دراسة جديدة عن الموادّ الكيميائيّة الموجودة على سطح الجلد الّتي تجذب البعوض وتجعله يفضّل أشخاصًا معيّنين.
تمّ إجراء البحث، الّذي نُشِر على موقع bioRxiv الإلكترونيّ والّذي لم تتمّ مراجعته بعد، في مختبر ليسلي فوساهال (Vosshall) في جامعة روكفلر في نيويورك، والّذي يبحث في مجال القواعد البيولوجيّة لسلوك البعوض. قادت البحث الباحثة ما بعد الدكتوراة ماريا إيلينا دي أوبليديا (De Obladia).
بدايةً، جمعَت الموادّ الكيميائيّة المسؤولة عن رائحة الجسم من ثمانية متطوّعين، باستخدام جوارب من النايلون ألبسوها على أذرعهم. بعد ذلك، أُزيلت الجوارب النايلونيّة عن أجساد المتطوّعين وأُلبِسَت على أذرع بلاستيكيّة داخل منشأة خاصّة احتوت على بعوض من فصيلة الزاعجة المصريّة Aedes aegypti (انظر إلى الرسم التوضيحيّ). أجرت "دي أوبليديا" مئات المقارنات بين كلّ اثنين من المتطوّعين، وفي كلّ مقارنة من هذا القبيل، قاست عدد البعوض الّذي انجذب إلى كلّ عيّنة مقارنة بالآخرين.
وجدت الباحثات أنَّ البعوض فضّل بشكل تتابعيّ عيّنات من بعض المتطوّعين دون الآخرين. أُجريت تجارب المقارنة على مدى فترة تتراوح ما بين أشهر معدودة لغاية عام ونصف، وحافظ البعوض على تفضيلاته لبعض العيّنات طوال هذه الفترة الزمنيّة - وهو مُعطى يشير إلى أنَّ رائحة الجسم الّتي تُسبّب الانجذاب لا تتغيّر، على الأقلّ لعدّة أشهر. أنشأت الباحثات ترتيبًا لمستويات التفضيل، ووجدْنَ أنَّ العيّنة المفضّلة أكثر لدى البعوض حصلت على درجة أعلى بأربع مرّات من تلك الّتي تليها في الترتيب، وبأكثر من مائة مرّة من العيّنات المفضّلة أقلّ لدى البعوض. من المهمّ الإشارة إلى أنّ العيّنات المفضّلة أقلّ بكثير جذبت بعوضًا أكثر من الجوارب النايلونيّة الّتي لم تُلبَس.
إذًا ما هو المركّب السريّ؟
لمعرفة المادّة الّتي تجذب البعوض، قامت الباحثات بتحليل التركيب الكيميائيّ لجوارب النايلون الّتي لبسها الأشخاص المختلفون المشاركون في البحث. ووجدْنَ أنّه لدى المتطوّعَيْن الّذَيْن جذبا إليهما البعوض بأعلى قدر ممكن، تمّ العثور على تسعة أحماض كربوكسيليّة (أحماض دهنيّة) بمستوى أعلى بكثير من تلك الموجودة لدى باقي المتطوّعين الأقلّ جاذبيّة للبعوض. الأحماض الكربوكسيليّة هي سلاسل كربونيّة لها مجموعة حمضيّة في أطراف السلسلة. عُثِر على المزيد من الأحماض ذات السلاسل الطويلة نسبيًّا لدى الأشخاص الأكثر جذبًا للبعوض: عشر ذرّات كربون وأكثر.
لتأكيد النتائج؛ قامت الباحثات بتجنيد 56 شخصًا جديدًا وكرّرْنَ التجربة معهم، وذلك إضافة إلى المتطوّعين الثمانية الأصليّين. ثمّ تمّ إرسال بعض العيّنات لتحليل تركيبها الكيميائيّ. كشفت النتائج مرّة أخرى عن مستويات عالية لثلاثة من أصل الأحماض الكربوكسيليّة التسعة الّتي تمّ تحديدها في المرحلة السابقة من الدراسة. بالإضافة إلى ذلك، عند مقارنة مستويات الأحماض في العيّنات الّتي تمّ جمعها من الأشخاص الأصليّين في التجربة الأولى وفي هذه التجربة الّتي أُجريت بفارق عام واحد، تمّ الحصول على نتائج مماثلة. وبهذا تمّ التأكيد على أنّ هذه الميزة ثابتة طوال الوقت.
ختامًا، حاولت الباحثات اكتشاف الآليّة البيولوجيّة الّتي تدفع البعوض لهذا التفضيل. استخدمْنَ البعوض المعدّل جينيًّا، بحيث تمّ الإضرار بأحد الجينات الأربعة المهمّة لاستيعاب الرائحة لدى بعوضة واحدة من كلّ مجموعة. تسبّبت كلّ طفرة في انخفاض عامّ في جذب البعوض لعيّنات الرائحة، ولكن في جميع الحالات، ظلّ تفضيل العيّنات الغنيّة بالأحماض الكربوكسيليّة قائمًا. تفترض الباحثات بوجود فائض من أنظمة الرائحة، ممّا يعني أنَّ هناك عدّة أنظمة تعمل بالتوازي، وقد تكون هناك حاجة إلى أكثر من طفرة واحدة للتخلّص من قدرة التفضيل. أو أنّه قد تكون هناك آليّة أخرى تجعل البعوض يفضّل هذه العيّنات.
خلاصة الأمر، وجدت الباحثات أنَّ البعوض لديه تفضيل لبعض البشر، وأنَّ هذا التفضيل يعتمد على تركيبة الأحماض الدهنيّة الّتي تُفرَز على سطح الجلد. قد تكون الاختلافات في تركيبة الأحماض الدهنيّة الّتي تُفرَز في الجلد لدى أشخاص مختلفين ناتجة عن الاختلافات الجينيّة أو الاختلافات في تركيبة بكتيريا الجلد أو عن كليهما معًا. إذا فهمنا هذه الاختلافات بشكلٍ أفضل، وفهمنا الآليّة البيولوجيّة المسؤولة عن تفضيلات البعوض، فيمكننا تطوير موادّ أكثر فاعليّة لطرد البعوض.
من هنا وهناك
-
هدنة الشمال : هل ستكون لغزة ‘ نافذة النجاة ‘ ؟ بقلم : علاء كنعان
-
التّراث الفكريّ في رواية ‘حيوات سحيقة‘ للرّوائي الأردنيّ يحيى القيّسي - بقلم : صباح بشير
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي - ممالك وجمهوريات
-
علاء كنعان يكتب : حماس بعد السنوار - هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟
-
د. سهيل دياب من الناصرة يكتب : ما يجري في الدوحة ؟
-
قراء في كتاب ‘عرب الـ 48 والهويّة الممزّقة بين الشعار والممارسة‘ للكاتب المحامي سعيد نفاع
-
مركز التأقلم في الحولة: نظرة عن الحياة البرية في الشمال
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - نحن ولست أنا
-
المحامي زكي كمال يكتب : سيفعل المتزمّت دينيًّا وسياسيًّا أيّ شيء للحفاظ على عرشه!
-
د. جمال زحالقة يكتب : زيارة بلينكن لإسرائيل - بين العمليات العسكرية والانتخابات الأمريكية
أرسل خبرا