هل الخسارة تنافي كون الزكاة نماء للمال؟
السؤال: أنا أزكي مالي سنويا، وأتصدق -والحمد لله- من أول ما ابتدأ المال بلوغ النصاب. وأخسر حاليا في تجارة الأسهم خسائر كبيرة.
صورة للتوضيح فقط - تصوير: turk_stock_photographer - istock
علما أنني أضارب على أسهم غير ربوية وشركات، ليست بنوكا أو شركات تأمين.
هل ذهاب المال أو الخسارة الكبيرة له يتعارض مع فكرة أن الزكاة تنمي المال؟ وهل تنمية المال ليس لها علاقة بالضرورة بخسارته بالمشاريع أو مضاربة الأسهم، ونحوه.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزكاة نماء، وقد سميت نماء لواحد من ثلاثة أمور ذكرها الحافظ في الفتح فقال: وَالزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ: النَّمَاءُ. يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إِذَا نَمَا، وَتَرِدُ أَيْضًا فِي الْمَالِ. وَتَرِدُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ، وَشَرْعًا بِالِاعْتِبَارَيْنِ مَعًا. أَمَّا بِالْأَوَّلِ: فَلِأَنَّ إِخْرَاجَهَا سَبَبٌ لِلنَّمَاءِ فِي الْمَالِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَجْرَ بِسَبَبِهَا يَكْثُرُ. أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْأَمْوَالُ ذَاتُ النَّمَاءِ كَالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ. اهــ.
فلا يلزم أن يكون نماؤها حسيا بزيادة عين المال الذي أُخرِجَت منه، بل قد يكون في كثرة ثوابها إذا تقبلها الله تعالى، حتى تصير كالجبل العظيم، وإذا صارت كالجبل، فلا شك أن ذلك نماء، كما في الحديث المتفق عليه: مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ. واللفظ لمسلم.
وقد قال شُرَّاح الحديث في شرح حديث: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ. رواه أحمد والترمذي، قالوا: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا مِنْهُ، بَلْ يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ بِمَا يُجْبَرُ نَقْصُهُ الْحِسِّيُّ. اهــ من تحفة الأحوذي.
ومثله قول الله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. {سبأ:39}، فقد يكون الخلف في الآخرة.
قال القرطبي: أَيْ فَهُوَ يُخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ، يُقَالُ: أَخْلَفَ لَهُ وَأَخْلَفَ عَلَيْهِ، أَيْ يُعْطِيكُمْ خَلَفَهُ وَبَدَلَهُ، وَذَلِكَ الْبَدَلُ إِمَّا فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ ... وَقَدْ لَا يَكُونُ الْخَلَفُ فِي الدُّنْيَا، فَيَكُونُ كَالدُّعَاءِ؛ سَوَاءٌ فِي الْإِجَابَةِ، أَوِ التَّكْفِيرِ، أو الادخار. اهــ.
أي كما أن الله وعد بإجابة الدعاء، فقد لا تكون الإجابة بإعطاء السائل عين ما سأله، بل قد تكون بهذا، وقد تكون بادخار ثوابه، وقد تكون بتكفير السيئات، أو دفع شر عنه.
فاحرص أخي السائل على أداء ما فرضه الله عليك من الزكاة، ولا تلتفت إلى زيادة أو نقصان المال، فالدنيا فانية، والله لا يضيع أجر المحسنين.
والله أعلم.
من هنا وهناك
-
تأويل طلوع الشمس من مغربها بتعظيم الحضارة الغربية واتباعها
-
الصلاة في بنطال شفاف فوقه ثوب
-
حكم الطلاق المعلق حال الغضب الشديد
-
حكم قراءة القرآن جماعة قبل خطبة الجمعة
-
بيع المصوغات الذهبية بالآجل بين منع الجمهور، وإباحة بعض الحنابلة
-
هل الأولى بناء مسجد أم بناء بيت للأولاد ؟
-
حكم تصرف المخطوبة في شبكتها
-
مسؤولية الطبيب الشرعية إذا أغفل إجراء طبيا
-
التقلل من الدنيا أفضل من الاستكثار منها
-
ترك الصلاة في المسجد لعذر لا يسوغ تأخيرها عن وقتها
أرسل خبرا