أيّةُ نعمةٍ هذه | بقلم: نمر نمر
وانتظره الكبار والصّغار معًا، مِن الكْبير لَصْغير، لَلِمّقَمَّط في السّرير، طنطنتْ له وسائل الإعلام، كبّرتْ ومجّدتْ، هلّلتْ وسجدتْ، وازدادت الفرحة والبشائر حين أكّد مُحرّرو النشرات
صورة للتوضيح - iStock-Iryna Tolmachova
من شارون فِكْسْلر إلى مَتان يعقوب، وَجُنِّدت الآليّات والكاسحات والقوى البشريّة والطّواقم الأمنية، ناهيك عن التّحذير والتّسويف والتّسويق، كل مين غَنّىَ موالو، وْع َ ليلاه، وْسِهِرْ ع َ الجَنْب إلّلي بيرَيْحو، ناهيك عن القلق والأرق، يُبصبصون ليلا من النّوافذ الزّجاجيّة، لعلّه هبط على حين غُرّة، ويتسابقون على فتح الأبواب، ليتأكّدوا من وقوع الأمر، وليكون قَصَب السّبق من نصيبهم، والنّسمات الباردة تطرد الأجواء الحارّة المنبعثة من الدّواخين الحديثة، المواقد، الوجاقات، ويُصِرُّ البعض على تسميتها العِبريّة (أحْ)، وكأن الدّخّون لا يفي بالمقام، واسمه مطبوع على مظهره، الكانون، المِدْفأة الكهربائية، لا تقضي الحاجة، يقول الجدّ مؤكّدًا، ساعة من ساعاتو بْتِقضي حاجاتو، ويضيف: خَلَصْ سَكّرولنا الشّبابيك والأبواب، كَرَّزْنا، عمّالين نِرْجِف مِثِل قٌصْفة الغَرْف، مثل الصّوصان إلّلي مْضَوْعة إمّها، لا حياة لِمَن تنادي! سمعان مش سامع! ورفض الأوامر من قِبَل الصّغار أصبح مألوفًا هذه الليلة، حتّى لو تعانق عقربا السّاعة عند منتصف الليل، دَخيلكو يا سّتّي وسيدي! تْحمّلونا هالليلة، لا تّفوتوا علينا فرحتنا!
-وِلْكوا الصّباح رباح، ما طارت الدّنيا!
-يا سيدي وْسِتّي! روحوا ناموا انتو، وْخَلّونا عهوانا هاي الليلة، مِن شان الله!
واخْتَلَسَتِ الجدّة نظرة من خلال إزاحة السّتار، وإذا بها تغنّي بصوتها الرّخيم، رغم المرض والألم الَّلَذَيْن ألَمّا بها على حين غُرّة:
-آمِنْتِ بالله! نور جمالَكْ آية/ آية من الله/ آمنتِ بالله/ نور جمالِك نور عجيب/ يْذّكّي في القلب اللهيب/يِفْرِز الدّمع الصّبيب/ كُلْ مِن صادَه هواه/ نور جمالِك للسقيم/لو رآهْ يِصْبَح سليم/ لو في جنّات النّعيم/ ما طَلَبْ نِعمة سِواه/ نور جمالِك في الظّلام/بَدْر في يوم التّمام/ حُسْن قدِّكْ والقوام/ كُل أرواحْنا فِداه.
والأحفاد حركشوا وفركشوا في محموليهم، يتظاهرون بالصّمت والإصْغاء، على عينَك يا تاجر! والجدّة سارحة والرّب راعيها، كلٌّ على هواه وفيّالِه، دون تنسيق بينهم، وهذا الجيل وُلِدَ على الفِطرة مع هذه العجائب والغرائب، ليس بحاجة إلى تعليم وتلقين، عبرت إليه المهارة والحذاقة مع موروثات الآباء والأمّهات الشّباب، مع الرّضاعة من الأثداء والنّهود، عفوًا، استَغْفِرُ اللهَ العلي العظيم! مع القنينة، والتّقنيّات الحديثة والتّواصل وروافع البحث، في جوّالات كل مين إيدو إلو مع الضّيف المقيم العم جوجل أفندي، هُصْ ع َ السّكّيتْ، لا مين شاف ولا مين دِرِي، ويمارسون استكشافاتهم ع َ العتمة، حتى لو كان ظلام كوانين دامسًا حاسمًا.
يُوشوش تمير عالسُّكّيت: وجدتها وجدتها، بكبسة واحدة، تصدح فيروز: ثلج! ثلج! الدّني عَمّ تْشّتي ثلج!
-وتقول آية: يا جبل صنّين في العالي يا جبل...
-الصّغيرة أيلة، لم تبلغ السّنة بعد! إلاّ أنّها تعي ما يدور حولها من هرج ومرج، وبحركة تلقائيّة تختطف أحد الجوّالات ، وبخبط عشواْء، ورميةٍ من غير رامٍ ترفرف بيديها النّاعمتين، في جلسة قرفصائيّة مفتعلة، يصدح المحمول المخطوف: شو حلوين هالصّيصان، وهي تبتسم لهم كأنّها أحد أفراد هذا الكورس، أو قود الصيصان .
-وتأتي تالية وبفمها ومحمولها تُشَنِّف الآذانَ: ماما زمانها جايّة! جاية بعد شْوَيّة....
- وعقبتهم تِية مع جهازها الذّكي وكلمات متناثرة كتناثر حبيبات البَرَد وَنَدْف الثّلج والمزراب الذي يعجز عن تصريف المتراكم فوق الشّطح، وحشرجة وبحّة: شَتّي ، شَتّي يا دنيا وْزيدي، باب بيتنا حديدي...
-الجدّة سميحة المتماثلة للشّفاء، بعونه تعالى، تبتسم وتبتسم، جَبَل مِلح وْزاح عن ظهرها، نسيتْ أوجاعها والأوهام والهموم والسّموم، وعبطتهمم عبّوطات كبيرة مِلْءَ ذراعيها المفتوحين على مصراعيهما، ولكن بالزّوم الملعون!! عن بُعد! عن بُعد، خوفًا على صحّتهم، وتحسّبًا من كبْسَة مُنسّق الكورونا/ هذا الّلي بيسمّوه (بْرويكتور/ بروجكتور/ماكسفاكتور، وما بعرف معناه، وْمِن أيّ بلاد جابوه وْحَظّوه عَصدورنا مثل أبو رابوص، وْبِهَدّد: أقُعدوا تُقْعُد الرّبَضِيّة ع َ صدوركو! إلْزموأ البيوت والحجر، وأعذر مَن أنذر!
فرحة ما لها حدّ، كانوا في ظلام دامس وتلج ناعس متثاقل، ضاع الوقت صريعاَ بين نَدْفَة وأخرى ووجه وآخر بالمشاهدة والزّوم عن قُرْب وبُعد ومدٍّ وجَزْر.
-انتبهَ أحد الملائكة: أين جدّي! أين اختفى جدّي يا جدّتنا جميعًا!!!!
-لا تِهْملوا هَمّو! راح يْطعميهُن!
-يْطَعمي مين ؟
-يْطعمي الصّغار!
-مين الصّغار يا سِتّي! من شان الله مين! قولي! إحْنا الصّغار!
-حبايبكو المْفَضّلين ع َ قلوبكو!
-بِحياتِك لا تشغليلنا بالنا، خلّينا مْكَيْفين! نِسْرح وْنِمرح!
-رايحين تسرحوا وْتمرحوا وِتْفرفشوا أكثر وأكثر، لَسّا ما إجِت الفرحة الكبيرة، انتو والخير لَقُدّام يا حبايبنا يا غوالي!
--سّتّي بدها تِشْغِلّنا بالنا!
-ما إلها بالعادة أبدًا!
-يمكن هاي المرّة جاي عَبالها! شو بِعَرّفني!
مسكت الجدّة عكازها الرّباعي، رباعي الدّفْع، يعني (الهليخون)، المَشّاء، أوْمأت إلى أحدهم افتحولي الباب قوام، وبخطوات ثقيلة متباطئة مجبورة عليها، مع الحذر من الزّحاليق والتّزلّج الاضطراري، دون زلاّجة، تبعوها إلى ساحة الدّار والحديقة الفيحاء، وإذا بشبح أسود كَفزّاعة المقثاة أيّام زمان، مع كوفيّته المعقودة، المعهودة والتي أصبحت لَهُ ماركة تجاريّة مُميّزة، غير محدودة الضّمان، مَثَلُهُ كَمَثَل طيّب الذِّكْر أبي مجيد أحمد القضماني، ورفيقه أبي وديع المجدلاوي، وأبي وليد البَقْيْعاوي، وأبي خَضْر اليركاوي، والقائمة طويلة، حركات غريبة، ومشاهِدُ غير مألوفة وسط هذا الكون المُصغّر العامر، يُعَلِّقُ الجدّ بَذّارةً قماشيّة على صدره، وبيدَيْه الاثنتين يبذر بسخاء وسماحة وندىً، يمينًا ويسارًا حبّات المخلوطة: القمح، العدس، الجريش وفضلات أطعِمة أخرى، وبقايا سَلَطة، لسان حاله يقول تِيْعَة ،تيعة، لا تْقِزّي يا غريبة! ما غريب غير الشّيطان، مشهد غير مألوف من المُجنّحات والحيوانات الصّغيرة المُدجّنة: رَقاطٍ، يمام، جوخات، دَلَم، حمام، دويريّات، كراكس، عنادل، بلابل، شحارير، تُرفرف، تُغرّد، تقتات، نعمة الله، هبْطَتْ عليهن من سابع سما، من عند الكريم، والّلي عندو بيوصل، ما بَدْها كلام!، هدنة سماويّة بين القِطاط والكلاب والمجنّحات، وإذا سألتم أين الّدّجاجات وعرسانهم، البَطّ ّ والإوَزُ، والحبش؟ رُبّ قائل يقول بالعملة القديمة: مُشْترات العَبد ولا تربايتو! تتذكّر حكاية سليم خوري: قلوب بيضاء، كل الدّنيا بيضاء، حتّى السّماء حجَبَتْ زُرْقتها واستعاضت عنها بالنّصاعة الممزوجة مع أشعّة الشّمس، بعض أزهار الرّبيع بكّرت بقدومها، في عِزَ كوانين، في كوانين لا تسافر يا مسكين، إلّلي ما بْيزرع في الأجْرد عند الحليشة بْيحْرَد!، وقبل شباط اللبّاط، وما في ع َكلامو رْباط، شقائق النّعمان بأطيافها: الحمراء، البنفسجيّة،الزرقاء، الورديّة والبيضاء،تُطِلّ بخجل ووجل،مستأذنة الملاك الأبيض، لتفرش بساطها فوق بقعة بيضاء، وإلى جانبها نراجس صفراء خالص ـوأخرى بيضاء صفراء معًا، وعصا الرّاعي، عن جدّ وحقيقة، وليست الزّقوقيا/ الرّكفة!، ياسمينات بيضاء و شبيهاتها صفراء، مع الزّعتر الفارسي، مزج طبيعي، لوحة من لوحات فا ن جوخ، وسليمان منصور وناجي العلي، تمام وإسماعيل شمّوط، وكذلك القرينَن العككّاويَّين : آمال شمّا وجبر أبو حامد، بِساط سماويّ مُزركش، كأنه أرْسِل خصّيصًا من بلاد فارس، رغم الأطواق المفروضة علانية، بلا خجل أو وَجَل!،، تتحلّل ألوان الطّيف الشّمسي معا للّهيب ولطِّيب والبساط الّسّماوي وزميله الأرضي، وانعكاسات بلّوريّة مع النّافذة المُطِلّة على الشّمس، بصحبها بِرِفق وتأنٍّ لهيب نار المدفأة ممُستأذنا زجاجه التلفزيوني الفضفاض وتكتمل الصّورة الرّبانيّة مع اللمسات الأخيرة، ، ويتأبّطُ الجدُّ قرينتَهُ ، راجيًا ومتوسّلًا: إحفظي لنا هذه اللوحة في ذاكرتِكِ الخارقة، لنخلُوَ إليها بين الحين والأخر، حين نجوع أو نعطش!
وهو كذلك إن شاء الله، أكّدَتْ القرينة الجدة!
-قال أحد الأبناء: الآن حان دور معزوفة :دُقّوا المزاهر يالله يا أهل البيت تعالوا!
-وقالت إحدى الكريمات: ولتتلوها فيما بعد: آدي الرّبيع عاد من ثاني!
-وهتف أفراد الأوركسترا العائليّة: أيّةُ نِعمة مباركة هذه! عساها تدوم، والّلي تريد جَمالها يْدوم تْروح الحمّام كلّ يوم!
-من وين هالمَثَل يا أفندُم؟
-مِن تونس الخضرا!
-الجدّة سميحة: من شان الله! ما تْبَوّزوا فرحة الأحباب بالبساط الأبيض المُزركش!
-هتفوا جميعًا: تِسْلميلنا يا سِتّ الكُلّ في بُسْطِنا وَبَسْطِنا معكِ!
من هنا وهناك
-
شعر :‘ زمن الوهم ‘ - بقلم : الهام بطحيش
-
‘ الزيت والزيتون ‘ - بقلم: أسماء طنوس – المكر
-
قصيدة بعنوان ‘ حبيبتي دلال ‘ - بقلم : بلال سعيد حسونة
-
قصيدة ‘ إلى متى! ‘ - بقلم : عمر رزوق الشامي – أبوسنان
-
‘شاعر الكرنك.. ابتسامة حظ وسخرية هرمين‘ - بقلم : ناجي ظاهر
-
‘ رسائل إلى قمر ‘ - بقلم : هدى عثمان أبوغوش
-
‘ ستزهرُ الأيام حتمًا ‘ - بقلم : زهير دعيم
-
‘ ننتظر زخّاتك يا ربّ ‘ - بقلم : زهير دعيم
-
قصة : الحق المسلوب لا بد أن يعود
-
قصيدة زجلية بعنوان ‘ إحترام المعلم ‘ - بقلم : أسماء طنوس
أرسل خبرا