logo

‘الشيطانُ الّذي يتلبّسُ القصيدة‘ - رؤية نقدية حول مسرحية ‘أنا مِن هُناك‘ لعامر حليحل ، بقلم: سائدة بدران

22-09-2025 15:21:29 اخر تحديث: 26-09-2025 17:53:42

أنا من هُناك! أم من هنا أنا....؟!

shutterstock - PeopleImages

قديمًا وحين كانت العربُ -تُؤمنُ-، قالت بشيْطانِ الشِعرِ يسْكنُ هؤلاء "القائلون الهائمون شِعرًا وشوقًا"  

أوَ للشِعر شيطان يٌلقي على الشاعر قصيدتَهُ؟!

أجُنَّ المجنون من شيطان الشَعر أم من حُبِّها؟!

الثامن من العاشر عام......

الثامن من العاشر عام...... بعد السّابع بيوم وعيد ميلاد لسنوات تُعاد!

بدايات سنوات الألفيّة الثّانية! الحُب والعشق والهيام يحملون الأنسان الى أوَّلِ أُغنية وأوَّلِ كتاب وأَوَّل قصيدة وأَوَّل أَوَّل العشق أن تتجلّى ذاتُ المُحبِّ في المحبوبِ واولى سِمات هذا التجلّي

كما وَرَدَ على لسان "الشيطانُ الّذي يتلبس القصيدة" كانّ مُنتهى الهوى هو هوى المُحِبِّ لما يهوى المَحبوبُ!

ويأخذنا "أبو الشِعر" الى محطات تدرجيّة ما بين الانا الخاصة والانا الداخلية

وبين الانا الجماعية والانا العمومية ويروي ما يدور في ستائر نوافذه الداخلية والنفسية، يروي تفاصيل حديثه لذاته في كلِّ مرّة من مرات العشق الى ان يلتقي بذات أُخرى ل عشق اخر.

"انا من هناك" تُجسّد من خلال ابداع "عامر حليحل" الذي لم يعد خافيا على احد مقدار "هوسي" الشخصي بما يقوله في كل من مسرحياته التّي يُرصعّها ب "القاء شعريّ" يمكنني الجزم بانّه ان لم يكن الأفضل فهو ذلك الالقاء التذي يحوّل القصيدة من كلمة الى جسد يتنفس- يُحبُّ- يغضبُ- يكره- ينام- يجثو- يلهو و "يقاوم". 

منولوج "انا من هناك" يروي قصة شاب عربيّ يحيى في مجتمع "مُختلَط" إذا صحّ التعبير او جاز- عربيٌّ هو، عربيٌّ يخرج من حضن أُمِّه الصغير ليذهب للمرة الأولى ليعرف انّ "جامعة حيفا" ليست فقط "جامعة" – فيبدأ مشواره بالبحث عن "هويته" ويكون الحُبّ لذلك الشاب العشريني طريقه للمرور بمراحل مختلفة من تقشير قشور ذاته:

فنراه مرة يركض وراء شعر نزار قباني 

ومرة نراه يهوى سماع الأغاني العبرية لزوهر ومرة الاجنبيّة ولكنه لا يفهم لغة مايكل جاكسون

ويعود لقراءة الشعر وتضعه "الكوميديا السوداء" امام الاعمال الكاملة ل سميح القاسم، والّتي تنقله الى دور "المُثقف الوطني" والّذي سُرعان ما يُخبئ الديوان خوفا من "مُلاحقة الجهاز".

مرورا بمرحلة "لبس العلم الفلسطيني" في جامعة حيفا، حادثة يرويها حليحل ضمن اطار السُخرية من "الانا" التي قد تعلو وتقوم بفعل يوصله للتجرّد من هذه الانا في محاكم الطاعة لطلاب الجامعة وملاحقات الجهاز الأمني لهم. 

يستمر منولوج "أبو الشِعر " مرصعا بأبيات الشِعر متجانسة مع سياق تطور "الانا" وانسجامها مع بناء الانا الجماعية" وذلك حين يشتاق حليحل من المسرح في عاصمة الضباب – لندن الى صراعاته اليومية والدائمة ك "عربيّ" يحاول ان يجد ل "أناه" سبيلا فتختلط عليه السُبل. 

وها نحن في الذروّة لسؤال "الانا" : أنا من هنا! أنا من هناك

أنا قادر على أن احمي "بناتي" من السواد القادم!

وصار الشِّعر أيضا يأتي من هناك : 

- في بلادي تمطر الغيوم دمعا- اسف يا سرب الحمام بلادي تضيق هل تحملوننا معكم الى فوق (مصعب أبو توهة)

-حين تسألني عن خوفي احكي عن موت بائع القهوة.... وعن قطتي التي تركتها في المدينة الفارغة تموء الان في رأسي

- أحبك املك الشجاعة الكافية لاتسلق عمارة غير موجودة ثم اقفز لذراعيك لاعترف انني بخير.....

- هكذا يدفعنا الله للتجربة ينفجر الدم بالاسئلة وتفور القهوة التي ليست على النار ... على حرقة الاختيار (ناصر رباح)

- ذاكرتي ترصُّ اسماء الشهداء..... على صدري اهدهد الأمل بأظفاري أنبّش عن اسماء الناجين ليت رحمي يتسع لهم واخبئهم واعيد ولادتهم.... (فداء زياد)

في مونولوج "انا من هُناك" قام صاحبنا "أبو الشِعرِ" بنقل الكلمة من بُعد "القول" الى بُعد "الفاعلية" ، فتصير الكلمة أمرأة ناضجة تهدهد من يسمعها وتأخذه اليها... في رحلتها الخاصة العامة وفجأة، تصير الرحلة رحلته الفردية والخاصة التي يأخذنا بها عامر حليلحل الى رحلة كلّ واحد منّا . رحلة تشبهنا جميعا فندرك ان التجربة الانسانية على اختلاف تفاصيلها وأحداثها تُعاد وتُكرر فتتحوّل عبر خصوصيتها الى العموم.

وتمام لحظة الذروّة ينهي "صاحب القصّة" حديثه بالشِعر رفيقه طوال وقوفه على مسرحه قائلا ومستشهدا بشِعر اتى من هناك..... :

-اذا كان لا بد ان أموت فلا بد ان تعيش انت لتروي حكايتي... ليبصر طفل في مكان ما من غزة

فيبصر الطائرة الورقية..... فيظن للحظة ان هناك ملاكا يعيد الحب....

اذا كان لا بُدّ ان أموت فليأتي موتي بالأمل، فليصبح حكاية....