زياد شليوط - صورة شخصية
بعد لحظة كان إلى جانبها. أشارت إلى أكياس نايلون منفوخة على طاولة التفتيش. يبدو أن فيها حاجيات كثيرة، لكنها أردفت للتأكيد:
- كتب!
امتقع وجه المراقب، زميل المراقبة، واصفرّ بعد صفاء، وقد جحظت عيناه دهشة وهو ينظر نحو كميات الكتب الموجودة في الأكياس. شعر بحرج كبير وضيق لم يعرف تفسيرا له. أخذ يخرج الكتب من الأكياس، وكلّما أمسك كتابا تحسّسه وقلّبه بين يديه، وتمعن في شكله ولونه وبسط كفه، ورفع كل كتاب وكأنه يضعه على ميزان.. وفجأة نادى على زميل آخر يستدعيه على وجه السرعة، وكان ذاك الزميل يجلس وراء مكتبه في غرفة صغيرة، دلّت على أنه أرفع درجة من زميله الأول.
وقف المراقب الثاني فاغرا فاه أمام مشهد الكتب المتراكمة على الطاولة، وكأنه يرى قنبلة موقوتة، واستدرك سائلا:
- ما هذه؟
أجاب عارف ببرود:
- كتب!
فردّ المراقب بغضب دلّت عليه لهجته الحادة:
- أعرف أنها كتب.. أقصد من أين اقتنيتها؟ من أين جئت بها؟
أجابه عارف ببرود متواصل:
- من المكتبة، من العاصمة!
فتوجه إليه المراقب وهو يكاد ينفجر غضبا:
- أعرف من الزفت المكتبة، لكن أي مكتبة وأي عاصمة؟
- عاصمة بلادكم، من مكتبة العاصمة!
وكاد الغيظ يأكل المراقب وهو يصرخ:
- يا الله يا معين.. غير معقول.. كل هذه من مكتبة العاصمة؟ وأين تقع هذه المكتبة؟
- في شارع الملك.
- كمان في شارع الملك؟
تناول كتابا كبير الحجم وتوجه نحو عارف بسؤال لم يخطر بباله:
- أزرق.. لماذا لونه أزرق؟
حار عارف ماذا يجيب وبأي أسلوب يتكلم. وسارع للإجابة دون تفكير خشية أن توجه له تهمة لا أصل ولا فصل لها:
- إني أحب اللون الأزرق.. بسيطة!
- بسيطة بالنسبة لك.. بسيطة قال! علّق المراقب وأخذ يتصفح صفحات الكتاب وكأنه مثقف كبير. وهنا قام عارف بتناول كتاب آخر من كومة الكتب، وقال للمراقب:
- هذا كتاب قصص للأطفال!
وما أن نطق بهذه العبارة حتى ساقه المراقب الى غرفته، وهو يحمل عددا من الكتب بيديه. وبادره المراقب قائلا:
- أعرف أنها كتب. هل تظنني جاهلا؟
وهنا وجد عارف نفسه يقول بطلاقة وقد باتا لوحدهما:
- لا.. ولكنك لست مثقفا!
أجابه المراقب باستخفاف في محاولة لتهدئته:
- دعك من هذا.. لكن لماذا كل هذه الكمية من الكتب.. ألا يكفي واحد أو ثلاثة على الأكثر؟ ثم أين الملابس، أين الأحذية، أين العطور؟ العاصمة حافلة بالمتاجر والمجمعات ألم تر شيئا منها؟
- وما المشكلة مع الكتب؟
- يا أخي لا مشكلة.. لكن في المرة القادمة حاول أن تخفف منها أو الأفضل أن تدعك منها، فأمامك محال تجارية لا تعد ولا تحصى!!
قال له عارف وقد ملّ الحديث مع المراقب، وكي ينتهي من هذا الموقف السخيف الذي وجد نفسه فيه:
- وماذا مع هذه الكتب الآن؟
- يمكنك أن تأخذها ما عدا الكتاب الأزرق!