الكاتبة اسماء الياس - صورة شخصية
لمكان يشعر فيه الإنسان له قيمة.
لكن الأمل عندما يولد لا يعود للدمار ولا للموت صوت ولا مكان. صرخات المولودة جعلت من المكان مكانًا تنبض به الحياة.
توكأت على عكازي الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ مني بعد أن قصف بيتي وبهذا القصف استشهدت كل عائلتي لم يتبقَ من عائلتي أحدًا غيري. بترت قدمي ويدي أصابها عطب، لم أعد أستطيع استعمالها، فقد أجروا لي عملية لكن إمكانيات المستشفى بهذه الحرب ضئيلة. لا مخدر ولا شاش ولا أي شيء يستعمل للعمليات الجراحية.
قال لي الطبيب بأنه سوف يساعدني ويتحدث مع الصليب الأحمر حتى ينقلونني للمستشفيات التي وجدت حتى تقوم بمساعدة مصابي الحروب. وتلك المستشفيات موجودة خارج نطاق المكان الذي يتواجد فيه القصف.
ربما استطاعوا مساعدتي وتركيب رجل اصطناعية لي، وإعادة الحياة ليدي المشلولة جراء شظايا الصاروخ الذي سقط على بيتنا في تلك الليلة المشؤومة.
جاء اليوم الذي به نقلت خارج بلدي التي دمرت واحترقت جراء الصواريخ التي سقطت عليها.
كأنهم يحاربون جيشًا منظمًا. لكنهم عكس ذلك يقتلون مدنيين يحاربون البيوت ويدمروها ويقتلون كل شيء يتحرك حتى لو كانت قطة. أصبح التجول خطر، لا مكان آمن حتى المستشفيات والمدارس لم تسلم من بطشهم. نازحون جاءوا حتى يختبئوا بهذا المكان الذي اعتقدوه بأنه مكانًا آمنًا. لكنهم قصفوه بأحدث أسلحة الدمار. مات من مات ونجى من نجى. وكالات الأنباء صورت ووثقت الدمار والأشلاء المبعثرة هنا وهناك. ورجال الدفاع المدني الذين يعملون فوق طاقتهم حتى لا يتركوا مصابًا يحتاج لمساعدة وإنقاذ. نشرت أعمال التخريب والدمار الهائل الذي هزني أنا شخصيًا. عندما شاهدته. لكن لم أتخيل بأنه سوف يصل لبيتي المكان الذي قالوا عنه أكثر الأماكن أمنًا. لكن لا أمان بمكان يشهد حرب إبادة لمليوني إنسان. قطعوا عنهم الماء الكهرباء. قوافل المساعدات منعوها من الدخول جراء القصف الذي لا يهدأ.
والعالم كأنه لا يسمع ولا يرى أطفال تقطعت أجسادهم. ويوجد من فقد كل عائلته وبقي في العالم وحيدًا. دموع تحرق القلوب. أحداث متتالية كل يوم قصف وموت. لا أحد يسعى لوقف إطلاق النار.
مع الأسف الدول التي ناصرت قضيتنا هم قلة قليلة لا تؤثر في المشهد السياسي. الشعوب خرجت تظاهرت. وصرخوا بأعلى أصواتهم أوقفوا الحرب واوقفوا العدوان. الحرية لفلسطين. لكن تلك الأصوات خبت ولم يتغير شيئًا إلى الآن، نفس السيناريو ونفس اللقطات، ونفس المعاناة. القصف يتجدد كل يوم. وكل يوم مئات الشهداء يموتون. البيوت تسقط على ساكنيها. إلى متى لا أحد يعلم؟
أخذوني بسيارة الإسعاف سألني المضمد الذي يعمل بسيارة الإسعاف عن اسمي ورقم هويتي ومكان سكني. أجبته بأن اسمي نكبة ورقم هويتي 486773 مكان سكني حيث يسكن الموت.
تعجب من أجوبتي وقال لي:
-هل تتكلمين جد بأن اسمك نكبة؟
- قلت له نعم حتى لا ننسى بأننا جسم قد شوهته الحروب والمتخاذلين الذين تركونا نغرق في بئر الخيانة. نحن شعوب لا ننسى من وقف معنا ومن تخلى عنا. لذلك سيبقى اسمي يدل على أننا من الشعوب التي لا تهزم، مهما جاء احتلال وذهب وجاء غيره سيبقى اسم فلسطين عالٍ يطال السحب.
بعد مرور سنة على انتهاء الحرب خرجت نكبة باسم جديد انتصار على الموت عولجت عند أكبر الاختصاصيين بالعظم وركب لها رجلاً اصطناعية. أما يدها فعادت لها الحياة.
أقول لكم يا رجال السياسة كفوا عن قتل الأبرياء. وبدل أن تصنعوا أحدث الأسلحة اصنعوا السلام وانشروه حتى يعم على عالمنا المسكين..