قالت زهاد وهي تتجه نحو النافذة المطلة على الحارة الشرقية.
الحركة تدل بأنه هناك أمرًا غريبًا يحدث. والذي شد انتباهي تلك الأصوات الصادرة من إحدى البيوت المجاورة لبيتنا. وحتى اتأكد من صحة تخميني. ناديت على أحد الأطفال الذين يلهون بالحارة. سألته:
-ماذا يحدث؟ وما هذه الأصوات والحركة الغريبة التي تحدث هنا وكأني لست أعيش في هذا الحي؟
قال لي:
اليوم زفاف وليد ابن السيد عاصم جمال.
كانت بالفعل الأصوات والحركة تنم عن فرح في الحي. فكانت نساء الحي منشغلات بتحضر كل ما يلزم للفرح. إحدى الجارات سمعتها تنادي على ابنها وائل.
-تعال يما تعال خذ "هالخبزات" لجارتنا ام وليد
اليوم عرس ابنها لقد وعدتها أن أخبز لها كل ما تحتاجه من أرغفة خبز ومعجنات باللحم والجبنة والزيتون. هذا واجب الجيرة يما.
فما كان من ابنها وائل إلا أن لبى النداء وجاء، حمل الصينية الممتلئة بكل المعجنات والأرغفة الصاج والخبز العربي. حملها بين يديه وتوجه نحو الباب. نادت عليه والدته مرة أخرى وقالت له:
-سلم على ام الوليد واسألها إذا كانت تحتاج أي شيء خبرها بأني على أتم الاستعداد للمجيء لمساعدتها.
أما أم سعيد وهي الجارة التي تسكن مقابل ام الوليد. تعتبر وليد مثل ابنها. فهو من جيل ابنها سعيد فقد تخرجا من نفس الجامعة ودرسا نفس الموضوع "الصيدلة". لذلك تشعر ام سعيد بأن من واجبها وواجب الجيرة عليها أن تكون معها تساعدها تقف معها بفرحة ابنها.
فكرت كثيرًا وأنا اتأمل هذا الحب الطافح بالمودة بين أهل البلدة الواحدة، وخاصةً وأنا أرى بأن وليد أصبح زفافه حديث الساعة، وأشغل كل العائلات والجيران. منهم من قدم مساعدة عينية، ومنهم من قدم مساعدة معنوية. في هذا الجو المليء بالمحبة شعرت بالحب الطافح يملأ الوجود ويجعل الحياة أجمل.
شاهدت النخوة العربية الأصيلة التي كان جدي يحدثنا عنها. عندما كان يروي لنا قصص الأبطال الذين حاربوا الاستعمار. وطردوهم شر طرده، عندما دافعوا عن الأرض والعرض. عندما كان العربي يتباهى بكرمه واغاثة الملهوف.
اليوم أرى هذا الشيء على أرض الواقع. هذا الشيء جعلني أعود بذاكرتي للماضي. قلت بيني وبين نفسي يا ليت لو كل العائلات يتمثلن بهذه الأخلاق وهذه المحبة الظاهرة بالتصرف الذي ينم بأن الخير موجود طالما توجد قلوب تدعو للحب والتآخي.
ومن صميم هذا الواقع الذي أشاهده عن قرب، قررت أن أكتب قصة أوضح من خلالها بأن المحبة والتعاون رصيد لا ينتهي.
لذلك من الأفضل أن نتعاون من أجل زرع بذور الخير.
كثيرًا ما استوقفتني الأحداث المؤسفة التي تحدث في البلدات القريبة منا، وكثيرًا ما كنت أسمع عن حوادث إطلاق نار يروح ضحيتها شباب في مقتبل العمر. كنت اسأل نفسي لماذا يوجد بعض البشر في قلوبهم كره، أما كان من الأفضل أن يحل مكان الكره الحب، وذلك أفضل؟
عندما يغيب الحب من القلوب يحل مكانه البغض.
عدت لمراقبة ما يحدث من جديد. سمعت الجارة أم نبيل تقول لابنتها بأنها سوف تذهب عند أم الوليد حتى تقدم لها يد المساعدة.
فقد كان وليد شابًا محبوبًا لدى كل من عرفه، كيف لا وقد تربى على المحبة ومساعدة الغير.
وهو الذي رباه والديه على المحبة ومساعدة كل محتاج.
أما الجارة التي تسكن في العمارة المقابلة لبيت ام وليد كانت تحضر نفسها لزفاف ابن اختها غالب. وهو الابن الوحيد لأبويه. فقد كان عمره ستة أشهر عندما اكتشفوا الأطباء بعد الفحوصات والأشعة بأن والدته مصابة بمرض عضال، لذلك وخوفًا من أن تنتشر الأورام لباقي أعضاء الجسم، ولا يعود بالمستطاع السيطرة عليها. اضطروا الأطباء استئصال الرحم.
وقوف العائلة مع مريض السرطان يعجل من الشفاء. وخاصةً هذا المرض مهم جدًا أن تكون معنويات المريض مرتفعة، لذلك وقوف عائلتها بجانبها ساعدها للتغلب على المرض وأصبحت بفترة قصيرة بصحة جيدة.
أخبرها الطبيب بأن من المهم ان تتبع نظامًا غذائيًا صحيًا، وأن تبتعد عن كل ما يجلب لها التوتر.
فما كان من زوجها أن وعد الطبيب بأنه سوف يحملها على كفوف الراحة. وهكذا كان زوجها تكلم ونفذ وعده للطبيب، كل الفحوصات التي أجرتها أثبتت بأن جسمها نظيفًا من كل الأورام الخبيثة.
ربت ابنها تربية صالحة. وكبر في بيت كله حب
وهكذا تنتهي القصة التي من خلالها أحببت أن ألقي الضوء بأن الحب هو الذي يجعل من الحياة تستحق أن نحياها...