أسماء الياس - صورة شخصية
هذه الرواية شدتني من البداية إلى النهاية، ولأنني مغرمة بالقراءة، كلما وقعت عيني على رواية سمعت عنها أشتريها دون تردد وأقرأها.
حبي للقراءة بدا منذ نعومة اظافري، في ذلك الزمن لم يكن لدينا من وسائل الاتصال والترفيه، مثلما يوجد اليوم، كنا نقضي أغلب أوقاتنا إما بالدراسة أو اللعب بالحارة أو قراءة الكتب والروايات الهادفة، فكان والدي بشكل دائم كل يوم يعود وبين يديه عدة كتب منها روايات لكتاب عظماء أمثال. فيودور دوستويفسكي. كاتب روسي. وكاتب آخر هو أنطون تشيخوف. وألكسندر أستروفسكي. وغيرهم من الكتاب الروس الذين ترجمت أعمالهم للغة العربية.
كنت أتناول الكتاب واقرأه بنهم شديد مثلما من كان على حافة الموت عطشًا وجاء من يروي ظمأه.
بقيت اقرأ حتى نمت لديَّ موهبة كانت بالباطن مخفية، لم أدرِ عنها شيئاً إلا عندما تقدم في العمر اكتشفت بأن لديَّ موهبة إذا لم أستغلها سوف أكون خاسرة بلا شك.
طبعًا هذه الموهبة اخذتها من حياة الوالد الذي كان شاعرًا وكاتبًا مرموقًا وله عدة إصدارات.
حتى أنمي موهبتي ويصبح لديَّ ثروة لغوية كان عليَّ أن أهتم بقراءة القصص الهادفة، التي نتعلم منها، والتي تزيد من ثقافتنا. لذلك وضعت كل الإمكانيات حتى أقرأ الكثير من الكتب التي كان والدي يقتنيها بشكل مبالغ به، حتى ان والدتي قالت له ذات يوم:
-تمنيت لو دخلت يوم من الأيام بصدر كنافة أو هريسة وأنت طوال الوقت تكون في الناصرة، وهي أكثر البلدات التي تشتهر بالحلويات، لكن عبث لم يكن والدي يشتري إلا الكتب.
تركت كل ما بين يدي وتوجهت نحو المطبخ، فقد غاب عني أن اتناول وجبة الإفطار، لكن المعدة الخاوية تنبهك بأنه لم يصلها اليوم شيء من الغذاء حتى تمد الجسم بالطاقة. وجدت والدتي قد حضرت الإفطار بنفسها، أكلت بشهية مطلقة.
بعد أن أنهيت الطعام طلبت مني والدتي أن اذهب للتسوق فقد كان ينقص البيت الكثير من الحاجيات الضرورية.. حملت حقيبتي وذهبت لكي أشتري حاجيات البيت من خضار وأشياء أخرى.
عند الباب التقيت بأختي جاءت لزيارتنا بشكلٍ مفاجئ، سألتني إلى أين أنت ذاهبة؟
-قلت لها ذاهبة لعمل بعض المشتريات للبيت، جيد أنك أتيت حتى تبقين مع والدتي حتى أعود.
قالت لي:
-حسنًا سوف أبقى ريثما تعودين فقد اشتقت لكن واليوم بما أنه لا يوجد لديَّ ما يشغلني قررت البقاء لديكن والنوم هنا.
يا سلام أنا فرحة جدًا اليوم.
علاقتي مع اختي جدًا قريبة فقد ولدنا على رؤوس بعضنا البعض، رغم ان العائلات العربية ترى بولادة البنات بشرى غير جيدة، بينما في المجتمعات الأخرى عكس ذلك، البنت عند أولاد أعمامنا اليهود نور وبركة. لكن بالمجتمع العربي وخاصةً الشرقي "البنات هم للممات".
لكن والدي عكس الرجل الشرقي يوم ولدت وبعدها ولدت أختي أصبحن نساء القرية يتهامسن: هذا هو أبو البنات، لكن والدي لم يكترث لما يقلن كثيرًا. فقد كان يقول شعرة من بناتي تساوي لديَّ الدنيا وما فيها.
وهكذا كبرنا في بيت كله حب وحنان، أمي ربتنا وأحسنت تربيتنا، بالحب والتفاهم والرضا الذي كنت أراه في عيون والدي الذي اعتز بنا بكل مكان.
لكن من الناحية الأخرى. في اغلب المجتمعات العربية تظهر قيمة الفتاة عندما يكبر الوالدين ويصبحوا بحاجة لمن يخدمهم في كبرهم، ومن يخدمهم غير الفتاة التي يوم ولادتها قالوا عنها هم وغم.
عدت للبيت بعد أن قمت بالتسوق وجدت والدتي وأختي قد قمن بتحضير طعام الغذاء. بتلك اللحظة كنت تعبة وأخلاقي ضيقة. الشوارع مليئة بحركة السير، عدا عن السائقين الذين لا يحترمون قوانين السير تراهم يسابقون بعضهم البعض، لا يحترمون ولا يهتمون بسلامة المشاة ولا السائقين. كأنهم ولدوا حتى يكونوا السبب بحصرة أهلهم عليهم.
قلت لوالدتي:
-هذه آخر مرة اذهب للتسوق فيها.
قالت لي والابتسامة على وجهها.
-كل مرة تقولين نفس الكلام وبعد ذلك تذهبين.
-ماذا أفعل يا والدتي الضرورة لها أحكام.
-نعم لقد صدقتِ، يا ابنتي، إننا نعيش في عالم مليء بالتحديات إذا لم تكونِ قوية سوف يداس عليك بالأرجل. كل هذا من أجل ماذا، لو كل شخص أخذ حقه دون أن يتعدى على خصوصيات الغير لكنا اليوم نعيش بسلام وامان.
عدت لكتابي الذي وجدته ينتظرني قرأته حتى النهاية. بعد أن أنهيته وضعته مع باقي أخوته في المكتبة.
القراءة تغذي الروح وتجعلك ملمًا بالكثير من الثقافات، اقرأ كلما سنحت لك الفرصة. لا يوجد أجمل من أن تحمل كتابك في يوم مشمس تجلس أنت وأفكارك وتبدأ بالسفر خلف كلمة أو جملة قد تغنيك بحياتك الآتية..