يوسف أبو جعفر - صورة شخصية
قضية اليوم ليست ساخنة فهي تدور في خاطري منذ زمن طويل تعلو وتنخفض حسب الحاجة، وذلك يعود لأسباب كثيرة لا حاجة لذكرها، المهم أن بعض الكلمات بالعربية لا تترجم، ولذك نستعيض في الترجمة بالأقرب معنىً وجدت من الصعوبة ترجمة "منشان خاطري" إلى غيرها من اللغات، ففي العبرية الأقرب لنا في اللغات الترجمة لا تعطيها حقها وذلك بعد محاولة وضع "منشان" إلى من أجل وخاطري بقيت دون كلمة فهي في هذه الحالة حرف ، من أجلي.
أما الأقرب في اللغات ذات الأصل اللاتيني والإنجليزية Could you make me a favor
For my sake. وفي هذه الحالة اقترب المعنى من كلمة " سوي لي معروف" والمعروف ليس الخاطر، وفي اللغات الأخرى الفرنسية والإيطالية Per favore المعنى الأقرب إلى من فضلك بالعربية، لذلك إجمالًا ليس هناك أي ترجمة قريبة إلى ما نقصده.
إذًا ما السبب؟ اعتقد أن ذلك يعود إلى الاستعمال الخاطئ للكلمة، فنحن نقصد عادة المعنى الظاهر والمخفي في نفس الكلمة، فهي معروف أو معروفيه بالعامية في حال قانونية الطلب مثال اختصار الوقت والدور، فكلنا عندما نقف ونطلب من شخص التنازل عن شيء أنما نشير إلى المعروف، وفي ذلك رضىً وإحسان بين الطالب والملبي للطلب، بينما قد نجد أنفسنا في مواقع أعلى وهو " منشان خاطري" كل ذلك في الحيز الفردي، عندما يتعلق الطلب بتنازل عن حق كرامة لفلان، وقد جرى العرف والعادة في ذلك وسطر التاريخ مواقف مشرفة كثيرة ولكن مردها أنك " تكرم كريم ترتجى كرامته" وقد يكون مالًا وفي بعض الأحيان دمًا وهذه لها قوانينها وتركيبتها وطقوسها.
الصعوبة عادة في "منشان خاطري" عندما يتصادم الخاطر مع القانون هنا يصبح الأمر مختلفًا ومعقدًا، أيهما أعلى الخاطر أم القانون؟ وليس عبثًا هذا الطرح، ففي حياتنا محطات كثيرة نريد فيها أشياء ليست حول المعرف وحول الدور بل حول اخضاع القانون للخاطر، وفي رأئي المتواضع هذا هو السبب لغياب الترجمة إلى اللغات الأجنبية، ولا أريد أن أعرج على المصادر القانونية حتى لا يصبح الأمر أكثر تعقيدًا، الإجابة على السؤال تحدد الكثير، أين الصالح العام من الخاص؟ هل الاعتبارات الشخصية في المجال العام لها حيز؟ من الذي يتنازل عن الحق المسؤول بأسم الجماعة؟ هل يحق له ذلك؟ وهكذا دواليك.
ولذلك من الطبيعي عندما تسأل عربيًا حول من الأعلى الخاطر أم القانون؟ سيجيبك بسرعة القانون، ونحن نعتمد القانون المتفق عليه وليس الظالم، ولكن عندما تطلب منه التفكير تشعر بالمعضلة التي يواجهها، تشعر كم نكابد نحن في هذا الجانب ولا نستطيع بتاتًا التحييز للقانون بل نضع كلمات بين القوسين( بس) ( شوف) وهكذا تدرك أننا هنا نفكر في حالنا ومصلحتنا وربما كبريائنا نحن مقابل القانون.
قد يدعي البعض أن الإجابة سهلة ولذا اقترح عليكم أن تكونوا في موقع لا يسمح بإعطاء أي امتياز ثم ننظر ماذا يحدث؟ أؤكد لكم أن المعضلة تكمن في فهمنا وأخلاقياتنا حول مصطلح الخاطر والقانون، الغرب أدرك منذ زمن أن الخاطر مشكلة كبيرة ومن هنا اعتبر خرق القانون هو نقض العهد والمسؤولية(breach of trust) فالموظف أو المسؤول عندما يعطي من أجل الخاطر إنما يخاطر بين اثنتين الأولى نقض العهد والمسؤولية والثانية الرشوة، في الحالة الثانية يصعب تقديم الشخص للمحاكمة لأن ليس هناك انتقال أموال أو منفعة مباشرة ولكن قد تحصل المنفعة في وقت أخر متأخر ، ولذلك التشديد في الحكم على الأولى لصعوبة إثبات الثانية.
وحتى نلتقي، القانون يعلو على الخاطر، القانون جاء ليمنع الخاطر في كل شيء هو في الحق العام، لأن من يطلب الخاطر في الحق العام إنما يطلب ما لا يستحق وإلا لا داعي للخاطر، الخاطر مكانه فقط في الحق الخاص ذلك ملك نفسك تقرر فيه بما تشاء، كلما قل منشان خاطري في العام والخاص إعلم أننا اقتربنا من الطريق الصحيح.