logo

قصة: القناعة كنزٌ لا يَفنى ‘ - بقلم: أسماء طنوس - المكر

25-06-2023 06:30:09 اخر تحديث: 25-09-2023 15:17:32

ألأُم حُسنيةُ منهمِكَةٌ في شُغْلِ الْبيتِ وعلى خصرِها الْمريولُ، والْمنديلُ على رأسِها. وهيَ تَكْنِسُ الْبيتَ وإِذا بابنها وزوجِها يدخلانِ ويُلقِيانِ التَّحيةَ عليها. فَيُفاجِئُها الابنُ بالسّؤالِ: لماذا إلى الآنَ تَعملينَ!؟


أسماء طنوس - صورة شخصية

أَلْيَومَ بالذّاتِ يجبُ أن لا تعملي لتكوني الْيومَ ملكةً. فتُجيبُه الأُمُّ: ولماذا يا ابني!؟ ومن سيشتغِلُ عَنّي، وما هُوَ السّببُ!؟ فيجيبُ الابنُ: أليومَ عيدُ ميلادِكِ، وقد عَمِلنا أنا وأبي لكِ مفاجأةً وأَحضرنا لكِ الهَدايا. فيتقدَّمُ الزَّوْجُ ويُهَنِّئُها ويقولُ: إِنشاءَ اللهُ للمِئةِ والعِشرينَ وكلُّ عامٍ وأنتِ بأَلفِ خيرٍ. ويفتحُ الْعُلبةَ ويُقَدِّمُ لها الإسوارةَ ويُلبِسُها إِياها، ويَعِدُها كُلَّ سنةٍ بأحلى هدِيّةً. ويتقَدّمُ الابن ويُعايِدُها ويُقَبِّلُها، ويُقَدِّمُ لها هَدِيَّتَهُ ويقول: هٰذا الْفستانُ الْحلوُ لكِ يا أُمّي، إِلْبَسيهِ حتّى أراكِ الْيومَ مِثْلَ الْملكةِ. فَتَشْكُرُ الأُمُّ ابنَها وزوجَها على هٰذهِ الرّوحِ الطَّيبَةِ وتقديرِهُما لَها وتتمَنّى أن تَرُدَّ لَهُما الجميلَ.

وفي الْيومِ الثّاني تذهبُ حُسنيةُ لزيارةِ جارتِها مديحَة. وعندما وصلتْ بابَ بيتِها نادَت عليها، فَخرجت مديحَةُ من الْمطبخِ والْمريولُ على خصرِها ورَحّبَتْ بجارتِها بألفِ أهلاً وسهلاً، وتفاجأت بزيارتِها وسألَتْها: ما هٰذهِ الْمفاجأةُ الْحُلوَةُ وكيفَ عَمَلتيها!؟ وما هٰذهِ الْحلاوَةُ الزّائدةُ فيكِ! إِنّي أَراكِ مُطقشَّةً ومُنَقَشَّةً والْبهجَةُ والْفرحةُ على وجهِكِ! أَخبريني ما السَّببُ!؟ تفضلي اجلسي لأُحْضِرَ الْقهوَةَ. وبدأَتْ حُسنِيَّةُ بالْحديثِ: سأُخبرَكِ عن سببِ فرحتي: أَمس كان عيدُ ميلادي، وزوجي وابني عَمِلا لي مفاجأةً. وكُلٌّ منهما أَهداني هديةً، الزَّوجُ أهداني إِسوارةَ ذَهَب، وابني أَهْداني هٰذا الْفستانَ الَّذي ألبِسُهُ عَلَيَّ. والْحمدُ للهِ زوجي كُلُّ هَمِّهِ أن يُسعِدَني ويُعيّشَني أحسنَ عيشةٍ، فَلا يَنْقُص عَلَيَّ شيءٌ، ويُلَبّي كُلَّ طلباتي. جَلّايَة اشترى لي حتّى لا أتعبَ ولا أُجَعِّدَ يَدَيَّ بِالْجَلي. وبَدَل طَقمِ كَنبيات عِندي طَقمان. وسيّارة اشترى لي وكُلُّ هَمِّهِ أن أكونَ أَمامَهُ جميلةً ناعمةً مِثلَ الْملكةِ.

وبعدَ أن خَرَجتْ حُسنيةُ من عِندِها ،أَخذت مديحةُ تُحَدِّثُ نفسَها وتقول: كَم هي سعيدة! ويا رَيتَ كُلُّ الأزواجِ مثلَ زوجِها. وماذا ينقصني أنا! لماذا لا أكونُ مِثْلَها! ما هٰذهِ ِالْعيشةُ الّتي أَعيشُها!؟ نَهاراً وليلاً شُغلٌ بِشُغْل، ولم أَحْصَل على شيءٍ لا فُستانَ ولا إِسوارَة! وهَيْهاتَ مَرَّةً كُلَّ سَنة أَشتري فُستاناً واحِداً. وهَل حُسنيةُ أَحسنُ مِنّي!؟ زوجُها مُدَلِّلُها ومعَيّشُها أحسنَ عيشةٍ ومُوَفِّرٌ لها كُلَّ وسائلِ الرّاحةِ، لا تجلي ولا تغسِلُ على يَدَيْها. ولكّني سوفَ لا أَسكُتُ على هٰذا الْحال؟ وعندَما يرجعُ زوجي سأَفتحُ لَهُ الْموضوعَ. وبعدَ قليلٍ يدخُلُ زوجُها عائداً منَ الْعملِ ويقولُ: يُعطيكِ الْعافيةَ يا أحلى زوجةٍ. وماذا طبختِ اليومَ يا عُمري؟ فتُجيبُ: هٰذا الَّذي تعرفُهُ!؟ تسألُني فقط على الطّبيخِ والنَّفيخِ؟ وَهَل في يومٍ ذكَرْتَني بهديَّةٍ مِن حينَ تَزَوَّجنا إِلى اليوم!؟ مثلاً فُستاناً أو إِسوارةً مِثلَ جارتي حُسنيّة، الّتي اشترى لها زوجُها في عيدِ ميلادِها يومَ أَمس! لَوْ ترى سعادَتَها وفرحَتَها! وما أحلى الإِسوارةَ وهيَ تلمعُ في يدِها! فيُجيبُها الزّوجُ: يا زوجتي يا حبيبتي ما لَنا ولَها! وإِذا كانَ ينقُصٌكِ فستانٌ، خُذي خمسينَ شاقِلاً وانزَلي إِلى السّوقِ واشتري. فتُجيبُ مديحة (الزّوجه): أَيَّ فُستانٍ بخمسين شاقلاً! بَدَلَ ما تُعطيني خَمسَ مِئَةِ شاقِلاً لأشتريَ أَحلى فُستانٍ أو تشتري لي خاتماً أو إِسوارةً مِثْلَها! هل أنا رخيصةٌ عندَكَ ولا أُساوي شيئاً!؟ فيُجيبُها: يا غاليتي، أَنتِ أغلى من الذّهب والألماسِ وأنتِ أَثمنُ شيءٍ عندي. ولكِن مِثلَ ما قال الْمثلُ: على قَدِ فِراشِكَ مُدَّ رِجلَيْك. والْمثل الثّاني: الغيرَةُ تعمي الْقُلوبَ. عندها تَصحو مديحةُ وتُجيبُ: وَاللّه صحيحٌ يا زوجي. أنا كُنتُ مُقتَنَعَة بكُلّ شيءٍ، ولم أُفكّرْ يوماً أن أُحَمِّلَكَ أحمالاً فوقَ طاقتِكَ. ولكنّ الغَيْرَةَ أَعْمَتْني عن الْحقيقةِ. أَنتَ عندي بِكُلِّ الدُّنيا وأغلى من الذّهب، وصَدقَ المَثلُ القائل: الْقناعَةُ كَنزٌ لا يَفْنَى.