باقالة منصور دهامشة من منصبه سكرتير الجبهة.
نص المذكرة
وجاء في المذكرة: " أيها الرفاق الاعزاء،
منذ أكثر من سبعين عامًا، لم نواجه حالة كتلك التي واجهتنا في الانتخابات الأخيرة، حين خيم شبح عدم عبور نسبة الحسم على تحالف الجبهة والعربية للتغيير، وبرز ذلك في استطلاعات الراي وفي تقييمات الجبهة نفسها. وفي المقابل منذ زمن بعيد لم نشهد هبة حزبية جبهوية بهذا الاتساع، الأمر الذي مكّننا عبور نسبة الحسم. والسؤال المدوّي لماذا وصلنا إلى هذا الحال، ما هي العوائق الموضوعة والذاتية التي جعلتنا على حافة الخسارة. كيف يمكن لهذا الجسم بتاريخه الطويل والمجيد أن يتأرجح في هذا المكان الخطر.
إنها اسئلة ترد في بال كل رفيق، والحركة التي تنشد الحياة هي تلك التي تناقش أوضاعها، تكشف عن أخطائها وتعمل على تصليحها. إننا نؤمن ان الجبهة وعمودها الفقري الحزب، مثل كل جسم حي يقع في اخطاء، ولكن هذا الجسم الحي الذي تشرّف برفاق خرجوا للدفاع عن البيت والتاريخ والطريق، قادر على تجاوز الأزمة، والخروج أكثر قوة وصلابة.
وايمانًا منا بوحدة الحال بين الرفاق في اطاري الحزب والجبهة، وحيث أن رفاق الجبهة هم بأغلبيتهم رفاق حزب، وحيث ان تعزيز قوة الجبهة يعني تعزيز قوة الحزب والعكس بالعكس، فقد رأينا أن نتوجه اليكم، من خلال هذه المذكرة لطرح ما يقلقنا في وضع الحزب والجبهة، من خلال استعراض نقاط الضعف التي لمسناها في الانتخابات الماضية وبشكل عام.
نعم، هناك خلل عميق في نهج وعمل قيادة الحزب التي تمسك بكل الخيوط في عمل الجبهة. هذه القيادة تحتكر العمل وتستثني كل رأي آخر لا يتماشى مع تسلطها المطلق، وهي، في نهاية الأمر، السبب الاساسي في وضعنا المقلق، إننا نحمل القيادة الحزبية وبالذات سكرتير الجبهة، الذي هو عضو المكتب السياسي للحزب المسؤولية الكاملة لما آلت اليه أوضاعنا.
ومن هذا المنطلق نأتي لنقول إن حركتنا بحاحة إلى مراجعة شاملة ومعالجة النواقص والإهمال في مجالات عملنا المختلفة. هذا هو نداء اللحظة الأخيرة للحفاظ على الحزب والجبهة، بعد أن حاولنا سنوات طويلة مخاطبة القلب والعقل لدى القيادة، ولكن لم نلق منها سوى الصد والاستمرار في تدهور الأحوال.
وها نحن نطرح امامكم النقاط المركزية:
1 - المعارك الانتخابية: حركتنا، الحزب الشيوعي وفيما بعد الجبهة، تخوض الانتخابات منذ خمسينات القرن الماضي، والتجربة المتراكمة لديها هائلة، ولكن في المعارك الانتخابية الأخيرة لم تستطع الجبهة تطوير أدواتها بما يتوافق مع التقنيات العصرية، أكثر من ذلك فحتى الهيكلية التنظيمية القديمة التي اثبتت نفسها تراجعت بشكل مقلق. هناك تراجع تنظيمي على جميع المستويات، القطرية والمناطقية والمحلية، وكذلك هناك تراجع في القدرة على الرد على التطورات. لا مكان لاستعراض كل ذلك، ولكن هناك علامات بارزة هي مؤشر لهذا الضعف.
* عدم وجود ما يسمى "كامبينر" Campaigner، أي موجّه للحملة الانتخابية.
* قيادة معركة انتخابات تمسك بجميع الخيوط، وتصلها احصائيات واستطلاعات محتلنة من جميع القطاعات وفي جميع المواضيع.
* عدم وجود طاقم تنظمي: مسؤول عن كل البلدات التي فيها فرع للجبهة والحزب، وتلك التي لا يوجد بها فروع. متابعة الأوضاع في كل بلدة وفي كل حي. إيصال المنشورات واللافتات والتأكد من توزيعها، عقد جلسات منتظمة مع قيادات الفروع للاستماع لتقاريرهم وملاحظاتهم وإيصال حتلنات قطرية لهم.
* عدم وجود طاقم إعلامي فعال - الأمر الاساسي الذي شاهدناه في هذه الدور هو غياب استراتيجية إعلامية وكذلك متخصصين في الاعلام الجماهيري، وأيضّا فالملاحظ في الدورات الانتخابية الماضية أن الجبهة، إذا كانت تخوض الانتخابات لوحدها أو في إطار تحالفي، كانت الاخيرة من بين القوائم التي تخرج بإعلاناتها في الصحف وفي وسائل الإعلام وفي لوحات الاعلانات. في المعارك الانتخابية الأخيرة، هناك غياب كامل أو شبه كامل للجبهة عن الصحف المحلية والقطريّة والمواقع المختلفة ومحطات الراديو والتلفزيون.
* غياب الأطر المختلفة مثل أطر للشباب والنساء والأكاديميين، بصفتها امتدادًا فعالًا للجبهة. في المعارك الانتخابية الماضية كان هناك صوت مميز للشباب والنساء من خلال الاجتماعات الانتخابية والحلقات والمهرجانات، وبين الأكاديميين كانت هناك عرائض بمئات الاسماء لمحامين وأطباء وغيرهم لنصرة الجبهة.
* إدارة تفاوضية فاشلة: في العمل الشعبي تجري المفاوضات بين الاطراف عبر مستويين، المستوى العيني أي إدارة مفاوضات مع الاطراف الأخرى، والمستوى الاعلامي لشرح موقفنا للرأي العام. باعتقادنا أن على المستويين كانت هناك اخطاء الأمر الذي دفعنا ثمنه لاحقًا.
* تعيين متفرغين: اعتماد العمل التطوعي في مواقع تتطلب عمل مكثف وبأجر هو امر خاطئ. عدد المتفرغين مدفوعي الأجر، خلال المعركة الانتخابية، تقلص بشكل كبير. في المعارك السابقة كان متفرغ لكل فرع، واحيانًا أكثر: ربما ثلاثة أو أربعة، وذلك من أجل تنفيذ المهام العديدة المطلوبة من الفرع: تنظيم الزيارات للبيوت، توزيع المنشورات، الاتصال مع الشخصيات المؤثرة، تنظيم اجتماعات احياء، تحضير قوائم للاتصالات الهاتفية. لا يمكن لسكرتير فرع غير متفرغ، أن ينفذ كل هذه المهمات بعد يوم عمل في مهنته.
2 - القيادة الحالية ضربت روح الجبهة، سكرتير الجبهة هو عضو مكتب سياسي للحزب، ومسألة الجبهة، تنظيمها، فروعها موجودة كما يظهر في مكان منخفض على سلم أعماله، وربما غير موجودة أصلًا. المؤتمر الأخير للجبهة عقد، قبل 9 سنوات، وبالتالي لم يتغير تمثيل الفروع في مجلس الجبهة المبني على عدد مصوتي الجبهة في كل فرع في انتخابات الكنيست.
3 - تركيز الصلاحيات: اخطر ما يمكن ان يواجه أي تنظيم هو تركيز الصلاحيات في يد شخص او مجموعة أشخاص. في الجبهة وصل الوضع حد العبث، الرفيق منصور دهامشة هو سكرتير الجبهة القطرية، المسؤول المالي في الحزب والجبهة، ممثل الجبهة الرئيسي في المفاوضات التحالفية، وكيل قائمة الجبهة في لجنة الانتخابات، ممثل الجبهة في لجنة المتابعة وعمليًا هو الناطق باسم الجبهة.
4 - إهمال النقب: النقب يتطلب اهتمامًا خاصة فهو في مركز الهجوم السلطوي على جماهيرنا العربية. من غير المفهوم حتى الآن لماذا لا تستثمر الجبهة طاقات تنظيمية، مالية، معنوية في النقب. لماذا لا تُقام مراكز للجبهة في رهط والبلدات المركزية، لماذا لا يوظّف رفاق من النقب لمتابعة قضاياه الحارقة؟
5- الاتحاد: الاتحاد أعرق صحيفة عربية في البلاد، وفي يوم مظلم من أيام الكورونا، تقلص صدورها من ستة اعداد الى عددين في الاسبوع، فهل تم بحث ذلك بشكل مرتب، كما يتطلب الأمر في اية هيئة تحترم نفسها، حتى الآن لا نعرف حيثيات اتخاذ القرار، هل اتى بعد دراسة، أم انه كان وليد احداث او مصادفات او نتيجة قرار فردي. والأهم أن القراء هم اخر من يعلم، ويواصلون دفع الاشتراك كاملًا، كأنها ما زالت تصدر 6 مرات في الاسبوع.
الأمر الثاني أن كل رأي مخالف يتم قمعه. نريد أن تكون الاتحاد منبرًا ديمقراطيًا وطنيا حرًا مفتوحًا للآراء المختلفة، وليست أداة نشر لمجموعة من البيانات الحزبية. هذا الأمر يتطلب وجود رئيس تحرير ذي قامة صحفية أو أدبية عالية وهيئة تحرير فعالة، ديمقراطية، حرة ومفتوحة على جميع آراء الرفاق والاصدقاء.
الأمر الثالث، الحياة تتطور، وجميع الصحف يوجد لها مواقع يتم فيها نشر موادها، وإلى جانب ذلك يتم نشر مواد اخرى سريعة وتستقبل ردوداً من القراء. الجبهة بحاجة إلى موقع فعال ودينامي يشمل منصات حوار مؤثرة.
6 - الحلبة الفكرية: الجبهة تعيش في حالة مقلقة من الجمود الفكري، انحسار الأيام الدراسية والمحاضرات والنشرات المختلفة. هناك حاجة ليوم دراسي حول دورنا في السلطات المحلية، وضع النقب، صعود اليمين الفاشي، الخارطة السياسية بين الجماهير العربية، ظاهرة القائمة الموحدة واستعدادها للتحالف مع احزاب اليمين، انحسار نسبة التصويت عند العرب، هل الجبهة اصبحت تتبنى خطاباً وطنياً أممياً أم اكتفت بالقومي؟ ما يًسمى اتفاقات "ابراهام"- ما هي الجذور الفكرية والعالمية لها.
7 - النوادي: اساس العمل المحلي للجبهة يتم في النوادي ومقرات الجبهة. هناك تقريبًا جمود وحتى انحسار في النوادي وبرامجها وهذا يؤثر سلبًا على عمل الجبهة. بالإضافة الى ذلك فإن غياب مكاتب المناطق التي كانت مراكز لقاء للرفاق من الفروع المختلفة، وخاصة في نهاية الأسبوع، يضعف عمل الجبهة والحزب ويبدد الأجواء الرفاقية بين الأعضاء.
8 - الشراكة العربية اليهودية، على الرغم من التأييد للقائمة المشتركة لدى إقامتها، في أوساط الدمقراطيين اليهود، لم نستطع بناء تحالفات، وذلك بالرغم من الاقتراحات العينية التي قدمها عدد كبير من الرفاق لهيئات الحزب. لم تكتف القيادة بذلك، بل قامت بإبعاد رفاق يهود مركزيين لمجرد نشاطهم في تنظيم "نقف معاً". وهكذا وصلنا الى الانتخابات الاخيرة، حيث لم يكن لجبهتنا تلك القيمة الإضافية الحيوية الناتجة وهو العمل في مجمل قطاعات المجتمع الاسرائيلي. اننا نشهد اليوم حركات يهودية دمقراطية مناضلة تعمل بدون كلل مع أخوتنا الفلسطينيين ضد هجوم الفاشيين عليهم، وتشارك في قطف الزيتون وفي مرافقة الفلسطينيين في المراعي. هناك العديد من هذه المنظمات وواجبنا أن نمد يد الشراكة إليها.
9 - وجود رفاق يسيئون للجبهة، من حيث تصريحات غير مسؤولة ومن حيث استعمال الشتائم. وبدل محاسبتهم يتم ترقيتهم إلى مراكز عليا في الحزب.
10 - موارد الجبهة والتوظيف: هناك ميزانية كبيرة ترد إلى صندوق الحزب والجبهة، هل هناك تقرير في اية مجالات تُصرف، ومدى نجاعة هذا الصرف في تطوير عمل الجبهة، مثلا: مجال التوظيف، كم محترف لدينا وعن أي مجالات كل منهم مسؤول، العمل الجماهيري، النشر، المجال الفكري..
رفاقنا الأعزاء نضع أمامكم هذه المذكرة، ومطلبنا الآن هو استقالة سكرتير الجبهة من منصبه، بسبب مسؤوليته المباشرة عن هذه الأوضاع، وفي المقابل نطالب بعقد مؤتمر عام للجبهة خلال ثلاثة أشهر من اجل مناقشة الأوضاع المذكورة أعلاه.
باحترام :
الياس ابو عقصة- معليا
بشير كركبي- حيفا
تميم ابو خيط- الطيرة
ثابت ابو راس- قلنسوة
حسن كيال- الجديدة
حسين سويطي- ابو سنان
د. نائل فحماوي- مجد الكروم
راجح بدران- البعنة
رائد نصرالله - الناصرة
رمزي حكيم - الناصرة
سهيل دياب-الناصرة
عبد اللطيف حصري( ابو وطن)- ام الفحم
عدنان علي- كوكب ابو الهيجا
عز الدين ابو لطيف- رهط
عزمي خطيب- دير حنا
عوده بشارات- يافة الناصرة
غازي ابو ريا- سخنين
محمد جيوسي- قلنسوة " – الى هنا نص المذكرة .
د. سهيل دياب لـ بانيت : ‘ الجبهة نفذت من تحت السكين في الانتخابات الأخيرة بسبب الكوادر ذات الحمية ‘
وفي حديث لموقع بانيت وصحيفة بانوراما مع د. سهيل دياب، أحد الموقعين على المذكرة :" في الانتخابات الاخيرة " نفذنا من تحت السكين " والكوادر التي لديها حمية هي التي حمت الجبهة وجلبت لها النتيجة التي حصلت عليها. لذلك لن نسمح بتجربة فاشلة اضافية لانها ستكون قاضية بالنسبة للجبهة. من هنا أتى هذا الطلب، ومن هنا جاء ارسال هذه المذكرة. هذه افضل الطرق وأقصرها وأقلها ثمنا لحماية البيت الجبهوي ولصيانة طريق الحزب والجبهة والتاريخي ".
وردا على سؤال لموقع بانيت وصحيفة بانوراما الى اي مدى يتوقع ان تلاقي هذه المذكرة اذانا صاغية لدى قيادة الجبهة، قال د. دياب :" هنالك أطراف عديدة تطرح طلبات مشابهة على الاقل منذ عام 2006، ولم يتم التجاوب معها. باعتقادي الجولات الانتخابية الخمسة الأخيرة، والمربوطة باداء الحزب خلال العشر سنوات الاخيرة، جديرة بان يتم نقاشها، ونأمل ان يصحو من يجب ان يصحو لطرح نقاش مضمون الوثيقة وليس التعامل معها بفوقية أو بشكل هجومي مسبق وشخصنة. الامتحان هو التعامل مع المضمون بجدية وانفتاح وحوار " .