logo

مقال | موسم الزيتون في التراث الشعبي الطيباوي

إعداد المربي : محمد صادق جبارة - الطيبة
19-09-2022 10:46:55 اخر تحديث: 18-10-2022 08:08:30

نحن الآن في شهر أيلول وهو الشهر الذي الفلاح بالتحضير لموسم الزيتون في بلادنا وأجدني اليوم مشدوداً إلى قلمي وأمام مخيلتي شريط سينمائي باهت اللون


الصور من كاتب المقال محمد صادق جبارة

والصورة عن ذكريات هذا الموسم قبل عشرات السنين وأنا لم أبلغ العاشرة من عمري، لكنه شريط ذكريات أعيشه كل عام مثل هذا الموسم، إلا أن الصورة تزداد غموضاً مع الزمن ولا أعرف إذا كانت ستمحو هذا الشريط نهائياً من مخيلتي لسبب التطور الحضاري السريع الذي دمر وخرب كل موروث من عاداتنا وتقاليدنا، حتى أن شجرة الزيتون المباركة نفسها قد أصبحت هذه الأيام تسير الى الزوال والإندثار.
 
ومن هذا الموقف أجدني مشدوداً إلى قلمي لأسجل ما تعيه ذاكرتي، ولأستجمع ما نسيته من أفواه الفلاحين والمزارعين من بلدتنا الطيبة الذين عاشوا هذا الموسم سنين طويلة من عمرهم، وتفاعلوا معه بكل جوارحهم، فموسم الزيتون كان يعتبر من أجمل مواسم شعبنا، وبالأخص في بلدتنا كان الناس ينتظرونه بفارغ الصبر ويحسبون الأشهر والأيام في إنتظاره ويستعدون لإستقباله والتمتع به حتى النهاية، فالأطفال يشاركون أهلهم في قطف الزيتون ويلعبون ويمارسون هواياتهم المفضلة .

من منا لم يساعد أهله في قطف الزيتون و جلب الماء و الطعام في وقت الظهيرة لأهله بعد عودته من المدرسة ؟. وفي كل عام كان الفلاح الطيباوي يستعد لهذا الموسم بتحضير سلمه و " جدادته " وحماره والأكياس والحصيرة أو الفلال لتفرش تحت شجرة الزيتون ، حتى تتجمع حبات الزيتون التي تتم قطفها .

" البداية مع الرصيع "
كانت بداية موسم الزيتون في بلدتنا الطيبة في منتصف شهر تشرين أولـ أما في شهر أيلول يبدأ الفلاح بقطف الحبات الخضراء الكبيرة من أمن أجل عمل الزيتون المنزلي الذي نسميه ( الرصيع ) للأكل قبل أن يدبغ ويتغير لونه من الأخضر إلى الأسود ، وعندما تحدثنا عن التحضيرات لموسم الزيتون كان الفلاح الطيباوي يعتمد على المخزون الذي قام بتخزينه لهذا الموسم وهو شراء البطيخ والألبان والأجبان لأخذه معه إلى " وعرته " لتناول الطعام بعد عملهم الشاق في قطف الزيتون تحت درجة حرارة عالية .
مع هذا كان الفلاح فرحاً بهذا الموسم لأنه ينتظر الزيت والزيتون لبيعه لأنه كان مصدر رزق بالنسبه له .
اشتهرت بلدتنا الطيبة بزراعة الزيتون فكانت الأراضي الوعرية مليئة بأشجار الزيتون فشرقي البلدة وشمالها وجنوبها مليئة بأشجار الزيتون وهي من القرى التي كانت مصدرة للزيت ولكن مع الأسف الشديد أصبحت شجرة الزيتون في بلدتنا آخذة بالزوال.

من هنا لا بد من التذكير أن معاصر البلدة وكانت اثنتان معصرة لأهالي الحارة التحتا وما زالت موجودة تحت بيت حازم ومحمد عبد الحميد الناشف وما زالت ماكنات المعصرة موجودة حتى هذه الأيام ، والمعصرة الثانيه بني على أرضها سوبر ماركت للسيد يونس ياسين ، وقد اشتركوا في إقامة المعاصر عدة فلاحين من الطيبه قديماً كل منهم شارك بعدة أسهم .
ما أجمل المعاصر ما أجمل تلك الأيام عندما كنا صغاراً نحمل أرغفة الخبز الساحن و نطلب من صاحب المعصرة السماح لنا بغمس الخبز بالزيت نأكله ونحن فرحين بهذا الموسم عدا عن اللعب بين أكياس الزيتون الموجودة في ساحة المعصرة ، أيام جميلة وحلوة نذكرها جيداً .
وأريد أن أذكر القارئ بوقت عودة الفلاح من عمله في قطف الزيتون قبل غياب الشمس وهو يحمل على كتفيه سلمه و " جدادته " وأطفاله يحملون أوعية مليئة بالزيتون ووسيلة نقله إما الحمار أو الحصان الذي يحمل أكياس الزيتون .


أمثال وأغان
وجاء دور الأمثال الشعبية و الأغاني التي تحدثت عن شجرة الزيتون والزيت ولا أنساها حتى هذه الأيام ، عندما غنى الفلاح لشجرته فقال :
زيتونتي يا حبها بلح بلح
لو يدري بها القاضي سرح
أو
يا زيتون الحواري
صبح جدادك ساري
يا زيتون إقلب ليمون
إقلب مسفن بالطابون

فعلى إيقاع سقوط حبات الزيتون الخضراء على البساط المفروش على الأرض تتعالى أصوات النساء بأهازيج الفرح فالنساء يعتلين السلالم لجني الزيتون حبة حبة بعناية فائقة وصوت الأغاني تصل من بعيد وقريب فالزغاريد والأغاني التي تخرج من حناجر النساء أذكرها جيداً حتى هذا اليوم وبغنائها تشجع قاطفي الزيتون من أطفال ورجال .
فعند وصولهن الوعرة يضعن أغراضهن من أكل وشرب وأوعية طبخ في مكان قريب وينطلقن في العمل بكل نشاط وحيوية وبعد ساعتين من العمل المتواصل يسترحن ويفترشن غطاء على الأرض ويخرجن كل واحدة منهن من كيسها الخبز والزيت والزيتون والعسل والشاي والقهوه و تتعالى الضحكات ويتبادلن أطراف الحديث ثم يرجعن إلى عملهن بعد الإستراحة ، وربما تتبادل الجارة مع جاراتها بالأرض أطراف الحديث خلال قطفهن الزيتون و كانت ظاهرة ( الفزعه ) منتشرة في بلدتنا فعندما ينتهي الجار من قطف الزيتون يساعد جاره بقطف الزيتون لأنه يرى ذلك واجباً .

أما الزيت والزيتون في أمثالنا الشعبية فهي كثيرة :
1) الزيت ملك العاجز
2) سيل الزيتون من سيل كانون
3) إن دفع في آذار حضروا له الجرار
4) الزيت عماد البيت
5) القمح والزيت سبعين في البيت
6) الزيتون بدك تهفيه شفه وخليه
7) إلى أمه في البيت بوكل خبز وزيت
8) كل زيت وناطح الحيط
9) خلي الزيت بجراره تاتيجه أسعاره
10) ما حدى بيقول عن زيته عكر
11) أيام الزيت أصبحت وأمسيت
12) في أيلول بيدور الزيت والزيتون
13) الزيت الطيب من الشجر للحجر
14) في نهار الزيت بالكاد المره تطبخ و تكنس البيت
15) شجرة الزيتون مثل ما بدك منها بدها منك
16) الزيت بالعجين ما بيضيع
17 )الزيتون النبالي زيته سيالي ولقاطه بهدي البال
كثير من الأمثال والقصص الشعبية قد تحدثت عن زيت الزيتون لأنها شجرة مباركة والأهم من ذلك عندما ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، وَطُورِ سِينِينَ ) مما أصبحت مباركة هي وشجرة التين ، فأهلاً وسهلاً بهذا الموسم عاشت الطيبة بسلام تنعم بخيراتها وسهولها وجبالها .