logo

صراع القيادات وترتيب الكراسي- بقلم: الباحث كمال موعد

17-09-2022 06:42:28 اخر تحديث: 18-10-2022 08:16:57

شاهدنا ليلة اول امس الخميس على شاشات التلفاز حلقة جديدة مألوفة من المسلسل الذي لا ينتهي وكان موضوعها تهافت جديد للقائمة العربية المشتركة في مشهد اقل ما يقال


د. كمال موعد من عرابة - صورة شخصية

فيه وعنه انه مهين ومخزي. المدهش في الامر هو الحجم الهائل لما قد كتب هذا اليوم، وسيكتب لاحقا، عن تلك الكارثة من توصيف وتحليل وتفكيك وتركيب بأقلام الخبراء والمراقبين والناشطين السياسيين العرب القلقين حقا والغيورين حقا حتى بدى الامر وكأنه جديد وغريب علينا أن نختلف وننشق وكأن سياسيينا كانوا حتى هذا الأسبوع نموذجا فذا للسياسيين المخلصين الذين يصلون الليل بالنهار بغية تحقيق الوحدة ورص الصفوف والتصدي للمخاطر المحدقة مترفعين عن المصالح الضيقة الفردية باذلين الغالي والرخيص من اجل الحفاظ على وحدة الصف. يقولون ان الذاكرة الجمعية للشعوب ضعيفة لكن ليس لهذا الحد!! متى كانت العلاقة بين القيادات العربية تقوم على الايثار والتنازل والتضحية وتقديم المصلحة العامة على الخاصة؟ متى سمعنا عن اتفاق بين تلك القيادات المتهافتة يعقد بسهولة ويسر دون جولات وصولات ومباحثات مضنية غايتها "ترتيب الكراسي" ليس أكثر؟ هل سمع احدكم دام فضلكم عن مناقشات ماراثونيه وخلافات "عميقة" حول "ثوابت أيديولوجية ووطنية"؟ هل تعلمون حجم الجهد الجبار الذي بذلته لجنة الوفاق في السنوات الأخيرة من اجل التوفيق بين قادة الأحزاب العربية والترفع عن الصغائر والسخافات واتمام الوحدة فيما بينهم لمصلحة الجماهير العربية؟ هل سمعتم عن استقالات على خلفية مبدئية فكرية بين قادة تلك الاحزاب؟ أكثر من سبعين عاما والمواطن العربي يشتاق الى سماع انباء عن نقاشات جوهرية فكرية لكن بلا جدوى لذا فانه سوف يشتاق طويلا على ما يبدو.

ثلاث نتائج شبه حتمية
ان الكارثة التي حصلت الخميس تنسف كليا كل ادعاءات هؤلاء "القادة" بأنهم العين الساهرة على مصالح المواطنين العرب داخل اسرائيل وبأنهم حراس القضية الوطنية الفلسطينية وبأنهم السد المنيع أمام اليمين العنصري الفاشي لأنهم بهذا التهافت المخجل سوف يتسببون بحصول ثلاث نتائج شبه حتمية:

النتيجة الأولى هي انخفاض نسبة التصويت الى ما دون 45% لدى الجماهير العربية اليائسة الغاضبة التي فقدت الامل بقيادات أنانية فارغة لا تسمع منها الا تصريحات ديماغوجية هدفها جر الناخب العربي الى صناديق الاقتراع ثم بعد ذلك نسيانه والتخلي عنه والاكتفاء بالتشدق بخدمته. ليس من المستهجن والحال هذه ان لا تعبر القائمة المشتركة بتشكيلتها الجديدة نسبة الحسم او ان تحصل على 4 أعضاء كنيست كأعلى حد. أما قائمة التجمع فباتت تحتاج الى معجزة كي تعبر نسبة الحسم وتتجنب حرق بضعة عشرات من الاف الأصوات العربية.

النتيجة الثانية هي رفع احتمال حصول اليمين المتطرف على أكثر من 61 عضو كنيست وبذلك ضمان عودة نتنياهو وجوقته الرهيبة الى كرسي الحكم بنسبة شبه اكيدة. طبعا، المصيبة هنا هي ليست عودة نتنياهو الى السلطة بحد ذاتها اذ ان غالبية القيادات اليهودية التي تلبس ثوب الحمل الوديع بعلاقتها مع المجتمع العربي (لبيد، غانس، ساعر، ليبرمان....)، هي قيادات لا يعول عليها وهي في الواقع قيادات صهيونية عنصرية لا تؤمن بالمساواة ولا بالشراكة، ترفض فكرة دمج العرب في المجتمع اليهودي وفي مؤسسات الدولة بل وترى بالمجتمع العربي عدو يشكل تهديد لأمن الدولة تماما كما نظرت اليه منذ قيام الدولة وبالتالي فان ضرر تلك القيادات على المجتمع العربي ربما يفوق ضرر "أبو يائير". لكن المصيبة الحقيقية هي أن نتنياهو سوف يعود الى السلطة بفضل ضعف وانانية وصغر قادة الأحزاب العربية الذين لا يختلفون بشيء عن نتنياهو من حيث غايتهم العليا: اللهث وراء الكرسي.

اما النتيجة الثالثة المتوقعة فهي اتساع شعبية القائمة العربية الموحدة برئاسة الدكتور منصور عباس وزيادة نسبة التصويت له في المجتمع العربي مما قد يمنحه 5 أعضاء أو أكثر، ليس من باب الاقتناع بفكره ولا بنهجه المثير للجدل ولا من باب الاعجاب بمغامرته الأخيرة بدخوله حكومة بنيت ولبيد، بقدر ما هو نكاية بقادة الأحزاب الثلاثة وتعبيرا عن السخط عليهم والاحتجاج على انشغالهم بترتيب مقاعدهم فقط والحفاظ عليها ساخنة بينما يئن المجتمع العربي اليائس ويصيح من كثرة اوجاعه ومتاعبه.
اعود الان الى ما بدأت فيه مقالي هذا وهو ان مشهد التهافت والانقسام الذي شاهدناه بالأمس هو ليس بالأمر الجديد علينا وبالتالي فإنني استهجن شعور الصدمة الذي نشعر به جميعا في كل مرة يحصل فيها مثل هذا المشهد واقترح ان نخفض سقف توقعاتنا من هؤلاء "القادة" وان نتعلم الدرس ونستنتج العبر ونتخذ القرارات الصائبة بدلا من تكرار ذات السيناريو والوقوع في الفخ كل مرة. اعتقد ان الأوان قد حان لخروج هؤلاء "القادة المغاوير" الى التقاعد الفوري بعد سنوات من التراجع وزرع الأوهام وبعثرة الدخان امام اعين الناخبين العرب. عليهم الان الاعتراف بشجاعة وبصراحة بفشلهم وبأنهم أضعف من التحديات وأصغر من المهام الملقاة على عاتقهم. 


طبعا انصح بعدم توقع استقالة أي منهم فنحن في نهاية المطاف عرب والعربي بثقافته لا يعترف بفشل او ضعف او قصور وبالتالي لا يستقيل، كما علمنا التاريخ، وانما هو يقال بطريقة او بأخرى. نحن لا نرضى ان نفعل مثلما فعل ذلك الوزير الياباني "الساذج الاهبل" الذي استقال، بدافع من حس الشهامة والمسؤولية والأخلاق العالية، لمجرد انقطاع التيار الكهربائي عن طوكيو لعدة ساعات! قادتنا، كما تعلمون يا سادة، صُنعوا من ذات الطينة المصنوع منها زعماء الوطن العربي الحبيب.
يتحدث قادة الأحزاب العربية باستمرار عن قيم الديمقراطية الغربية ويبدون بها اعجابا منقطع النظير ويدعون الدولة الى تبنيها في علاقتها مع العرب وفي ذات الوقت نراهم يمارسون الاستبداد السياسي العنيف داخل احزابهم.   منتهى الحديث الان هو ان الطابة، كما يقولون، في ملعب الناخبين العرب، المغلوب على امرهم، فهل يتعلمون الدرس ويبحثون عن بديل ما أو حل ما يلقن تلك القيادات المتهالكة المتهافتة، التي قضت ساعات وايام في مناقشة تقسيم مقعد الى ارباع واثلاث، درس تتذكره الأجيال ويشكل منعطف مفصلي في واقعنا وفي مستقبلنا! اصارحكم بأنني لست واثقا ولا متفائلا وأخشى ما اخشاه ان ما كان وما هو موجود هو ما سيكون لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. 

المقال بقلم : المحاضر والباحث كمال موعد من عرابة

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:
 [email protected].