يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - الحمار الحكيم
لا أدري كيف وجدته، كان متكئًا على جدار من الحجارة عليها بعض الطحالب، في يده عصًا تعينه على السير، حين تفرست وجهه وشاهدت بأم عيني نظارته المستديرة أدركت من هو، كان وحيدًا منهكًا ولكن ما زال فيه من القوة،
يوسف ابو جعفر - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا
كان في غفوة وصوت أقدامي على حشيش الأرض أيقظه، أشرت أليه أن كان يريد مساعدة فأشار إلى حجر بجانبه ودعاني للجلوس قائلًا، مساعدي سيصل بعد قليل لننطلق فإن أردت الصحبة والراحة حتى يصل فلا عليك.
جلبة واصوات أقدام وخشخشة قطع حديدية جاءت بعد قليل، كان حمارًا ببرذعة وخرج فيه بعض الكتب وشاهدت بينها حاسوبًا نقالًا ربما آيباد، وقف الحمار غير بعيد، قلت لقد جاء حمارك ولم يحضر مساعدك، فابتسم قائلًا لم تتغيروا، هذا مساعدي وليس حماري!
وبين ابتسامة وغضب الحمار نطق الحمار قائلًا، لقد بلغت شهرتي الآفاق وأنتم اليوم لا تذكروني ولا تعرفون من أكون؟ لوهلة الذهول سيطر على فكري وعقلي، الحمار يتكلم ينطق فاستطرد قائلًا أنا الحمار الحكيم، أنا مساعد الحكيم، لقد خرج القاضي إلى التقاعد وخرجنا سويًا نطوف العالم، كنت مساعدًا واليوم بعد أن قرر الحكيم الاعتزال أنا الذي أدير شؤوننا، أنا والحكيم.
أشاح الحكيم بوجهه وأكمل الحمار قائلًا، أتعرف لماذا خرجت من شرقكم؟ لماذا لم أعد؟ لم يعطني حتى فرصة لأجيب واستمر يتحدث لماذا ولماذا حتى صرخت به قائلًا، عندما التقي أخيرًا بالحكيم تأتي أنت لتفسد الفرصة، كيف للحمير أن تنطق؟ أن تفكر، أن تدعي الحكمة؟
هنا تململ الحكيم واعتدل في جلسته قائلًا، مند قرن كنت أنا الحكيم اليوم حماري هو الحكيم، هو الذي يعرف كل ما يدور اسأله عن أخبار العالم سيفيدك! عن العلوم والديمقراطية والحياة بكل ما فيها سيجيبك، حماري أصبح حكيمًا أكثر منكم لذلك قرر معي اعتزالكم، الفرق الوحيد بيني وبينه أن حماري يحب الثرثرة وأنا أحب الهدوء والصمت، لذلك إما أن تتركنا أو يكون جليسك الحمار حتى نتحرك.
نظرت إلى الحمار وكلي حسرة، من يترك الحكيم ليجالس حمار فحرك رأسه وقال : لا بد أنك متفاجئ من رد الحكيم، أرى في عينيك الحسرة والحزن، قلت نعم، قال دعني أخبرك.
هل رأيت حمارًا يقتل حمارًا ؟ هل رأيت حمارًا يغتاب آخر؟ وبدأ يسرد لي رواية الاختلاف في منهاج الانسان والحمار على طريقة الحكيم، وبدون مقدمات رأيته أخرج نظارة وبدأ في استعمال الحاسوب، يعطيني الأرقام والمعطيات حتى للحظة أدركت أني خاسر لا محالة، فالشكل حمار والعقل حكيم.
خطرت في بالي فكره قلت له : ما رأيك أن أضع بين يديك مشاكلنا ربما نظامك الحميري يستطيع حلها ! فهز رأسه بالموافقة لكن بشرط الحق في الامتناع عن الإجابة إذا شعرت بتهديد منكم أيها البشر.
ما رأيك في ديمقراطية الشرق؟
الحمار: الديمقراطية قديمة وعندما كان الإغريق يناقشونها كان العبيد يعصرون العنب ويقدمون الطعام للسادة، فلا تغرنكم الجمل الكبيرة والكلمات المزركشة، أنتم اقرب اليوم إلى الفوضى من العدل، فلا صغيركم يوقر كبيركم ولا قيمكم تلائم أفكاركم وقويكم يأكل ضعيفكم وسيدكم الظالم تتحالفون معه ضد الأضعف، تتكلمون عن الشرف وأبناءكم يسرقون ويقتلون.
قلت سألتك الديمقراطية ! وليس المجتمع.
الحمار: مهلًا أنتم كمثل الإغريق اليوم تتكلمون عن الماضي وتعتدون به وغيركم من يقتدي بهم، فحضارة الإسلام بعيدة عنكم بالمثل.
قلت: دعك من هذا وحدثني عن العنف ؟
الحمار: ويلكم ما أكذبكم تعرفون القاتل وتحمونه، تعرفون المجرم وتسترونه، تعرفون السارق وتأكلون طعامه تنادون بالقانون وتمنعون تنفيذه.
قلت: وماذا عن الحب؟
الحمار: حتى في حبكم أنتم مقلدون وفي داخل نفوسكم له كارهون، ترونه كلمات وهو أسمى شعور، تسترقون الحرام وبين أيديكم الحلال، حبكم مزيف ككلماتكم المتعثرة.
قلت ماذا عن ... فإذا بصوت الرصاص ينطلق، سمعته قريبًا فقلت حسبي الله على مطلقي الرصاص وفجاة وجدت أني صحوت من الحلم، فحمدت الله على ذلك والتفتت حولي فإذا بالمؤذن ينادي، خرجت إلى المسجد وأنا لا ادري هل كنت مع الحكيم أم الحمار؟
وحتى نلتقي، الحمد لله أني لم استمر في مناقشة الحمار فقد كان مثقفًا وواعيًا قارئًا يرافقة الحكيم قلت لو استمر الحلم لقلت له ابقى مع الحكيم وإياك أن تعود حتى تسمع أن الشرق صحى من غفوة طالت وغطت حتى ظننا أنها غفوة الموت، أم تراها مخاض ولادة من جديد؟
من هنا وهناك
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - الحمار الحكيم
-
مقال: ‘وفي السياسة أيضًا، من الحبّ ما قتل‘ - بقلم : المحامي زكي كمال
-
البكتيريا التي تنقذ السّلَطَة | بقلم: تومر عتير - زاڤيت
-
مقال : ‘دور لجان الصلح في مجابهة العنف‘ - بقلم : د. غزال أبو ريا
-
رياض حاج يحيى يكتب : تصوير القتلى بعد الحوادث الإجرامية - انتهاك للقيم والأخلاق
-
مي يونس- بدرة تكتب : في رثاء والدتي... الكمنجات صوت الوفاء الغائب!
-
‘ يونس نصار الوطني الشهم ‘ - بقلم : محمد بركة
-
مقال: حتى نلتقي الجانب المظلم للقمر - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
د. سهيل دياب يكتب : افخاخ نتنياهو لقلب الطاولة على الاتفاق !
-
المحامي سعيد حاج يحيى يكتب : عامٌ من الإخفاقات والوعود المكسورة في بلدية الطيبة
أرسل خبرا