مقال | وجاء بايدن مُغازِلًا وليس مُنازِلًا
رغم أنّ زيارة الرئيس الأمريكيّ جو بايدن إلى المملكة العربيّة السعوديّة وإسرائيل خاصة والشرق الأوسط عامة، لم تنته بعد حتى ساعة كتابة هذا المقال،
المحامي زكي كمال
"ولم يصعد الدخان الأبيض" إيذانًا بانتهائها، أو ما قد تحتويه من الإنجازات الكبيرة أو غيرها، إلا أنّه يمكن بما يقترب من التأكيد القول: إنّ محطات الزيارة وفعاليّاتها تشير إلى معالجة أربع قضايا رئيسية مع مراعاة الفوارق في أهمّيّتها لأمريكا أولًا وحلفائها في المنطقة ثانيًا وربما للعالم، وهي النوويّ الإيراني، والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، ومحاولات توسيع " اتفاقيات إبراهام "، وتوفير كميات النفط التي تنقص أمريكا والعالم بسبب الحرب الأوكرانيّة والعقوبات المفروضة على روسيا.
كانت هذه زيارة يمكن وصفها بأنها زيارة تحاول أمريكا بايدن فيها إعادة السعوديّة إلى حظيرتها عبر زيارة تمنحها، ظاهريًّا على الأقل، المكانة التي تريدها تحت حكم محمد بن سلمان الفعليّ، وهي مكانة الدولة الكبرى إقليميًّا والقويّة اقتصاديًّا على المستوى النفطيّ العالميّ، عبر إغداق مظاهر الاحترام والتقدير على محمد بن سلمان وحاشيته ( وكلنا ما زلنا نذكر مشاركة دونالد ترامب في رقصة العرضة السعودية التقليدية خلال زيارته للسعوديّة ) بدءًا بالوفود التي زارت السعوديّة قبل الزيارة تحضيرًا وتمهيدًا مرورًا بمقالات سنعود إليها " تُطري " على السعوديّة ومكانتها، وانتهاء بجعل السعوديّة المقر لأهم مراحل الزيارة وهي لقاء بن سلمان وقمة دول الخليج ومعها مصر والأردن والعراق وربما جهات أُخرى، بمعنى أنّ زيارة بايدن للسعوديّة هذه المرة، وعلى النقيض من تصريحاته السابقة ضدها وضد ولي عهدها، يمكن وصفها بأنها زيارة احتضان لتخفيف الاحتقان بين البلدين، أو زيارة مغازَلة وليست مُنازَلَة أو حتى زيارة استرضاء تنهي الاستعداء.
" وقائع تكشف المستور "
ما سبق يستند إلى وقائع وإشارات عديدة يمكنها أن تكشف المستور وأن تُلقي الضوء على ما تريده الولايات المتحدة من هذه الزيارة، وهذا هو الأهم بالنسبة لها، فمصالحها أولًا ثم مصالح حليفتها إسرائيل وبعدها مصالح الدول الأخرى وشعوبها، لعل أولها هو المقال غير المسبوق الذي كتبه الرئيس الأمريكي جو بايدن في صحيفة واشنطن بوست الأمريكيّة يوم الأحد من هذا الأسبوع، أي قبل ثلاثة أيام من وصوله إسرائيل في زيارته الأولى لها رئيسًا، بعنوان " لماذا سأذهب إلى السعوديّة؟ "، وهو غير مسبوق في مضمونه من جهة وقبل ذلك في مجرد نشره، فمنذ متى يهتم رئيس الدولة العظمى في العالم بكتابة مقال يوجهه للسعوديّين أولًا وللأمريكيّين الديمقراطيّين ثانيًا وللعالم ثالثًا، يشرح فيه الأسباب ودوافع الزيارة، مستخدمًا عبارات تمزج بشكل واضح بين الشرح من جهة والاعتذار من جهة أخرى، أو بكلمات أخرى فإن بايدن يؤكد لمن يجيد قراءة ما بين السطور أنه سيزور السعوديّة مكرهًا أو مجبَرًا أخاك لا بطل، فهو بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى، وفي كافة القضايا سابقة الذكر، النفط وإيران و" اتفاقيات إبراهام "، ووفق هذا الترتيب، الذي يعكس أهمية القضايا بالنسبة لأمريكا فهي بحاجة إلى بديل عن النفط الروسيّ لمنع ارتفاع أسعاره في العالم عامة والولايات المتحدة خاصة، وهي التي تضاعفت تقريبًا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانيّة، ولهذا فهو بحاجة إلى " مصالحة السعوديّة " أو مغازلتها لتخفيف عبء ارتفاع الأسعار عن مواطنيه، وذلك لتحسين صورته عشية انتخابات المنتصف القريبة والمعطيات التي تشير إلى أنّ 64% من الأمريكيّين غير راضين عنه، وكذلك قضية منع الإجهاض التي قرر مواجهتها بأوامر رئاسية تلغي قرار المحكمة العليا بهذا الشأن، وهو يعبر عن ذلك بقوله في مقاله المذكور قائلًا إنّ هدفه منذ البداية، كان إعادة توجيه العلاقات مع السعوديّة وليس قطعها، فهي دولة كانت شريكًا استراتيجيًّا لمدة 80 عامًا، خاصةً بعد أن ساهمت – كما قال - في استعادة الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجيّ الست ( المصالحة مع قطر برعاية أمريكيّة علمًا أن أمريكا هي التي منعت غزو قطر من قبل السعوديّة والإمارات وحلفائهما في الخليج وخارجه عام 2017 في عهد وزير الخارجيّة السابق تيلرسون )، ودعمت الهدنة في اليمن بشكل كامل، وتعمل الآن للمساعدة في استقرار أسواق النفط مع منتجي أوبك الآخرين"، وهنا بيت القصيد فبايدن يمتدح السعوديّة على إعادة العلاقات مع قطر رغم أن كثيرين يؤكدون أن العوامل الاقتصادية ( قطر المصدر الأكبر للمواد الغذائيّة للسعوديّة ) من جهة والمنافسة بين المحمدين، الإماراتيّ بن زايد والسعوديّ بن سلمان على الريادة في الخليج، هي التي دفعت بابن سلمان لمصالحة قطر، لكن بايدن يجيِّر كل هذه الوقائع لتمجيد السعوديّة وتصويرها على أنها، فعلًا كما يريد شعبها وقيادتها اعتبارها دولة كبيرة وهامة تريد أمريكا ودها والتقرب منها وليس العكس، وهو يدري أن زيارته تبدو مستهجنة في نظر الكثيرين ومنهم دون شك جو بايدن المواطن الأمريكيّ العادي وليس الرئيس، لكن للضرورة أحكام، فيضيف في مقاله، أنه يعلم أن هناك الكثير ممن لا يتفقون مع قراره بالسفر إلى المملكة العربيّة السعودية. ولهؤلاء يقول: " آرائي حول حقوق الإنسان واضحة وطويلة الأمد، والحريات الأساسيّة دائمًا ما تكون على جدول الأعمال عندما أسافر إلى الخارج، كما ستكون خلال هذه الرحلة، تمامًا كما ستكون في إسرائيل والضفة الغربيّة." ويواصل أنه سيكون أول رئيس يطير من إسرائيل إلى مدينة جدة في السعودية، معتبرًا أن ذلك سيكون رمزًا صغيرًا للعلاقات والخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربيّ.
" قلب كفة الميزان "
لم يكن تركيز بايدن في هذه الجزئيّة من مقاله على " الربط بين السعوديّة وإسرائيل " عبثًا أو سهوًا، بل إنه تعبير عن أن الزيارة تأتي بالأساس لمصلحتهما ومن أجلهما دون غيرهما وأكثر من غيرهما، أما الزيارة إلى مصر فهي جزء من نهج الرؤساء الأمريكيّين ومنهم باراك أوباما الذي زار مصر عام 2009 باعتبارها حليفة، بفارق بسيط لكنه أساسيّ وجوهريّ، وهو أن أوباما جاء فيها داعيًا إلى الفهم المتبادل بين العالم الإسلاميّ والعالم الغربيّ، فقد أوضح أنه يجب على الطرفين أن يبذلا وسعيهما لمواجهة التطرف، قبل أن تنقلب الدنيا رأسًا على عقب عبر سيطرة الإخوان المسلمين على مقاليد السلطة في مصر، وذلك بعد أن طالب أوباما نفسه مبارك بالتنحي بعد احتجاجات ميدان التحرير، وبعدها ظهور داعش وغيرها، أما السعوديّة اليوم فهي مصدر النفط وهي " الصمغ " الذي يمكنه أن يجمع دول أوبك بلوس ( باستثناء روسيا )، وهي الدولة الأكبر خليجيًّا التي يمكن لموقفها قلب كفة الميزان ضد إيران في قضية النوويّ وربما تمهيد الطريق لتشكيل "ناتو شرق أوسطيّ جديد" لمواجهتها، أو تحالف للدول السنيّة مع إسرائيل يرافقه مخطط اقتصاديّ بمثابة خطة مارشال شرق أوسطيّة تحسّن من أوضاع دول المنطقة وإسرائيل والفلسطينيّين، علمًا أن الزيارة بدون هذه الخطة لا تحمل للفلسطينيّين بشرى واحدة ويقينًا أنها ستكون الأخيرة، وهي قرار الإدارة الأمريكيّة أن تتم الزيارة الرئاسيّة لشرقيّ القدس دون مسؤولين إسرائيليّين وتقديم دعم ماليّ بقيمة 100 مليون دولار للمستشفيات الفلسطينيّة هناك، وهذا كل ما سيحصل عليه الفلسطينيون من هذه الزيارة رغم أنهم أرادوا استغلالها لإعادة طرح قضيّة اغتيال الصحافيّة شيرين أبو عاقلة، لا سيّما وأنّها مواطنة أمريكية، وأن تقرير الخارجيّة الأمريكيّة أشار إلى أنه لا يمكن تحديد هويّة مطلق العيار القاتل الذي أصاب شيرين، وبالرغم من ذلك فمن المرجح أن تكون الرصاصة قد أُطْلِقَت من موقع كان فيه جنود إسرائيليّون، لكن الفلسطينيّين هنا وكما في السنوات الأخيرة هم الطرف الأضعف خاصة أن المضيف الرئيسيّ هو يائير لبيد رئيس الحكومة الانتقاليّ الذي لن يبادر خلال الأشهر القريبة إلى خطوات سياسية مع الفلسطينيّين تغير الواقع، وذلك تجنبًا لمنح اليمين والليكود سلاحًا ضده خلال المعركة الانتخابيّة، ناهيك عن أنه من شبه المؤكد أن يكون بايدن في قرارة نفسه يتمنى نتائج تساعد لبيد في الانتخابات سواء كانت تطبيعًا كاملًا أو جزئيًّا مع السعوديّة أو على الأقل موافقة سعوديّة على السماح لكافة الطائرات الإسرائيليّة عبور أجوائها في طريقها إلى الشرق الأوسط ومنه، وربما تمكين الحجاج من الفلسطينيّين والعرب في إسرائيل من السفر لتأدية فريضة الحج طيرانًا من مطار بن غوريون إلى مكة المكرمة، ويكون ذلك بمثابة " أول الغيث قطر" ، نكاية ببنيامين نتنياهو الذي التقاه بايدن لمدة ربع ساعة بحكم بروتوكول الزيارات المتبع بين واشنطن وإسرائيل، أما المضيف الثاني فهو محمد بن سلمان الذي يريد التطبيع، لكنه لا يريد القفز على موقف والده الملك سلمان المعارض، والدليل على ذلك مغازلة ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، إسرائيل وتصريحاته المتكررة، والتي بداها منذ 2018 في مقابلة مع صحيفة " ذا أتلانتيك "، بأن المملكة وإسرائيل تتقاسمان عدوًّا مشتركًا وهو إيران، وأن للإسرائيليّين الحق في العيش على أرضهم، وهو اعتراف بحق إسرائيل في الوجود ، وتأييده الضمنيّ والصامت لـ " اتفاقيات إبراهام " وتصريحات الناطقين بلسانه في الأيام التي سبقت الزيارة الحالية، أن إيران ما زالت العدو الأكبر وأن التطبيع مع إسرائيل آتٍ لا محالة، وبالتالي من المرجح أن يواصل الفلسطينيّون دفع ثمن التقارب السعوديّ - الإسرائيليّ، ويأمل المسؤولون في إسرائيل بأن يؤدي تحسن العلاقات مع العالم العربيّ إلى ممارسة المزيد من الضغوط من قبل العرب على القيادة الفلسطينيّة المنهكة داخليًّا وإقليميًّا وإبقائها مهمشة عربيًّا، وذلك بهدف تقديم تنازلات في المسائل العالقة والمصيريّة، خاصة قضيّة اللاجئين، ومصير مدينة القدس، والحدود، والمسائل الأمنية، حيث لا يخفى على أحد أن الاهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة لم يعد يتصدر أولويات الدول العربيّة التي تعاني من متاعبها الداخليّة، ويبدو أن أغلب القادة العرب باتوا أكثر جرأة في إعلان علاقاتهم مع تل أبيب وانتقاد الجانب الفلسطينيّ. وفي مثل هذه الأجواء، قد يبادر ولي العهد السعوديّ، الذي يحاول تحسين صورته في الغرب، إلى لقاء مسؤولين إسرائيليّين علنًا وبرعاية أمريكيّة من أجل كسر الجليد وتشجيع المفاوضات مع الفلسطينيّين.
" أزمات اقتصادية "
سيكون الاقتصاد ماثلًا بقوة في هذه الزيارة على ضوء الأزمات الاقتصاديّة التي تعصف بالعالم العربيّ، وتجعل بعض دوله على ضوء ارتفاع أسعار السلع مؤخرًا، غير قادرة على تمويل وتوفير المستلزمات والمنتجات الأساسيّة لمواطنيها كالخبز، ومنها مصر واليمن والعراق، وذلك عبر حديث متواصل عن خطة مارشال اقتصاديّة سيتم اقتراحها على دول المنطقة، بما فيها العراق الذي أقر برلمانه قانونًا يُحَرِّم أي اتصال مع إسرائيل وربما لإقناع العراق عبر دعمه ماديًّا بإلغاء هذا القرار، انطلاقًا من القول العاميّ: " طَعْمي الفم بتستحي العين "، وهو ما كشف عنه أحد المقربين لإسرائيل وللرئيس الأمريكيّ بايدن وهو رون لاودر رئيس المؤتمر اليهوديّ العالميّ في مقالة نشرها بتاريخ 2.7.2022 حين قال إن الرئيس الأمريكيّ جو بايدن، على وشك الشروع في ما قد يكون أهم رحلة في تاريخ رئاسته حتى الآن، موضحًا أن بايدن سيزور الشرق الأوسط الغني بالنفط، ولا سيما المملكة العربيّة السعودية، لإبلاغ المملكة بحقيقة أنها لا تزال حليفًا قويًّا وأن المنطقة بأكملها لا تزال حيويّة للمصالح الاستراتيجيّة للولايات المتحدة، وأن الزيارة تمثل فرصة أكبر يجب أن يأخذها الرئيس في الاعتبار، والتي يمكن أن تحل واحدة من أطول الصراعات التاريخيّة - وهو الصراع الذي يمنع الشراكات القويّة والسلام طويل الأمد في المنطقة، حيث أن هناك عدد متزايد من القادة العرب في جلسات خاصة يرغبون بشدة في اتخاذ نفس الخطوات تجاه المصالحة مع إسرائيل التي شهدناها مع " اتفاقيّات ابراهام " في عام 2020، لكنهم لا يستطيعون فعل ذلك حتى يتم التوصل إلى حل مع الفلسطينيّين، دون أن ينسى الإشارة إلى القمة العسكريّة السريّة الأخيرة التي عقدت في مصر بين القيادة المركزيّة الأمريكيّة ومسؤولين عسكريّين إسرائيليّين وعرب، فهي مؤشر آخر على المواقف المتغيرة بسبب التهديد الموحد من إيران.
في نسخة جديدة لكنها مختلفة من " ورشة المنامة " يقترح لاودر خطة مارشال اقتصاديّة يكون فيها الطرفان الإسرائيليّ والفلسطينيّ أكبر الرابحين منها، كما يدعي، ويبدو أن هذا ما سيكون، بالنظر إلى عقود من جهود السلام الفاشلة، تجعل أمريكا تعتقد أنه الوقت المناسب تمامًا لتقديم مبادرة جديدة للفلسطينيّين لا يمكنهم رفضها، وهي " خطة مارشال " التي من شأنها أن تقدم للجيل القادم من الفلسطينيّين مستقبلًا مليئًا بالثروة والنجاح والاعتماد على الذات، تمامًا كخطة مارشال الأصليّة، التي سميت على اسم وزير الخارجيّة الأمريكيّ جورج سي مارشال، وشكلت الأساس لإعادة بناء أوروبا الممزقة بعد الحرب العالميّة الثانية وأعادت بناء وتحديث الصناعة الأوروبية التي دمرت خلال الحرب وأعادت ثقة القارة بنفسها بعد أن خرجت محبطة من الحرب. لكن أهم فوائدها أنها ساعدت على تهدئة أوروبا، التي عانت في غضون أقل من 40 عامًا حربين عالميّتين أسفرت عن مقتل أكثر من 100 مليون إنسان.
" مستقبل اقتصاديّ أفضل "
من الواضح أن التمويل لهذه الخطة لن يكون من قبل الولايات المتحدة وحدها بل ستنضم اليها أوروبا والمملكة العربيّة السعوديّة ودول أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل التي ستكون، إلى جانب الفلسطينيّين، وهم المستفيد الرئيسيّ، وستركز الخطة على إنشاء الشركات الصغيرة وبناء المنازل والفنادق والمطاعم وخلق فرص العمل التي من شأنها أن توفر مستقبلًا إيجابيًّا للجيل القادم، وهو ما يقول عنه رون لاودر أنه في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، سيتضاعف نصيب الفرد الفلسطينيّ من الثروة سنويًّا، وكلما أصبح الكيان الفلسطينيّ المستقبليّ أكثر ثراءً، زاد احتمال أن يكون دولة ناجحة وقابلة للحياة كما ينبغي - وستستفيد كل دولة في المنطقة من هذا التغيير، فإسرائيل هي إحدى حاضنات التكنولوجيا المتقدمة الرائدة في العالم، والشباب الفلسطينيّ يعرف هذا ويهتم جدًا بالمشاركة في هذا القطاع، وبالتالي سيتعين- كما يقول - على الآباء الفلسطينيّين أن يقرروا ما إذا كان عداؤهم أو خصامهم ونزاعهم لإسرائيل قويًّا لدرجة أنهم يفضلون أن يكبر أطفالهم فقراء، أو أن يشاركوا في مستقبل اقتصاديّ أفضل مع جيرانهم اليهود وأن يعيشوا حياة أكمل وعائلات أكثر سعادة، فكما كانت خطة مارشال مفيدة ليس لأوروبا وحدها، بل ساعدت العالم بأسره، سيكون لها نفس التأثير لخلق مستقبل جديد للفلسطينيّين والإسرائيليّين، وسيكون له فوائد تمتد إلى ما هو أبعد من المنطقة المجاورة.
التقارب السعوديّ الإسرائيليّ والذي تغذيه خلفية العداء مع إيران، تدفعه وتشرعنه موافقة إسرائيل نهائيًّا على نقل جزيرتي صنافير وتيران المصريّتين إلى السيادة السعوديّة التامة، وهما جزيرتان انسحبت منهما إسرائيل ضمن اتفاقيات كامب ديفيد ولها فيهما احتياجات أمنيّة، ما يلزم موافقتها على نقلهما وفق اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام1979، وهو ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيليّ يائير لبيد مطلع هذا الأسبوع، إلى تأكيد التقارب مع السعوديّة قائلًا إنه أمر ممكن. إلا أنه حذر من المبالغة في الآمال، إذ إن عمليّة التقارب هذه طويلة ولا تتقدم إلا بخطوات صغيرة، رغم أن لبيد لن يرفض أن يكون التطبيع (مع السعودية) خطوة تسبق التوديع أو تمنع التوديع (توديع منصب رئيس الوزراء).
وإذا كنا بحاجة إلى تأكيد إضافي على أهميّة مغازلة السعوديّة وإرضائها أمريكيًّا وإسرائيليًّا، جاء الإعلان الإيرانيّ عن زيارة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إلى طهران الأسبوع القادم وتحديدًا في التاسع عشر من الشهر الحالي، أي بعد انتهاء زيارة بايدن واتضاح المعالم الأوليّة لنتائجها، والتي أعلنها الكرملين وأكدها قبله رئيس لجنة الاقتصاد في البرلمان الإيرانيّ محمد رضا إبراهيمي، والتي سيلتقي خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الذي سبق والتقى محمد بن سلمان قبل أسبوعين) كما سيلتقي بوتين الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسيّ، وهي زيارة يتزامن الإعلان عنها مع إعلان المخابرات الأمريكيّة أن روسيا طلبت من إيران تزويدها بمئات الطائرات المسيَّرة، لاستخدامها في الحرب الأوكرانيّة وهي نفس الطائرات التي استخدمها حزب الله في جولات استطلاعيّة فوق منصة الغاز " كاريش " في البحر المتوسط، ونفس الطائرات التي يستخدمها الحوثيّون في ضرب المنشآت النفطيّة والأمنيّة السعوديّة، في تأكيد آخر على أن إيران موجودة وحاضرة بقوة في كافة ساحات المواجهة العسكريّة في الشرق الأوسط والعالم، وهو ما تستخدمه إسرائيل وأمريكا مبررًا لضرورة منعها من امتلاك أسلحة نوويّة وما يدفع جاراتها إلى اعتبارها التهديد الأكبر على أمنها وسلامة مواطنيها.
ختامًا: يُكثِر الأمريكيّون، ولتأكيد موقفهم من أمر ما، من استخدام المثل الشعبي المعروف جدًا: " إذا كان يسير كالبطة ويصدر صوتًّا كالبطة فإنه حتمًا بطة "، وهذا ما يمكن أن نقوله في زيارة بايدن إلى المنطقة والسعودية: "إذا كانت تبدو كزيارة استرضاء ومغازلة وترافقها وتسبقها مبادرات استرضاء ومغازلة (مقال خاص للرئيس يمتدح فيه السعوديّة ومحمد بن سلمان) فإنها دون شك زيارة مغازلة واسترضاء، وليست زيارة مُنازلة أو استعداء، بل إن بايدن سيكون مؤدبًا يريد من مضيفه أن يكرمه في أمور محددة وواضحة ألمح إليها دون تصريح، عملًا بالقول" إن اللبيب من الإشارة يفهم "، ولم يكتف بذلك بل سجلها في مقاله في توضيح صريح ما بعده توضيح.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected].
من هنا وهناك
-
‘نداء لاعضاء المجلس البلدي في الطيبة‘ - بقلم : د. حسام عازم سكرتير جبهة الطيبة
-
مقال: سقف التوقعات ... وأثره على استقرار الفرد ونجاحه - بقلم: بلال سعيد حسونة
-
مقال: الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر تركيا دروب الموت والابتزاز - بقلم : د. حسن العاصي
-
مائير بن شبات يكتب : الاختبار الإسرائيلي في لبنان - حزب الله سيحاول استرجاع كرامته الضائعة
-
يوسف أبو جعفر يكتب : حتى نلتقي - الوهم
-
هل يوجد ما بعد قرارات المحكمة الجنائيّة الدوليّة ؟
-
د. جمال زحالقة يكتب : إسرائيل توقف الحرب على لبنان مضطرة
-
كيف يرتبط الفقر وغاز الأوزون بمرض السكري؟
-
قراءة في كتاب سعيد نفاع ‘عرب الـ 48 الهوية الممزقة بين الشعار والممارسة‘ - بقلم : زياد شليوط – شفاعمرو
-
‘ لجان الأحياء، أهميتها ودورها ‘ - بقلم : د. غزال أبو ريا
أرسل خبرا