logo

مقال بعنوان: ‘غريب في دارنا ‘ - بقلم: سليم السعدي

بقلم: سليم السعدي
18-12-2025 15:14:33 اخر تحديث: 19-12-2025 13:48:28

لا شكّ أنّ القارئ سيتساءل: من هو الغريب في دارنا، ونحن لم نأذن يومًا للغرباء أن يدخلوها؟ غير أنّ السؤال، وإن بدا بسيطًا، يخفي وراءه تاريخًا طويلًا من الالتباس والتزييف، حيث لم يكن الغريب طارقًا للباب،

سليم السعدي - صورة شخصية

بل متسلّلًا بالقوة، متجاوزًا الوصية والعهد.

ذلك الغريب الذي ورد ذكره في الكتب المقدسة بوصفه غريبًا في الأرض، لكنه لم يرضَ بمقام الغريب، ولم يلتزم بما أُمِر به، فاختار أن يصنع لنفسه دارًا بالقوة، وأن ينسبها زورًا إلى وعدٍ لم يُعطَ له على حساب سواه.

قد يُتَّهم هذا الطرح بتزوير التاريخ أو تحريف النصوص، غير أنّ السيد المسيح عليه السلام قال بوضوح: «فتّشوا الكتب». وحين نعود إلى الكتب بعينٍ ناقدة وعقلٍ حرّ، نجد أنّ الحقيقة لا تحتاج إلى تزييف.
نجد حديثًا متكررًا عن نقض العهود، وإهدار الوصايا، والتمادي في الفساد، حتى شهدت النصوص على أصحابها قبل أن يشهد عليهم التاريخ.

لقد تحدّثت الكتب عن أنبياء قُوبلوا بالتكذيب، وعن رسلٍ نُفوا أو قُتلوا أو شُوّهت رسالاتهم، لا لذنبٍ ارتكبوه، بل لأنهم وقفوا في وجه السلطة الدينية والسياسية حين انحرفت عن جوهر الإيمان. وقد جاءت شهادة السيد المسيح عليه السلام حاسمة في التمييز بين الإيمان الحقّ واستغلال الدين لتبرير الظلم.

والأخطر من ذلك كلّه، أنّ هذا الغريب لم يكتفِ بنقض العهد، بل تحالف مع من يمثّل جوهر الشرّ في الوعي الديني، ذاك الذي كان سبب إخراج الإنسان من الجنة الأولى. واليوم، يتكرّر المشهد على نطاق أوسع، حيث يُهدَّد السلم الإنساني، وتُستباح الأرض، ويُسفك الدم باسم قداسةٍ زائفة.

لقد بلغ الغرور حدّ الادّعاء بالاصطفاء المطلق، بل وبامتلاك الحقيقة الإلهية وحده، حتى صار القتل يُشرعن، والاغتصاب يُبرَّر، وسرقة الأرض تُقدَّم بوصفها حقًا مقدّسًا. وهذا ليس دينًا، بل انحراف عن جوهر الرسالات السماوية جميعها.

التاريخ علّمنا أن الطغيان، مهما طال، لا يدوم. وكما كان الطوفان شاهدًا على فسادٍ سابق، جاءت أحداث عصرنا لتكشف الصورة أمام العالم، وتسقط الأقنعة عن خطابٍ طالما ادّعى المظلومية وهو يمارس الظلم.

إن الغريب في دارنا ليس من يمرّ عابرًا، بل من يصرّ على البقاء بالقوة، رافضًا الحق، متمرّدًا على العدل، ومهدّدًا مستقبل الإنسانية بعناده. وستبقى الحقيقة، مهما حوصرت، أقوى من السلاح، وأبقى من الزيف.