logo

مقال: هل تُعدّ الخنازير البرّية في حيفا مشكلة تخصّ الأغنياء فقط؟ بقلم : مَتان لاؤور - زاڤيت

بقلم : مَتان لاؤور، زاڤيت
02-12-2025 15:33:00 اخر تحديث: 02-12-2025 16:51:08

بينما أصبحت الخنازير البرّية جزءًا من شوارع المدينة، يتّضح وجود فجوة بين الأحياء المختلفة في طريقة التبليغ ومستوى التعامل مع الظاهرة. هل يكمن الحل في مجموعة حلول يتم تصميمها لكل حي على حده؟

صورة توضيحية - (Photo by SERGEI GAPON/AFP via Getty Images)

تشكل ظاهرة تجوّل الخنازير البرّية في منطقة حيفا تحديًا معقّدًا للسكان والسلطات. فهذه الحيوانات جزء لا يتجزأ من الأنظمة البيئية في المنطقة، وهي حاضرة بشكل يومي داخل البيئة المدنيّة. وهكذا ينشأ الصراع بين الرغبة في الحفاظ على الطبيعة والحيوانات من جهة، وبين الحاجة لحماية أمن السكان وممتلكاتهم من جهة أخرى. كشف بحث جديد عن معطيات مفاجئة تُظهر وجود علاقة بين طريقة التعامل مع الخنازير وبين الخصائص الاجتماعية–الاقتصادية للسكان، وأثار التساؤل: هل تُعدّ مشكلة الخنازير البرّية في حيفا مشكلة تخصّ الأغنياء فقط؟

أين تظهر الخنازير أكثر؟

يشير تقرير مراقب الدولة الذي نُشر في شهر تموز إلى صورة وضع مقلقة فيما يتعلق بإدارة موضوع الخنازير البرّية في السلطات المحلية في إسرائيل. فقد وجد التقرير أنّه لا توجد منظومة قانونية منظّمة لهذا الموضوع، ولا توجد استراتيجية طويلة الأمد أو خطط وقائية منسّقة، مما يعني أنّ كل سلطة محلية تتعامل مع الظاهرة حسب ما تراه مناسبًا. وبحسب التقرير، تُواجه مدينة حيفا صعوبات في متابعة الظاهرة وتقييم فعالية الإجراءات المتّخذة.

من أجل حلّ الصراع بين السكان والخنازير البرّية، يجب فهم أنماط انتشار الخنازير وسلوكها. فقد يساعد ذلك السلطات في صياغة سياسة أكثر فاعلية، تتيح تعايشًا أكثر أمانًا بين البشر والحيوانات البرّية. استند البحث الذي أجراه عران شفارتسفوكس ضمن اللقب الثاني في علم البيئة في مدرسة علم الحيوان والمتحف على اسم شتاينهارت للتاريخ الطبيعي في جامعة تل أبيب، بإشراف د. درور بن عامي والبروفيسورة تمر ديان، وبمشاركة البروفيسور دانييل أورنشتاين من التخنيون، إلى آلاف البلاغات الواردة إلى مركز البلدية حول ظهور خنازير برّية في أحياء مختلفة من حيفا بين عامي 2014–2016. استخدم الباحثون أدوات تحليل جغرافي متقدمة وتقنيات تعلّم آلي لرسم خريطة انتشار الخنازير البرّية وربط ظهورها بخصائص بيئية واجتماعية. ركز البحث على نموذجين متوازيين لدراسة انتشار الخنازير في حيفا: نموذج بيئي ونموذج اجتماعي–اقتصادي. أشار النموذج البيئي إلى أنّ ظهور الخنازير يتركز قرب المناطق الطبيعية، وقرب أحواض التصريف (الأودية) في حيفا، وفي مناطق ذات كثافة سكانية متوسطة — وهي نتائج مشابهة لأبحاث سابقة.

النتائج المفاجِئة جاءت من النموذج الاجتماعي–الاقتصادي حيث أظهر تحليل البلاغات أنّ سكان الأحياء ذات المكانة الاجتماعية–الاقتصادية المرتفعة يبلغون بدرجة أكبر عن ظهور الخنازير. أما السكان في الأحياء ذات المكانة المنخفضة — بما يشمل أحياء عربية أو متديّنة — فقد أبلغوا عن وجود خنازير مرات أقل. هذا يعني أنّ الأحياء ذات المكانة الاجتماعية–اقتصادية المنخفضة، رغم مطابقتها للمعايير البيئية المناسبة لظهور الخنازير، تكاد لا تحصل على رعاية بلدية لأن السكان يبلغون بدرجة أقل. وبحسب شفارتسفوكس "تعتمد البلدية في تعاملها مع الخنازير بشكل شبه كامل على بلاغات السكان؛ وعندما لا يتم الإبلاغ - لا نعرف ولا نعالج المشكلة." بمعنى آخر فإن سكان الأحياء ذات المكانة الاجتماعية–الاقتصادية المرتفعة يبلغون أكثر - ويحصلون على استجابة أكبر، بينما سكان الأحياء ذات المكانة المنخفضة يبلغون أقل فلا يحصلون على معالجة كافية، حتى عندما تكون الخنازير موجودة فعليًا.

نهج أكثر تسامحًا تجاه الخنازير البرّية

"في حي نفيه شأنان لاحظنا أمرًا مثيرًا، يقول شفارتسفوكس، على الرغم من كون الحي ذا مكانة اجتماعية–اقتصادية متوسطة، إلا أنّ عدد البلاغات كان منخفضًا جدًا. بدا الأمر غريبًا لأن المنطقة مناسبة بيئيًا لظهور الخنازير. نعتقد أن السبب قد يكون وجود عمليات توعية أو تثقيف تُقلّل المخاوف وربما تغيّر نظرة السكان تجاه الخنازير - مما يؤدي إلى عدد أقل من البلاغات وأقل صراعات مع الحيوانات".

تُبرز نتائج البحث الحاجة إلى نهج متعدد الأبعاد للتعامل مع الخنازير البرّية، نهج لا يعتمد فقط على المعايير البيئية، بل يأخذ أيضًا بالسياق الاجتماعي–الاقتصادي. يساعد ذلك على تحسين التوازن بين الحفاظ على الطبيعة وبين احتياجات السكان، ووضع حلول ملائمة لكل مجتمع وسياقه الخاص. يوضح شفارتسفوكس بأن "إدارة الخنازير البرّية تتطلب فهمًا بيولوجيًا وفهمًا لردود فعل السكان. وجدنا أنّ العامل الاجتماعي–الاقتصادي يلعب دورًا مهمًا — وهذه نقطة لم يتم بحثها بعمق سابقًا." ويضيف بن عامي "نحن نعلم أنّ الحيوانات البرّية — مثل ابن آوى والخنازير البرّية — ستبقى في البيئة المدنيّة. تُظهر نتائج البحث أن للصراع مع الحيوانات البرّية بُعدًا اجتماعيًا بارزًا. وهذا يعني أن السلطات المحلية تستطيع تقليل الصراع عبر حملات توعية دقيقة وتدخلات تتلاءم مع الخصائص السكانية."

من المسؤول؟

توضح ظاهرة الخنازير البرّية في حيفا التحدي المعقّد للحياة في مدينة يلتقي فيها الإنسان بالطبيعة.

وللتعامل مع الظاهرة بشكل شمولي وأكثر فاعلية، يجب تحسين طرق الإدارة والتعامل مع الخنازير في حيفا ومدن إضافية. بذل الجهود في التوعية الملائمة، والعمل على المراقبة المستمرة، واستخدام أدوات تكنولوجية متقدّمة لتقليل الصراعات وضمان تعايش آمن للجميع.

سواء كان الأمر يتعلق بالخنازير في حيفا، أو ابن آوى في رمات غان، أو الوعول في متسبيه رمون، أو الضباع في موديعين — فإن مستقبل البيئة المدنيّة يعتمد على قدرتنا على التعلم، التكيّف، والعمل بفهم عميق للعلاقات المعقّدة بين الإنسان والطبيعة. بهذه الطريقة فقط يمكننا إنشاء مدينة حيث يتعايش الحيوانات البرية والسكان في نظام متناغم ومدروس قدر الإمكان.