د حسين الديك - صورة شخصية
وكانت تصريحات بنيامين نتنياهو بالأمس حول معبر رفح بانه سيفتح فقط للمغادرة هو خير دليل على تلك السياسية التهجيرية للاحتلال ، علما بان أن المرحلة الأولى من الاتفاق لم تُنفّذ كما وُعد؛ فقد اقر الاتفاق بان معبر رفح سيفتح للمغادرين والقادمين بعد الاسبوع الاول من توقيع الاتفاق الا ان ذلك لم يحدث ، اضافة الى ادخال المساعدات الانسانية لم تدخل الى القطاع حسب ما تم الاتفاق عليه، فعدد الشاحنات التي تدخل غزة لا يتجاوز 170–200 شاحنة يوميًا، وهو أقل بكثير من الحد المتفق عليه البالغ 600 شاحنة، ، ما يعمق الأزمة الإنسانية ويعطل أي تقدم سياسي.
لقد جاءت مبادرة الرئيس الامريكي دونالد ترمب لوقف الحرب في قطاع غزة بهدف إنقاذ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو من ثلاثة ضغوط مركزية: الضغط الداخلي الإسرائيلي المتصاعد نتيجة الفشل السياسي والأمني، وملف المحتجزين والجثث الإسرائيليين لدى حركة حماس، ووقف المظاهرات العالمية التي هزّت العواصم الغربية وأضعفت وحدة الموقف الدولي المؤيد لإسرائيل، اضافة الى تخلخل المواقف الأوروبية بشكل واضح، إذ ابتعدت بروكسل ولندن وباريس عن الاصطفاف التقليدي خلف تل أبيب، تاركة واشنطن وحيدة في الدعم المطلق، ما دفع ترامب للتدخل لاحتواء هذا التحول.
ومن هنا فأن وقف الحرب قد شكّل إنجازًا مهمًا من حيث تقليل عدد الضحايا المدنيين، رغم استمرار الاحتلال بتنفيذ عمليات عسكرية محدودة، وتبع ذلك اصدار قرار مجلس الامن الدولي رقم 2803 والذي وضع اليات تنفيذية لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق في خطة ترامب، ورغم ما جاء في هذا القرار فانه يعبر بكل وضوح عن موازين القوة على الارض ويكشف عن رؤية الولايات المتحدة الامريكية والتي تتماهى مع نوايا إسرائيل الحقيقية، وتمضي نحو تحقيق أهدافها بعيدة المدى، وفي مقدمتها التهجير بصوره المختلفة؛ قسري، أو طوعي، أو مغطّى بمبررات إنسانية مثل العلاج ومرافقة المرضى.
ان الواقع الصعب في قطاع غزة اليوم يمكن تشخيصه بأنه بيئة طاردة للحياة: خيامٌ لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، وأمطار تُغرق الخيام، وحصارٌ خانق، وانعدام مطلق لمقومات العيش، فقد اصبحت غزة اليوم "رمال وخيام فقط"، ما يدفع المواطنين إلى البحث عن أي منفذ للخروج، سواء عبر معبر كرم أبو سالم أو معبر رفح أو رحلات غير نظامية إلى دول مختلفة، وكانت رحلات ما عرف بمؤسسة "المجد الانسانية " برحلات التهجير الى جنوب افريقيا وماليزيا واندونيسيا وغيرها احد تجليات هذه المأساة الفلسطينية التي يعيشها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة.
فالحقيقة تقول بان التهجير لا يحتاج دائمًا إلى سلاح؛ فالمجاعة والإغلاق وغياب الإعمار تشكل أدوات تهجير قسري بصيغة جديدة، فطالما بقيت غزة بلا إعمار وبلا أفق سياسي ، ستظل مرشحة لموجات تهجير متتابعة، وربما أكبر مما ظهر حتى الآن، فالتهجير الصامت اصبح العنوان في هذه المرحلة في ظل استمرار الحصار وتلاشي الاستقرار السياسي والاقتصادي في قطاع غزة.
