الاستاذ رائد برهوم - صورة شخصية
كانت تلك الأحداث نذيرا واضحا بأن شيئا في المنظومة التربوية يتداعى، لكننا تعاملنا معها كوقائع عابرة، لا كأعراض لمرض أعمق. واليوم، حين تصاعدت وتيرة العنف، تبين أن الكتابة كانت على الجدار منذ زمن. لقد تجاوزت الأزمة حدود المناهج والموارد، وأصبحت أزمة وعي وانضباط داخلي. فطلاب اليوم، في كثير من البيئات المدرسية، يفتقرون إلى القدرة على ضبط النفس واحترام النظام، ليس لأن العقوبة غابت، بل لأن الوعي الذاتي غائب.
إن الانضباط الحقيقي لا يفرض من الخارج، بل يبنى في الداخل. الطالب الذي يعرف ذاته، ويعي أثر سلوكه على غيره، لا يحتاج إلى من يهدده بالعقوبة ليحسن التصرف؛ لأن ضميره يصبح المعلم الأول. لكن حين تتحول المدرسة إلى ساحة أوامر ونواهي، يغدو الانضباط طاعة شكلية تتهاوى بمجرد غياب السلطة. هنا تبدأ الفوضى، وتفقد المدرسة دورها التربوي، فينشأ جيل يهاب القانون ولا يحترمه، يطيع المعلم لا لأنه يقدره، بل لأنه يخشاه. استعادة الهدوء إلى ساحات المدارس لن تتحقق بالمزيد من الصرامة، بل ببناء شراكة تربوية واعية بين البيت والمدرسة والمجتمع. فالبيت يزرع البذرة الأولى للانضباط حين يعلم أبناءه الاعتذار والاحترام، والمدرسة تسقيها بالقدوة والحوار لا بالعقاب.
وحدها التربية التي تزرع في الطفل بوصلة داخلية، قادرة على أن تخرج جيلا منضبطا بضميره، لا بعين الرقيب. فليست القوانين ما يصنع الإنسان، بل الوعي بها. وليست العصا ما تهذب السلوك، بل الشعور بالمسؤولية. وحين يدرك الطالب أن الأخلاق ليست عبئا بل كرامة، نكون قد وضعنا أقدامنا على طريق الإصلاح الحقيقي. وكما قال الشاعر أحمد شوقي: "وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت __ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"
