logo

‘عار على مجتمع يرى ويصمت‘ - بقلم: سليم السعدي

بقلم: سليم السعدي
21-10-2025 13:53:20 اخر تحديث: 21-10-2025 14:29:18

عارٌ على مجتمعٍ يسمع ويرى ويقرأ عن الجرائم التي تُرتكب بحق أبنائه، ثم لا يكترث. عارٌ على وطنٍ كان مضرب المثل في الأخلاق والكرامة والهوية، فإذا به اليوم يئنّ تحت وطأة الفساد، وانتشار السلاح، وضياع الانتماء،

سليم السعدي - صورة شخصية

حتى صار أبناؤه يتهامسون بخوفٍ، ويتغافلون عن الحقيقة التي تُحرقهم في الصميم.

لقد تلاشت القيم التي صانت مجتمعنا لعقود، وغابت البوصلة التي كانت تجمع الفلسطيني على كلمةٍ واحدة: "الحق والهوية".

لكن حين أُطفئت نيران الوعي، وصارت وسائل المعرفة والتواصل أدوات تفرقةٍ وتضليلٍ بدل أن تكون جسورًا للنور، انكشفت حقيقة الهروب الجماعي من المسؤولية الأولى — مسؤولية الانتماء إلى الهوية العربية الفلسطينية.

كم هو موجع أن نرى شبابًا من أبناء هذا الشعب الأصيل وقد فقدوا صلتهم بدينهم، وبعروبتهم، وبذاكرتهم التاريخية، حتى صار بعضهم أدواتٍ بيد المحتل، ومدافعين عنه، ومحاربين من أجله!

أي سقوطٍ أكبر من أن يُستبدل الولاء للوطن بولاءٍ زائفٍ لعدوٍ يسرق الأرض ويزوّر التاريخ؟

لقد غلبت الحيلة على العقول، واستُدرج الجيل الجديد إلى وهمٍ اسمه "الحداثة"، فإذا بها حداثةٌ مفرغةٌ من الروح، تُعيد إنتاج الجهل ولكن بأدواتٍ رقميةٍ أكثر بريقًا. ومع كل يومٍ يمرّ، يزداد المشهد قتامةً.

يتعمق العنف والجريمة في الشارع، وتُرمى التهم جزافًا على الصالحين الذين أصبحوا عاجزين حتى عن الاعتراض، بعدما نُشر الخوف ليصبح سياسةً عامة، تُبقي المجتمع تحت سطوة الرعب، وتُمهّد لمخطط "التهجير الناعم" الذي يُفرغ الأرض من أهلها دون طلقةٍ واحدة.

إن ما يحدث ليس صدفةً ولا فوضى عابرة، بل نتيجةُ تآكلٍ أخلاقيٍّ ممنهج، وضياعٍ في المعايير الوطنية.

ولذلك، فإن مسؤوليتنا اليوم لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة.

علينا أن نواجه أنفسنا أولاً، قبل أن نواجه المحتل.

علينا أن نعيد الاعتبار للمؤسسات الوطنية، وأن نحارب الفساد من جذوره، وأن نُعيد بناء وعي الشباب على أساس الدين، والانتماء، والمسؤولية المجتمعية. فلا نهضة من دون هوية، ولا كرامة من دون انتماء، ولا حرية من دون وعي.

الفلسطيني الذي عرفه التاريخ لم يكن تابعًا، ولا خائفًا، ولا صامتًا. كان صوته يعلو فوق القهر، ويده تمتدّ لتزرع الحياة في أرضٍ تُسقى بالدماء.
فلنعد إلى جوهرنا الأصيل، ولنجعل من الغضب وعيًا، ومن الوعي ثورةً تعيد للوطن وجهه الحقيقي.

لن يُغلب شعبٌ ما دامت هويته حيّة في ضميره، وما دامت كلمته "لا" للمحتل، و"نعم" للوطن.