المربية ألمازة جبارة - تصوير: قناة هلا وموقع بانيت
فالجائزة، وإن بدت احتفاء بالشجاعة المدنية، تحمل في جوهرها رسالة سياسية مشبعة بمنطق المركز الليبرالي الغربي، الذي يختار رموزه بعناية ليعيد عبرهم انتاج صورة المعارضة المقبولة؛ تلك التي لا تهز البنية الطبقية للنظام، بل تكتفي بمطالبة محسوبة بالاصلاح من الداخل.
أنا أرى في هذا التتويج نوعا من التجميل السياسي للعنف البنيوي الذي ما زال يطحن شعوب الجنوب العالمي. فماريا كورينا، رغم نضالها ضد سلطة قمعية مغلقة، تنتمي الى طبقة اجتماعية تمثل الوجه الاخر لمنظومة السوق الحر التي ساهمت اصلا في تفكيك العدالة الاجتماعية في اميركا اللاتينية. وبذلك تصبح البطولة مؤطرة ومأمونة، تروى بلغة السلام لا بلغة الصراع، وتقدم كدرس في الشجاعة الانثوية المنزوعة من بعدها الجماعي والجذري.
من جهة اخرى ، لا يمكن الحديث عن السلام دون مساءلة البنية التي تنتج الحرب والفقر والاضطهاد. فالسلام الذي تمنحه الجوائز يبقى في الغالب سلاما مريحا للانظمة النيوليبرالية، بينما السلام الحقيقي هو ما يخرج من عمق الارض، من تعب الفقراء وغضب النساء اللواتي يعرفن ان الحرية لا تمنح بل تنتزع.
بالنسبة لي، جائزة نوبل هنا ليست نهاية، بل اختبار لمدى قدرتنا على رؤية ما وراء الرموز: ان نميز بين التكريم كأداة رمزية تعيد ترتيب السردية العالمية، وبين النضال كفعل يومي صامت ومكلف.
السؤال الذي يظل مفتوحا امامي هو: هل نريد سلاما يحتفي به العالم من فوق المنصات، ام سلاما يصنعه الناس في مواجهاتهم اليومية مع السلطة والظلم؟
علينا ان لا ننخدع بالبريق، وان نعيد تعريف السلام بوصفه صراعا من اجل الكرامة لا جائزة تمنح باسمها.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]
