الشيح محمد سليمان - صورة شخصية
لما ظهر الجولاني بالأمس بحلّته الجديدة، " هيئة تحرير الشام " يتكلم بالمصطلحات العصرية على عكس ما عرفناه منه في الماضي لما خرج من عبائة البغدادي، ثم الظواهري، ثم هرع إلى التصريح لوسائل الإعلام العالمية بتصريحات يخطب فيها ود الغرب " الكافر " من وجهة نظره بداية، فهذا إن دلّ فإنما يدل على أن الرجل قد تم إعداده وتنميقه وتجميله أمريكياً ومحلياً، ويكاد يطابق زيلينسكي في طلته وهيئته وحتى لباسه، وأظن أن المُخرِج واحد لكليهما، فقد تم اختياره بعناية ليكون الواجهة الإسلامية " المعتدلة " المقبولة لدى الشعب السوري خاصة ولدى المسلمين عامّة، وهذا واضح في اللهفة في التعاطي مع طبقة الدعاة والمشايخ للموضوع، وقد بدأ يُبنى عليها في إطار التحرر الشامل لهذه الأمة بل وأبعد من ذلك، فلقد شاهدت وقرأت لكثير من الدعاة بأن أغلب الرايات قد رفعت، ولم يبق إلا القليل ليظهر المهدي! تماما كما فعل الشيخ بسام جرار بنبوءة زوال إسرائيل الخاطئة! ويخاطب صاحبنا العالم ويمد يده للمحيط وكأنه القائد الرباني المُلهم، وأنت تشاهد أنصاره يلتفون حوله ليُصوَّر أنه الرئيس القادم لا محالة.
وكما توقعت، فبعد بدء هروب اهل حمص بالآلاف من مدينتهم إلى الساحل خوفاً من بطش هذه الجماعات، بدأت الأصوات الطائفية القميئة تتعالى لتصفهم بالشيعة والعلويين والنصيريين والشبيحة، لكي يُستساغ التنكيل بهم إذا ما حصل، فهذا التقسيم العرقي والطائفي البغيض هو أو معول هدم في قلعة الجولاني، كما كان ولا يزال السبب الرئيسي لزلزلة أركان حكم الأسد الذي ظنّ بأن الطائفية ستحميه، وتعامل مع الشعب السوري بكل أطيافه على هذا الأساس، ظنّاً منه بأن استجلاب الميليشيات الشيعية من كل حدب وصوب سيحمي كرسيه ويعزز جماعته، وليحترق الشعب السوري بكل طوائفه وليتشرد الملايين في العراء، فلا مكان في البلد إلا للأسد، وكان الشعار وقتها" إما الأسد أو نحرق البلد ".
وقبل التطرق للسيناريوهات الثلاثة التي يتوقعها كثير من المحللين، لا بد من الوقوف على إعتبارات الدول وأطماعها في سوريا تحديداً:
فإيران تعتبر سوريا ملفها الإستراتيجي الأول فيما يتعلق بأمنها القومي الخارجي لاعتبارات لا تخفى على أحد، فالموقف منها مبدئي غي قابل للنقاش، ولا تقبل بتقسيم اراضيها كما صرّح وزير الخاجية الإيراني عباس عراقجي، على الرغم من التحفظات الإيرانية الكثيرة على سلوك نظام الأسد، فقد كانت تتطلع منه مثلا أن يصدر عفواً عاماً عن كل المطلوبين، وأن يشكل حكومة جديدة ويعيد ملايين اللاجئين السوريين، وإعادة اللحمة للداخل،وهو ما لم يحققه نظام الأسد، ورغم هذه، التحفظات تعتقد إيران بأن الأسد يجب أن يكون جزءاً من أي تسوية سياسية في المستقبل.
أما الروس فبخلاف الإيرانيين، فقد يتخلوا عن نظام الأسد بإتفاق مع الأتراك ويدعون إلى تشكيل حكومة جديدة لا يكون الأسد جزءاً منها، بالرغم من تسهيل الأسد وصول الروس إلى شرق المتوسط وإقامة اكبر قاعدة لها في حميميم، ولا استبعد مقايضتها الملف السوري بالملف الأوكراني، وأدلل على هذا بسحبها لقوات فاغنر الذراع الحديدي لروسيا في مناطق نفوذها خارج أراضيها، والتي كانت هدفاً لأوكرانيا في الاراضي السورية أدى إلى دور إوكراني في دعم هذه الجماعات، كما فعلت في السودان ومالي.
أما تركيا فلها نصيب الأسد من مجمل ما يحصل اليوم على الارض السورية، فلتركيا تصورٌ استراتيجي خاصّ كإمبراطورية طورانية عثمانية لها نفوذ وحضور في الشرق الأوسط على أساس عرقي،
فنرى بأنها استجلبت خليطاً من المقاتلين الأتراك والإيجور الصينيين والأوزباك والتركمان والداغستانيين والشيشانيين والكزخسنانيين، أما على الصعيد الإسلامي العقائدي الذي تتدثر به تركيا العلمانية وقت الحاجة، فقد دعمت علانية كل الجماعات الراديكالية مثل النصرة(هيئة تحرير الشام) وكل من نتج من مخلفات داعش، وفي السياق
قد تستطيع تحجيم الحلم الكردي بإقامة دولة مستقلة، ولا ننسى مكانة حلب التاريخية في الذهن التركي، فلقد صرح حليف أردغان دولت بهجتي زعيم الحركة القومية ومن على منصة البرلمان بأن حلب وكركوك والموصل أراض تركية، ثم إن لتركياً هدفاً معلناً وهو ضرورة ضرب هلال "محور الممانعة" الذي يتعارض وجوده مع الأطماع التركية في المنطقة، بحيث لا نستبعد إبطال تركيا معاهدة لوزان لعام 1923 من القرن المنصرم المتعلق بترسيم الحدود التركية.
اما إسرائيلياً فيكفيك ربط تزامن وقف إطلاق النار مع لبنان وتحرك فصائل "المعارضة"، ومصلحتها الاستراتيجية في إخراج سوريا من المحور الإيراني، ثم إضعاف إيران وتدجينها قبل أي مفاوضات مقبلة مع أميريكا حول تشكيل الشرق الأوسط مستقبلاً.
وهنا وفي تصوري، سوريا قادمة على ثلاث سيناريوهات محتملة:
الاول: سيطرة الجماعات المسلحة على العاصمة دمشق، والتي اصبحت على بعد اثني عشر كيلومتراً وقت كتابة هذا المقال، يُفضي إلى هزيمة الجيش السوري والأكراد، ومن
ثم تشكيل "الإمارة الإسلامية السورية"، ويعزز هذا المعنويات المنخفضة للجيش السوري ثم قلة الدعم الأمريكي للأكراد.
الثاني: أن يستعيد النظام السوري عافيته وكذلك جيشه، ليستعيد تنظيم صفوفه لدحر الجماعات المسلحة، والعودة إلى سيناريو عام 2016.
السناريو الثالث وهو الأخطر:
تقسيم سوريا إلى ثلاثة دويلات:
1. الحكومة المركزية الممثلة بنظام الأسد في الوسط والجنوب أو ما يُعرف بسوريا المُفيدة.
2. إمارة إسلامية تمتد من الشمال الغربي وصولاً لحماة.
3. كيان كردي شمال شرق سوريا.
وختاماً: أرى بأن السيناريو الليبي والسوداني وقبلهما العراقي، حاضرة وبقوة في المشهد السوري، وعلى كل راقص متحمس أن يعي أن حلم الخلافة لن يتحقق بالأماني والأوهام، لن يتحقق ونحن لقمة سائغة في أفواه حيتان العالم، ولن يتحقق إذا قفزنا على السنن الكونية في طرق التدرج والتغيير، ما لم نفقه الواقع الإقليمي والدولي بآلياته وندرك مدى تغوله وتجذره وسطوته ووحشيته، لن نصل إلى ما نصبوا إليه، ولا يمكن لنا أن نبقى في حالة
إنكار للواقع نعوض عنه بخطبة رنانة ودغدغة للمشاعر، آن لنا أن نخرج من القوقعة على الذات، وأن نفهم طبيعة التعددية بكل ألوانها، ولنا أن ندرك بأن وراء أحلامنا سدوداً منيعة أولها النظام العربي المهزوم المنبطح، الذي لن يسمح كما لن يسمح النظام العالمي بأن تقوم لنا قائمة،
وكأن قدرنا ان ندور في حلقة مفرغة من الصراعات التي لا تنتهي، وعليه: فإن الطريق لا يزال بعيداً، وإن هذه المرحلة المفصلية في مجريات التاريخ لها ما بعدها، وستنعكس بالسلب أو الإيجاب بحسب ما تؤول إليه نهاية الصراع وإن طالت.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]