logo

‬فن الجداريات في المغرب يشق طريقه بثبات من التهميش إلى الانفتاح

تقرير رويترز
30-11-2024 23:50:43 اخر تحديث: 02-12-2024 13:57:00

الرباط (تقرير رويترز) - تحول الرسم على الجدران أو فن "الجرافيتي" في المغرب خلال السنوات القليلة الماضية من مجرد رسوم عشوائية أو كتابات غاضبة على جدران المباني، إلى متنفس يفسح المجال أمام الهواة

(Photo by -/AFP via Getty Images)

والمحترفين على السواء لإظهار مواهبهم وفي الوقت ذاته أداة لنشر الجمال.
وأصبحت الجدران سواء الشاهقة أو العادية في عدد من المدن المغربية مثل الرباط وسلا والدار البيضاء وطنجة مزينة بلوحات عملاقة تعبر عن توجه جديد في الفن والمعمار المغربي الذي يطمح إلى الحداثة وآفاق أرحب.

وقال مراد راشندالي، أحد أشهر فناني الجداريات في مدينتي الرباط وسلا، لرويترز "هناك دافع شخصي يحثني على أن أرسم فوق الجدران الفارغة الميتة لأحولها بلمسة إلى جدران فنية تنبض بالحياة". وأضاف أنه يفضل الرسم على الجدران عن رسم اللوحات التقليدية لأن "اللوحات العادية ترسم في ورشات مغلقة صغيرة غالبا ما يكون الفنان فيها وحده، أما رسم الجدارية يكون في ورش كبيرة مفتوحة أمام الناس".

وتابع قائلا: "الجمهور يشارك الفنان في رسم اللوحة ويتتبع ولادتها منذ البداية وليس كما في الورشات التقليدية".
وتستحضر رسوم راشندالي في معظمها شخصيات ونماذج من التراث أو أخرى طويها النسيان مثل شخصية "الكراب" أو ساقي الماء المغربي التقليدي بزيه المزركش وقربته الجلدية، وهي مستلهمة بشكل رئيسي من أفكار الفنان وبعضها تقترحه الجهات المنظمة للفعاليات الفنية أو المشرفة عليها.

من العنف إلى الفن

مثلما بدأ فن الجداريات أو "الجرافيتي" في العالم من جانب فئات ينظر إليها باعتبارها "مهمشة اجتماعيا" كما الحال مع ذوي البشرة السوداء في الولايات المتحدة الذين بدأوا بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم باستعمال بخاخات الألوان، نبع هذا الفن في المغرب من شبان الأحياء الشعبية والمناطق الفقيرة، خاصة مشجعي كرة القدم.

وتدريجيا بدأت السلطات والدول تدرك أهمية وسيلة التعبير الجديدة وتحولها من مجرد عبارات مسيئة أو خادشة للحياء ورسوم تعبر عن الغضب وتحرض على العنف إلى احتفاليات فنية توظف في تجميل المدن وتمتص طاقة الشباب.

وقال إسماعيل نوح، الذي يرسم الجداريات في حيه الشعبي وسط الرباط ويعمل في الوقت ذاته موظفا، إن هذا الفن "تصالح مع ذاته ومع الجمهور، عندما خرج من الإطار الذي كان يعتبر تخريبيا ليدخل مجال الفن الهادف والراقي ويحاول أن يضفي لمسة من الجمالية على أحياء المدينة".

وأضاف "عندما كنت صغيرا (10 سنوات) كان ينظر إلى هذا الفن كنوع من الشغب، لكن أفرح جدا عندما أرى أبناء الحي الذين ربما كانوا ناقمين في مراهقتهم وطفولتهم يصطفون الآن ويزينون الحي برسومات تعبيرية جميلة مستوحاة من واقعهم المعاش".

وقال مسؤول في مجلس مدينة الرباط طلب عدم نشر اسمه "السلطات فكرت في الأمر بجدية لتنظيم هذا الفن وتقنينه وتعميمه على مختلف أحياء المدن، سواء منها المهمشة أو الراقية، خاصة أن هذا الفن أصبح قائما بذاته وله محبيه ورساميه، ونحن ننفتح على الفنانين المغاربة ومن مختلف دول العالم في هذا المجال".

وأضاف لرويترز "بهذه الخطوة، أي تعميم فن الجداريات، يشعر السكان بأنه لا فرق بين سكان الأحياء الراقية أو الشعبية، وهو ما من شأنه تخفيف الاحتقان والضغط النفسي، خاصة الذي يشعر به الشباب أحيانا، كما اشتغلنا في المناطق النائية أيضا".

ويلخص محمد اشتاتو أستاذ العلوم التربوية أهمية فن الجرافيتي للمجتمع والدولة قائلا "هي ظاهرة فنية مطلوبة في المجتمع، ليس فقط لأنها تضفي جمالية ورونقا على شوارع المدينة بل تبين أن هذا المجتمع في تقدم ورقي ويتذوق الفن، وبالتالي يعطي صورة إيجابية عن البلد".

وأضاف لرويترز "الدولة تلعب دورا مهما في هذا المجال لأنها توفر الفضاء والإمكانيات ليعبر الفنانون والشباب عن أفكارهم ومشاعرهم... في البداية الدولة لم تكن تنظر إلى هؤلاء أن لهم إمكانيات فنية وهو ما يولد مشاعر الكبت والاتجاه إلى العنف، الحمد لله هناك وعي متزايد ونوع من النهضة الفنية، ومن دواعي السرور أن الناس سواء مغاربة أو أجانب يقفون أمام هذه الجدران لأخذ صور تذكارية".

انفتاح على العالم

في إطار الاهتمام المتزايد بفن "الجرافيتي" حرص المغرب على تنظيم مهرجان يجذب مشاركات من الداخل والخارج ليكون مناسبة سنوية تساير مثيلاتها في أنحاء العالم وتسلط الضوء على هذا التوجه التعبيري الآخذ في النمو.
ويقام مهرجان (جدار - فن الشارع) الذي تأسس عام 2015 في فصل الربيع وهي المناسبة التي يقول منظموها إن الهدف منها "وضع الفن في قلب الفضاء الحضري للمدن، حيث يمكن رؤيته بوضوح ومناقشته من طرف الجميع".

وجذب المهرجان في دورته التاسعة في شهر أبريل نيسان الماضي فنانين من ألمانيا وإيطاليا والنمسا واليونان وبولندا والأرجنتين واليابان وبورتويكو وأرجاء المغرب مع تنظيم أنشطة تفاعلية وورش تدريب.
ويعتبر الناقد الفني مصطفى الطالب أن "فن الجداريات يعكس قيما مجتمعية وإنسانية وأحيانا قيم التحرر من رقبة الاحتلال كما هو الشأن في جنوب أفريقيا ضد العنصرية وفي فلسطين على جدار الفصل العنصري ومن قبل ذلك على حائط برلين".

وأضاف "يمكن القول إنه في عصرنا الحاضر فن الجداريات حاضر بقوة في المجتمعات الغربية ليس فقط على الصعيد التربوي، بل أيضا على الصعيد الحضري، لدرجة أن العديد من الفنانين لا يبدعون فقط من ذواتهم، بل يشتغلون تحت الطلب من طرف المؤسسات العمومية أو الخاصة بخلاف الدول العربية أو المغرب الذي لا يزال هذا الفن في بداياته".