تناول المؤتمر، الذي عُقد وسط الأزمات وحالات الطوارئ المتعددة التي تشهدها البلاد منذ عام 2020، مسألة تمكين المجتمعات المحلية المنظمة كأداة أساسية لقيادة الحلول الاجتماعية وبناء حصانة مجتمعية. وشارك في المؤتمر مجموعة متنوعة من القيادات في المجتمع العربي من الحكومة، السلطات المحلية، الجمعيات، الصناديق الداعمة، القطاع الخاص، ومختصين من مختلف المجالات.
افتتح المؤتمر عبيدة أبو عصبة، مدير عام مؤسسة "سند"، حيث شدد في كلمته الترحيبية على دور "سند" الرائد باعتبارها مؤسسة البنية التحتية التنظيمية الوحيدة في المجتمع العربي في الداخل، ودورها في بناء وتنظيم هياكل تنظيمية مبتكرة وفريدة تنبع من الميدان والخبرة العملية.
تبع ذلك كلمات ترحيبية من أحمد مواسي، مدير قسم المجتمع العربي في صندوق إدموند دي روتشيلد، حيث أشار إلى أهمية الشراكة بين الصندوق و"سند" في تطوير شبكة المجتمعات وأهمية توثيق تجربة "سند". عقب الكلمات الافتتاحية، قُدم عرض موجز حول فكرة وإعداد دليل "كيف نبني مجتمعًا؟" - الدليل لبناء المجتمعات المحلية المبادرة. تضمن المؤتمر دراسة حالة حول دور السلطات المحلية كداعم ومحفز للمجتمعات المنظمة، إلى جانب ندوة بعنوان "تعزيز وبناء المجتمعات المنظمة في المجتمع العربي من خلال الشراكات متعددة القطاعات". تلتها فقرة طاولات مستديرة تناولت موضوع تطوير الشراكات متعددة القطاعات في سياق المجتمعات المنظمة.
اختتم المؤتمر بعرض لمبادرة "مجتمع هارموني"، وهي مبادرة شبابية ناشئة تهدف إلى بناء مجتمع من المهنيين والأكاديميين العرب الناشطين.
دليل "كيف نبني مجتمعا؟"
تخللت فقرات المؤتمر إشهارا رسميا لأحد أهم إنجازات مؤسسة سند وهو دليل "كيف نبني مجتمعًا"- الدليل لبناء مجتمعات منظمة مبادرة محليا. وهو وليد عمل وجهد مؤسسة سند التراكمي على مدار عشر السنوات الأخيرة. يهدف هذا الدليل لتسهيل تنظيم المجتمعات، تمكينها من الاستفادة المثلى من خدمات مؤسسة سند وتعزيز التعاون بين المؤسسات المختلفة وسند كشريك موثوق فيه لبناء ودعم المجتمعات المحلية. يتميز الدليل لجانب محتواه المهني والنوعي بكونه الدليل الأول باللغة العربية، ليس فقط على مستوى الداخل، إنما على نطاق العالم العربي أجمع.
رؤية سند للمجتمعات المنظمة
تناول المؤتمر الحاجة إلى حلول سريعة وفعالة لمواجهة التحديات المتزايدة في المجتمع العربي في ظل الأوضاع الصعبة وشح الموارد. وأكد على أهمية دعم البرامج والبنية التحتية للمؤسسات القائمة، معتبرًا ذلك خيارًا أكثر أمانًا وأسرع استجابة من بناء بنى تحتية جديدة تتطلب سنوات ومشجّعا علاقة التكامل بين المؤسسات والجهات المختلفة مع الاستفادة المثلى من الابتكار والتجديد في كل مجال بديلا عن الاستنساخ الذي قد يؤدي الى تشتيت الطاقات والموارد. كما عرضت "سند" شراكاتها مع مؤسسات عملت على تعزيز المجتمعات المحلية المنظمة، معتبرةً أن دعم هذه المجتمعات يسهم في تقليص الفجوات وتلبية الاحتياجات الملحّة، مثل مواجهة العنف والتحديات الاقتصادية والسياسية، نظرًا لقدرتها على الاستجابة السريعة والملائمة.
استعرض المؤتمر رؤية مؤسسة "سند" كحاضنة لخدمة القطاعات والمؤسسات المختلفة في مجال المبادرة الاجتماعية، وأظهر الحضور المتزايد في المؤتمر على مدار ثلاث سنوات النمو المستمر والاهتمام المتصاعد. وأكدت "سند" التزامها بخط استراتيجي لدعم بيئة حاضنة (إيكوسيستم) تعزز المبادرات الاجتماعية في المجتمع العربي، وتشمل مختلف الأطراف من مجتمعات منظمة، صناديق خيرية، سلطات محلية، برامج حكومية، رجال أعمال، جمعيات ومختصين. كما أشادت "سند" بمبادرات استراتيجية في السنوات الاخيرة مثل شبكة "قدرة" والصندوق الخيري "مدد" ومنتدى الجمعيات العربية، وطموحها لتكامل الجهود مع هذه الأطراف.
تطوير الشراكات أمر حيوي وهام
أشارت "سند" في المؤتمر إلى أن الحضور البارز لرؤساء السلطات المحلية في الحدث يعكس إيمانهم بأن تطوير المجتمعات المنظمة المحلية في هذه الفترة الحرجة أمر هام واستراتيجي لتطوير المجتمع العربي ككل. كما أثنت على دور السلطات المحلية الرائدة في هذا المجال، التي قدمت دعماً مادياً مباشراً لهذه المجتمعات، وخصت بالذكر السلطات المحلية في جسر الزرقاء، جلجولية، والطيرة، التي خصصت أماكن دائمة للمجتمعات المنظمة النشطة في بلداتها، مؤكدة أن هذا الدعم جوهري ويعزز تأثير المجتمعات ونشاطها.
كما شدد المؤتمر على أهمية استمرار الشراكات مع الهيئات الائتمانية التابعة للسلطات المحلية، مثل المراكز الجماهيرية، مراكز الشبيبة، المدارس، والمؤسسات الخدمية الأخرى داخل البلدات. واستعرض القائمون أمثلة للتعاون مع هذه الهيئات كخطوة لبناء الثقة وتطوير التعاون مع السلطات المحلية. وذُكرت أيضاً أهمية الشراكات مع الشركات الخاصة ورجال الأعمال من المجتمع العربي، باعتبارها أساساً لتمكين المجتمع من الداخل.
عرض المؤتمر نموذج "سند" الخاص بتطوير التعاون بين القطاعات المختلفة عبر شبكة واسعة تضم المجتمعات المنظمة، حيث تدعم "سند" نشاطات الهيئات والجمعيات والمجتمعات والمبادرين دون العمل المباشر مع الأفراد المستفيدين. وتم استعراض بعض الأمثلة على هذه التعاونات، مثل دعم صندوق "شيلي" للمجتمعات المنظمة في مجال البيئة، ودعم صناديق خيرية أخرى بالتعاون مع جمعية "البيادر" للمجتمعات خلال فترات الأزمات، ودعم صندوق روتشيلد في الاستجابة لجائحة كورونا، بالإضافة إلى دعم صندوق "مبادرات" للجمعيات والمبادرات الاجتماعية في فترة الجائحة، وشراكات أخرى مع صندوق "شاحاف" لدعمها ضمن مراحل إنشاء شبكة المجتمعات، "المرجتيك"، وشركة "الأقرب إليك" ضمن "صندوق التكافل الأكاديمي" لدعم الأكاديميين العرب عبر منح وزعت بالتعاون مع شبكة "سند" وشبكة المتبرعين العرب "قدرة". بالاضافة الى امثلة اخرى.
سند في الحقل
استعرضت "سند" خلال المؤتمر جهودها الرائدة في تطوير المجتمعات المنظمة داخل المجتمع العربي، مشيرة إلى توزيع هذه المجتمعات جغرافياً وتزايد عددها، إضافةً إلى مبالغ الدعم والتوسع الملحوظ في السنوات الأخيرة، ما يؤكد ريادتها في هذا المجال. كما تناولت دور دليل "كيف نبني مجتمعاً" و"مؤشر المأسسة"، الذي يُعتبر الأول من نوعه باللغة العربية في العالم العربي، حيث يتيح قياس تنظيم المجتمعات بشكل كمي ونوعي. وستقوم "سند" قريباً بتقديم تفاصيل أوسع عن هذا المؤشر عند إطلاقه الرسمي.
ولفت المؤتمر الحضور للبرامج الثلاثة الأساسية التي تقدمها "سند" وتطبق بالحقل: برنامج المسرّع، المركز التعليمي، وبرنامج الحاضنة، باعتبارها جزءاً من هيكل "سند" الأوسع. كما تم تقديم دليل "كيف نبني مجتمعاً" كأداة تمهيدية للالتحاق بحاضنة "سند"، ومؤشر "قياس المأسسة" الذي يضاف إلى التدريبات العملية المقدمة للمجتمعات والمجموعات والجمعيات والصناديق والهيئات النشطة. وشُدّد على أهمية هذه البرامج وعلى المسار الطويل والمعقّد الذي خاضته "سند" على مدى عشر سنوات في تطوير المعرفة وتشجيع الابتكار في العمل المجتمعي.
تناول المؤتمر أيضاً الخدمات التي تقدمها "سند" في مجالات تمكين وبناء القدرات التنظيمية للجمعيات والشباب العاملين في مجال المبادرات الاجتماعية، وذلك من خلال المركز التعليمي الذي يوفر تدريبات للجمعيات والسلطات المحلية وهيئاتها، إلى جانب الخدمات الاستشارية التي يقدمها فريق من المتخصصين في "سند".
بارقة أمل
اختتمت "سند" المؤتمر برسالة أمل حذرة بتحسن الأوضاع، مشددة في الوقت نفسه على ضرورة الاستعداد للأسوأ. وأكدت "سند" أن عمل المؤسسات اليوم ضروري وحيوي لتقوية المجتمعات المحلية وتزويدها بالدعم والقدرة على معالجة مشاكلها كونها الأكثر دراية بها وبالحلول الملائمة لواقع المجتمعات المحلي. كما كان تفاعل الحضور مع الرسالة تعبيراً عن الأمل، وإقراراً ضمنياً بأن "سند" هي المؤسسة التي يمكن الاعتماد عليها في أصعب الأوقات، إذا ما وقعت.
صور عممتها مؤسسة سند