logo

وداعًا أستاذ فتحي - بقلم : أ. مأمون ادريس عبد القادر

بقلم : أ. مأمون ادريس عبد القادر
14-10-2024 12:45:35 اخر تحديث: 17-10-2024 09:54:16

الحمدلله رب العالمين والصلاه والسلام على سيد المرسلين ؛ ثم أما بعد ؛ قال تعالى : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا "

صورة شخصية

دقات قلْبِ المرءِ قائله لهُ

إن الحياة دقائق وثواني 

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها                    

فالذكر للإنسان عمر ثاني

جرى على الألسن ذكرك ، وعُدت مناقبك ، فلا تجد احدًا ممن عرفك يا أبا هشام إلا وأثنى عليك بالخير والذكر الحسن ، وشهادة الناس دلالة على خلق الرجل وحسن الخاتمة وتيسير الحساب بإذن الله ومشيئته . 

لا زلت أذكر ذلك المعلم في ابتدائية بن رشد ، الذي يمثل أنموذجاً فريدًا للمعلم من الرعيل الاول ، يجمع بين الشخصيه الجذابة المهابة والشخصية ذات القبول والابتسامة . ومن السعاده والشرف الكبير لي أنني كنت واحدًا من طلابه ، فلقد درسني في الصفين الخامس والسادس ، مادة اللغة العبرية ، والتحقت بعدها بمدرسة بن خلدون ، لأدرُسَ الصفين السابع والثامن . وكان من نصيبي الطيب وحظي الوافر ان أتلقى مادة التاريخ على يد الأستاذ جواد عثمان -أطال الله في عمره-ولتبدأ رحلتي مع التاريخ ، ثم تأخذ علاقتي مع الأستاذين شكلاً آخر من الاحترام والمحبة بعد تخرجي من الجامعة ، فما أروع تلك الأحاديث الماتعة معهما عند اللقاء . وبقيت تلميذًا أحبو على بساط معرفتهم وتجربتهم ، محافظًا على علاقة الود والصداقة بيننا .

غيب الموت استاذنا ومعلمنا " فتحي" الحبيب الغالي جسدًا ، وسيبقى في قلوبنا ولن ننساه أبدًا ، وسبحان الله كيف يلتحق بكوكبة المعلمين الذين قضوا وكنا نذكرهم بالخير ، وسيظل بسيرته ومآثره نبراسًا وقدوةً ومثلًا …

معلم ترك أثره وبصمته على طلابه ، مدار عمله في مجال التربية والتعليم عقودًا ، وتخرج على يدية اجيالاً...

فارق الدنيا وله مسيره عطاء ، وسيرة عطرة ، وذكرى طيبة وروحاً نقيه وتاريخاً مشرفًا …

كان الاستاذ فتحي يدرِّس بملكة المعلم وعقلية الأديب وإحساس الشاعر ، ولم تكن مهنة التدريس وظيفه يعتاش منها ، ولكن رساله يعيش لها …

حمل الأمانة بإخلاص وتفان ، فعرفناه معلمًا هادئًا متسامحًا ، بَشًا ، ألفا مألوفا ، ملتزمًا بالتدريس ، متفانيًا بعمله وواجباته ، تحلى بدماثه الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب ، تميز بالتواضع الذي زانه خلقًا فزاده تقديرًا واحترامًا ومحبةً في قلوب الناس والطلاب وكل من عرفه …   

نودعك أستاذنا ، وقد عزَّ نظيرك وقلَّ مثيلك ، وما أحوجنا للمعلم المعلم، وخاصةً ونحن نعيش هذه الفترة العصيبة من تاريخنا ، وما يشهده حالنا من ضياع قيمي وأخلاقي ، وما تمر به التربيه والتعليم من سوء الحال ، وما يضيق عنه المقال …

أستاذنا ؛ قبل أيام وسدناك التراب ، فطوى التاريخ صفحه حياه ، وضم الثرى جسداً في حناياه ، ماضياً إلى رحاب الله ، قد أديت أمانتك وقمت بدورك ، ويصدق فيك قول الشاعر : 

خلفت في الدنيا بيانًا خالدًا            

وتركت أجيالًا من الأبناء 

وغدًا سيذكرك الزمان ولم يزل     

للدهر إنصاف وحسن جزاء  

أسال الله أن ينزل على روحك الضياء والنور ، والفرحة والبهجه والسرور وأن يجعلك من سعداء أهل القبور …

وأسأله تعالى أن يتغمدك بمغفرته ، ويكتنفك بعنايته ويكلأك برحمته … اللهم آمين …

وآخر دعواهم فيها أن الحمدلله رب العالمين .