logo

يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - خارج التغطية

23-08-2024 05:20:17 اخر تحديث: 23-08-2024 05:28:09

هذا الإحساس الذي يرافق أغلب البشر أن هناك من يراقبهم من البشر مقلق جدًا، للحظة فُقدت أهم خصائص الحياة عندما قرر أحدهم مشاهدتك ومراقبتك عن قرب، فيكفي أن تذكر بجانب هاتفك الحاجة

يوسف ابو جعفر - صورة شخصية

 إلى إجازة وخلال دقائق يعرض عليك في مواقع التواصل الاجتماعي إجازات وطيران وتذاكر. يكفي أن تشاهد مقطعًا من فيلم حتى يعيده ويكرره لك الهاتف وما يشابهه من أفلام. الذكاء الصناعي منظومة وضعها البشر كي تستنتج وتحلل وتجمع البيانات حول موضوع أو شخص وهكذا دواليك.
المشكلة تكمن في أين الحدود والسماء مليئة بالأقمار الصناعية التي تراقب القريب والبعيد، تشاهد الصغير والكبير وبين هذا وذاك، تسترق السمع تشاهد الوجوه تتابع الخطوات دون توجيه من البشر، يمكنها اتخاذ القرار الذي تراه مناسبًا في غياب العنصر البشري.
على الأرض عالم كامل من الكاميرات والهواتف تعمل على ارسال بيانات بشكل طبيعي وبعلمنا وموافقتنا عن مكاننا، ماذا ناكل ماذا نشرب وفي أسوأ الأحوال ماذا أكلنا وماذا شربنا إذا قمنا بالدفع بعد الطعام، في الغالب تستطيع التنبوء بخطواتنا القادمه.
استطيع القول وبكل تأكيد أننا تحت الإرسال الرسمي بشكل دائم، ولا حول لنا ولا قوة أمام قوة وجبروت الأنظمة والدولة إذا قررت اختراق حياتنا نحن بنو البشر، ولنتذكر مهمتنا الأولى العيش ولسنا في مهمات نحاول فيها إخفاء حقائق أو الخروج عن القانون.

" أسئلة تحتاج الى أجوبة "
هناك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة، هل نعلم ذلك؟ وكم نعطي الأمر من الأهمية؟ لقد سمعت كثيرون يقولون لا يهمني ذلك وأنا أتفهم أن الإجابة نابعة من عالم اللامبالاة، فمن يعتبر اختراق خصوصيته أمر عادي في الغالب هي الشعوب المقهورة التي تعودت النظام القمعي حتى ولو لبس الشكل الديمقراطي، لذلك شعور اللامبالاة مرهون بالخوف ليس على الخصوصية بل الخوف من النظام.
لكن المقلق هو أننا تحت الإرسال مرتين الأولى إجبارًا من خلال النظام العالمي، أما الثانيه فهي حالة اختيارية، نريد أن نكون متصلون كل الوقت، متصلون نُتابع ونُتَّبع بين عرضنا حالنا  ومعرفة اخبار الاخرين قضينا  بهدوء على أخر معاقل الخصوصية في عالمنا الشخصي.
البعض لا يستطيع تخيل العالم دون التواصل المستمر! وإذا أعدت الذاكرة للوراء قليلًا ستدرك أن العالم كان يعيش عصرًا ذهبيًا حتى منتصف القرن الماضي، حينها بدأت الطفرة العلمية تأخذنا بعيدًا لنتحول من مستفيدين إلى مستهلكين إلى حقل تجارب ومراقبين.
يومها كان عنصر الزمن يسير الهوينا، ولم تكن حياتنا مليئة بهذه الضغوطات والأفكار، يومها كنا ننتظر الرسالة أيامًا حتى تصل وربما شهور إذا كانت من أعالي البحار، يومها كنا نشتاق لأننا كنا ننسى وجوه الأحبة فليس هناك صور أو هواتف، يومها كنا نأكل عند كل المطاعم فليس لها صفحات فيسبوك وإنستغرام، يومها كان أقصى ما يكون ربما عرس واحد أو اثنين في العام، يومها كل شي كان يسير الهوينا.
يومها كنا خارج الإرسال، خارج التغطية كانت لدينا أشواق، إذا سافرنا حدثنا عن أجمل المناظر ووصفناها وكانت قريبة من الخيال، لقد كان السفر متعة لا يتقنها إلا الأغنياء المترفون، يومها كان خيالنا وإدراكنا أكبر من الزمن.
نحن في زمن نريد فيه الخروج خارج التغطية، فلا أحد يعرفنا ولا يدرك من نحن، لا أحد يعرف ما يجول في عقولنا، أسرارنا تبقى بيننا وبين الله وليس بيننا وبين الناس، أفراحنا أحزاننا الشخصية كانت لنا، أما اليوم فأصبحت طقوس نشاهدها ونشاركها.

" عظمة الخصوصية "
وحتى نلتقي، لا يدرك قيمة وعظمة الخصوصية إلا من فهم أنه إنسان ذو كيان وليس بضاعة، نحتاج أن نكون خارج التغطية ليس خوفًا من أحد ولكن على الأقل لا نضيع في زحمة  وسرعة المسير نحو المجهول، كي نتوقف نفكر، نحب نكره دون أن يعرف عنا أحد نلعن الحاكم دون خوف، نشكر الرب دون رياء، نترك للزمان عنصر المفاجأة ولا نصبح كم يبحث ويلهث خلف سراب في وسط صحراء وفي حقيبته أعذب الماء، نحتاج أن نستظل تحت شجرة نلعب كالاطفال دون أن تلاحقنا عيون البشر في السماء وكاميرات الهواتف في الأرض، نحتاج أن نبحث عن أنفسنا في وسط الزحام كي لا نضيع ونهتدي الطريق.