logo

يوسف أبو جعفر من رهط يكتب في بانيت : حتى نلتقي – الرقيب

12-07-2024 05:23:24 اخر تحديث: 16-07-2024 03:40:49

قررت في البداية أن أكتب دون رقيب، ثم وجدتني أراقب ما كتبت وأعيد التفكير وحتى أخذ من الأمر فوق العادة صياغة فقرات أو محوت أكثر من مرة، هذا الأمر أعاد إلى ذهني حديث جرى بيني وبين صديق

يوسف أبو جعفر - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا

يقول فيه أن كتابتي بدأت تختلف، قلت لماذا؟ قال ربما الموقع الذي أنت فيه لا يحتمل النقد، وفي الحقيقة لا أعرف، كل ما أعرفه أن سلاسة الأفكار ما زالت موجودة ولكنّي أنتقي الأوقات المناسبة لطرحها وأحيانًا تفرض هي حضورها.
ربما لكل واحد منا رقيب في كل شيء، رقيب يلبس أكثر من قبعة، رقيب ديني، رقيب سياسي، رقيب اجتماعي، رقيب حزبي، رقيب مهني وفي كل الأحوال هذا الرقيب يقرر لنا رغم ادعاء الجميع بالقدرة  على الحديث كيف نشاء وقتما نشاء، رقيب يجعل من اللغة أو الحديث يأخذ منحىً غير ما نريده.
كم مرة أردنا أن نصارح أحدًا بما يجول في خاطرنا أو ما سمعنا ثم توقفنا؟ هذا الرقيب الذي منعنا علل لنا أسباب كثيرة كي لا نتكلم، كم مرة أردنا أن نقول للسياسي أنت منافق وتوقفنا؟ وعلل ذلك الرقيب بالمصالح تارة والحكمة أخرى وحينًا الخوف أو المستقبل وقبلنا، كم مرة أردنا أن نهمس بكلمات حب أو إعجاب أو إطراء ثم توقفنا؟  لأن الرقيب أخبرنا بعشرات الأسباب ألا نفعل، هذا الرقيب يسكن في داخلنا بنى له قصرٌ وأحاطه باسلاك الشك وزعزعة الثقة حينًا وفي أوقات أخرى أسباب الحماية النفسية والجسدية، كل المنظومات موجودة داخل هذا  الرقيب.

" منعنا من ارتكاب الحماقات "
أجمل ما في الرقيب هو أسواء ما فيه، أنه يمنعنا من ارتكاب الحماقات ومن التهور ولكنه يحرمنا لذة العفوية وقوة التأثير بحجج قد تكون صادقة ولكنها صادمة عندما يتمادى الرقيب في عمله ويصبح هو من يقرر.
كل فرد فينا يربي رقيبه حسب مراحل عمره ومن حوله، ولذلك الحوارات والنقاشات الصادقة تكره وجود الرقيب، ولكن هيهات هيهات، فرقباء مجتمعنا بدأوا بالاستقلال عن ذاتنا وخرجوا إلى العلن فوضعوا قوانينًا صارمة، هناك رقيب ديني في المقام الأول ولكنه مغلف بفكر أو رؤية معينة، هذا الرقيب في العادة هو الأقوى أو هكذا نريد الإيمان على الأقل، ثم الرقيب السياسي ويأتي في المقام الأول في الدول والمنظومات السياسية الكبرى وخاصةً القسرية وذات الحزب الواحد، هذا الرقيب قويٌ لدرجة تهديد الحياة، ثم الرقيب الاجتماعي ما اصطلح عليه الناس في المحليات والعموميات.
الغريب أن حوارًا غير مكتوب يدور بين الرقيب العام والخاص في حديث غير مرئي أو مسموع، حديث يختمر بهدوء بين الطرفين، عندما نريد أن نكتب أو نقول شيئا عاما أو خاصًا، هل سنقول أو نغير من الكلام، ولذلك أول الرقابة التي تعلمناها في الصغرفي النقاش" لا تقول كذاب، بل قل غير صادق" هذه كانت ربما الرقيب الأول المجتمعي الذي وضع بصمته علينا كمجتمع.

" ما هو حيز الرقيب الداخلي ؟ "
الرقيب هو الذي يقرأ أولاً كلماتي قبلك أنت شخصيًا وهو أيضاً الذي يجبرني كثيرًا أن أعيد صياغة كلماتي، يبدو صادمًا بعض الشيء وربما فيه من الألم  ولكنها الحقيقة. يبقى السؤال ما هو حيز الرقيب الداخلي وما هي صلاحياته؟ كلما كَبُر الرقيب في داخلنا أقام اسلاكًا شائكة حول كلماتنا وأفكارنا وبذلك يصبح هو سيد الموقف، ربما يحافظ علينا إلا أنه سيصيبنا بالإحباط تحت مسميات الأمن، سيعيش الجهل تحت مسمى التغير البطيء ووتيرة التغيير، سنقف عاجزين أمام قضايانا الكبيرة.
وحتى نلتقي، هذا الرقيب بحاجة نحن  لإعادة التفكير في قدرته على منعنا وذلك بإن نضع له القوانين لأ أن يضعها هو لنا،  أن نصطلح من جديد على مسميات وهامش حرية أكبر مع مراعاة عدم قتلنا للرقيب لئلا نشعر لوهلة أننا نستطيع فعل كل ما نريد .